عدد المقالات 193
في مشهد ينذر بتحول نوعي في مسار العدوان الإسرائيلي الوحشي بالمنطقة، استهدفت صواريخ إسرائيلية مساء أمس الثلاثاء، «دوحة السلام»، لتُصيب مقرات سكنية يُقيم فيها عدد من أعضاء المكتب السياسي لحركة حماس، ممن كانوا منخرطين في مفاوضات حساسة تتعلق بوقف إطلاق النار في غزة. وأدى الاعتداء إلى استشهاد أحد عناصر قوة الأمن الداخلي «لخويا» وإصابة آخرين، في واقعة اعتبرها المراقبون سابقة خطيرة وتهديدا مباشرا لسيادة دولة قطر، وللدور الذي تلعبه كوسيط رئيسي في الملفات الإقليمية. ووسط إدانات عالمية وتضامن دولي واسع مع دولة قطر إزاء هذا الهجوم الغادر، كانت كلمات حضرة صاحب السمو الشيخ تميم بن حمد آل ثاني أمير البلاد المفدى، واضحة ومعبرة عن الموقف القطري، وذلك خلال الاتصال الهاتفي الذي تلقاه سموه مساء أمس، من فخامة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، إذ أكد الأمير المفدى أن «دولة قطر ستتخذ كافة الإجراءات الكفيلة