عدد المقالات 197
في صباح السابع من أكتوبر، تتجدّد الذكرى الثانية لــ «طوفان الأقصى»، يوم تقف فيه غزة على فوهة بركان على نحو استثنائي، وتقف الأجساد بين أنقاض المنازل وتجمعات بمئات الآلاف الذين تلاحقهم آلات الموت للاحتلال الإسرائيلي. في هذا المشهد الدموي، برزت دولة قطر كأحد اللاعبين القلائل الذين امتلكوا الجرأة على أن يكونوا أكثر من مراقب بل نافذة سياسيّة تُنزل أبعاد الصراع والحرب الطاحنة والإبادة الجماعية بحق الشعب الفلسطيني إلى طاولة الحوار. وقد راهنت الدوحة على أن وجودها وسط التوترات بين القيادة الفلسطينية وإسرائيل، والقوى الكبرى يمكن أن يكون نقطة اِتّزان ونزاهة في زلزال لا يزال يفتّت أرض الواقع من تحت أقدام الفلسطينيين، ويدمر البشر والحجر. واتسمت الدوحة بــ «الدبلوماسية النشطة» أو «القوة الناعمة»، مستخدمة مواردها المالية وعلاقاتها المتوازنة مع دول عدّة حول العالم لتكون حلقة وصل بين الأطراف، ومنصة للتفاوض، ورافدا إنسانيا في أوقات القهر. دولة قطر رافد إنساني للشعب الفلسطيني وأهل غزة منذ اللحظة الأولى لبدء العدوان الإسرائيلي، تولّت دولة قطر دورا فاعلا في تقديم المساعدات العاجلة إلى قطاع غزة، عبر قوافل برية وجوية وبحرية، تضم الغذاء، والأدوية، والوقود، والمستلزمات الطبية الأساسية. وفي الكثير من الحالات، تولّتها الدوحة بنفسها أو عبر مؤسساتها الخيرية بالتنسيق مع الأونروا ومنظمات إغاثة دولية، لضمان وصول الدعم إلى المناطق التي تعصف بها المعارك. وبالتوازي، سخّرت الدوحة موارد مهمة لدعم البنى التحتية المدمّرة؛ إصلاح شبكات المياه ومحطات ضخها، وتشغيل محطات الكهرباء المتضرّرة جزئيا، ودعم المستشفيات في تأمين المواد الطبية والمولدات، كي لا تنهار قدرتها على تقديم خدمات إنقاذ الأرواح. ولدى استهداف بعض المناطق بشدة واختراق المعابر، صارت التحديات اللوجستية هائلة، لكن قطر بدت معتمدة على تواصل داخلي مع الفصائل المحلية لتوزيع المساعدات في الأماكن التي يصعب الوصول إليها. وبهذا الأسلوب، نجحت في أن تبقى بعض المرافق الحيوية قادرة على العمل ولو بصورة جزئية وسط أجواء القصف والحصار. الوساطة الدبلوماسية القَطرية بين الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي لم تكتف قطر بأن تكون متبرّعا؛ بل اعتبرت نفسها وسيطا على الأرض، جالسة في موقع تقاطع بين الفاعلين المحليين والدوليين. من خلال استضافة جولات تفاوض سرّية في الدوحة، تنسيق تبادل الأسرى، وفتح قنوات اتصال غير معلنة، سعت الدوحة إلى احتواء الصراع في أوقات الذروة. إحدى نقاط القوة التي تمتلكها الحكومة القطرية هي علاقتها المتوازنة مع جهات دولية، وكذلك قدرتها على التواصل مع الفصائل الفلسطينية، ولا سيما حماس، بفضل استضافة مكتبها السياسي في الدوحة منذ سنوات طويلة. وهذا الأمر يمنحها هامش حركة في التفاوض لا يملكه كثيرون. وخاضت الوفود الدبلوماسية القطرية جولات من التفاوض ووقف التصعيد للهجمات الإسرائيلية، وإنجاز الهدنة، ومبادلة الأسرى بين الطرفين، وهو ما جعل معظم دول العالم ترسل رسائل الشكر للحكومة القطرية، وبذلت الحكومة القطرية بالتعاون مع جمهورية مصر العربية والولايات المتحدة الأمريكية جهودا واسعة لوقف الاعتداءات وتهجير السكان الفلسطينيين. كما غطت قناة الجزيرة والإعلام القطري حرب 7 أكتوبر بشكل مباشر وحصري في كثير من محطاته المهمة. ونقلت معاناة النازحين والجوعى والجرحى والمصابين والمكلومين، وأصاب الكيان حالة من الجنون في اتهام الجزيرة وغيرها بأنهم يصعدون وينقلون المستجدات للعالم باللغات الرسمية المهمة، وهو ما أدى لحراك شعبي سلمي عالمي ضد الإبادة الكبيرة الحاصلة في غزة ومخيم جنين وبناء المستوطنات في الضفة الغربية. واستمرت الوساطة القطرية دون توقف، ولكن واجهت صدمات حقيقية وانتهاكات خطيرة؛ في 9 سبتمبر 2025، تمّت غارة داخل الدوحة استُهدفت فيها مقرّات اجتماعات للوفود المفاوضة، وهو ما اعتبر تجاوزا للسيادة القطرية، وهو ما حرك الرأي العام الأممي والدولي والعربي ضد العنجهية والسياسة العدوانية للكيان الإسرائيلي، والذي امتهن كما تحدث حضرة صاحب السمو الشيخ تميم بن حمد آل ثاني أمير البلاد المفدى، عنهم، القتل والإرهاب والإبادة بحق المدنيين من أبناء غزة المكلومة. ومع ذلك، أعلن معالي الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني رئيس مجلس الوزراء وزير الخارجية لاحقا أن الوساطة ستُستأنف، وأن زخما جديدا أعادها إلى موقع الفعل، خصوصا مع توقيتات المبادرات الأخيرة، وبدعم دولي يُعيد الدعائم إلى العملية التفاوضية بين الجانبين في إطار التوسط الأمريكي والأوروبي لعودة الدور القطري. وأعلنت الإدارة الأمريكية أن قطر شريك إستراتيجي وأي اعتداء عليها من أي طرف عالمي هو اعتداء على واشنطن نفسها. الجسور الإنسانية والتشبيك الأممي إلى فلسطين في العمل الإنساني، لم تكتفِ قطر بتمويل مباشر فحسب، بل سعت إلى بناء شراكات استراتيجية مع وكالات الأمم المتحدة، ومنظمات غير حكومية محلية ودولية. وبهذه الشراكات، تمّ تنسيق عمليات التوزيع، وتحقيق أقصى استفادة من الموارد المتوفّرة. كما دعمت قطر المشاريع التي تُعزز من صمود السكان، كإعادة تأهيل المدارس والمرافق المتضررة جزئيا، وفتح فرص تعليم جزئية للطلاب، لضمان أن الأجيال لن تُهمل في خضم الحرب. ولدى الأزمات التي تهدّد الصحة العامة، مثل انتشار الأمراض في ظل الاكتظاظ والنزوح، تدخلت الدوحة لتمويل لجان طوارئ صحية، وتوفير أدوات العزل والعناية، مع التركيز على الفئات الأكثر عرضة كالأطفال والنساء وكبار السن. غير أن العمل الإنساني ظلّ مرهُونا بقدرة فتح المعابر، إذ إن أونروا في تقريرها الأخير تُشير إلى رفض إسرائيل لأكثر من نصف محاولات دخول المساعدات خلال بعض الفترات، مما يُعرقل أي جهد مهما كان حجمه. اِشتراك دولة قطر في مبادرة ترامب للسلام مع إطلاق خطة ترامب التي تتضمن نحو 20 بندا لوقف إطلاق النار، وإعادة الإعمار، وتبادل الأسرى، ودور دولي عربي وإسلامي في إدارة غزة، انخرطت الدوحة بوضوح كمشارك رئيسي في تنسيق تنفيذ المقترح. وسارعت الدوحة إلى التنسيق مع الإدارة الأمريكية في صياغة بعض البنود، وشرعت في التواصل مع قيادة حركة المقاومة الإسلامية حماس لمناقشة الرد الفلسطيني، وسعت مع تركيا ودول فاعلة لحثّها على الانخراط بطريقة بناءة في وقف الحرب. وقد تواصل حضرة صاحب السمو الشيخ تميم بن حمد آل ثاني أمير البلاد المفدى، مع القادة الأمريكيين لتأكيد دور الدوحة كشريك رئيسي، لا مجرد منفّذ للمقترح، بل ضامن لتنفيذ بنوده ومراقبة تطبيقه. وهذا التمثيل يُعطي قطر دورا إضافيا،ومحاولة خلق السبل لتحقيقه. ومن جانبها، دعَت قطر حركة حماس إلى الرد الإيجابي على المقترح، معتبرة أن الاستمرار في القتال دون أفق سياسي هو طريق لمزيد من الثمن البشري. ومع مبادرة ترامب، دخلت قطر في ساحة جديدة؛ فدورها لم يعد فقط التوسط بل التطبيق والضمان. وخلاصة القول.. أثبتت دولة قطر منذ 7 أكتوبر وحتى اليوم أنها دولة داعمة وفاعل مركزي جمع بين العمل الإنساني والوجداني والدبلوماسية المرنة والمسؤولية الأخلاقية. وتحرّكت بمرونة بين كل الميادين من الميدان الإنساني وطاولات التفاوض، وساهمت في تخفيف معاناة الفلسطينيين، وفي إبقاء قنوات الحوار مفتوحة رغم المعوقات السياسية والعسكرية. ومع استمرار الأزمات وتعقّد المشهد، تبقى الدوحة رهانا حقيقيا على حضور عربي متوازن في صناعة السلام العادل، يضع الإنسان قبل الحسابات، ويجعل من صوت غزة جسرا نحو مستقبل أقل وجعا وأكثر كرامة. @FalehalhajeriQa
حدثان مهمان يحملان الكثير من الدلالات وسيكون لهما العديد من الانعكاسات على أمن المنطقة، الأول توقيع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، أمس الأربعاء، أمرا تنفيذيا تعهد فيه بضمان أمن دولة قطر، بما في ذلك استخدام القوة...
في لحظة تاريخية تتجه فيها أنظار العالم نحو نيويورك، ألقى حضرة صاحب السمو الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، أمير البلاد المفدى (حفظه الله)، خطابه أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة في دورتها الثمانين. ولم يكن...
انعقدت في الدوحة، يوم أمس الاثنين 15 سبتمبر 2025، القمة العربية الإسلامية في ظروف غير مسبوقة، حيث جاء القادة إلى عاصمتنا «دوحة السلام» التي تعرضت لاعتداء إسرائيلي غادر، استهدف بيتا آمنا تقيم فيه عائلات فلسطينية...
لم يكن مساء التاسع من سبتمبر 2025 يوما عاديا في تاريخ قطر والمنطقة. فالعاصمة الدوحة، التي اعتادت أن تكون جسرا للحوار وميدانا للوساطة، فوجئت بضربة إسرائيلية غادرة استهدفت أرضها في سابقة خطيرة هي الأولى من...
في مشهد ينذر بتحول نوعي في مسار العدوان الإسرائيلي الوحشي بالمنطقة، استهدفت صواريخ إسرائيلية مساء أمس الثلاثاء، «دوحة السلام»، لتُصيب مقرات سكنية يُقيم فيها عدد من أعضاء المكتب السياسي لحركة حماس، ممن كانوا منخرطين في...
في زمن بات تناول الألم والعذاب الذي يعيشه إخواننا في غزّة بشكل اعتيادي، كان صوت الصحفي الميداني أنس الشريف من قلب المأساة الفلسطينية، بمثابة صرخة ضمير: «لم أتمالك نفسي من هول المجازر، لكنني وجدت صوت...
لم تعد الوساطة في النزاعات الدولية حكرا على القوى الكبرى أو المنظمات الأممية، بل برزت دولة قطر في العقدين الأخيرين كلاعب محوري في هذا المضمار، تجمع بين الحياد السياسي، والقدرة الاقتصادية، وشبكة علاقات إقليمية ودولية...
بين اتساع رقعة الحرائق في الإقليم، واستمرار الاشتباك المباشر بين إيران وإسرائيل، وجدت دولة قطر نفسها – دون رغبة أو انخراط – أمام لحظة فارقة. ولم تكن الدوحة طرفا في المواجهة، لكنها استُهدفت. ولم تكن...
في 14 مايو 2025 حطّت طائرة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في الدوحة، في زيارة تاريخية تأتي تتويجا لجولة في المنطقة شملت أيضا قمة خليجية-أمريكية في الرياض قبل يوم واحد. وهذه الزيارة الرئاسية إلى قطر –...
في مرحلة تتسم بتشابك الأزمات وتعدد مسارات النزاعات في المنطقة العربية والشرق الأوسط، تبرز دولة قطر كفاعل دبلوماسي نشط يسعى لإعادة صياغة المشهد الإقليمي، انطلاقا من رؤية قائمة على الحوار والشراكة، لا على الصدام والاستقطاب....
«قطر أظهرت قولاً وعملاً على مر السنين تضامنها الكامل ودعمها المطلق للبنان»، ربما تكون هذه العبارة الأكثر توضيحاً للموقف القطري من لبنان على مر السنين. وتزداد أهميتها أنها على لسان رأس الدولة اللبنانية فخامة الرئيس...
بداية الحرب الإسرائيلية الأخيرة على قطاع غزة والشعب الفلسطيني، كانت دولة قطر حاضرة في الخطوط الأمامية للجهود الإقليمية والدولية الرامية إلى وقف إطلاق النار، وتخفيف المعاناة الإنسانية عن الشعب الفلسطيني. وهذا الدور لم يكن وليد...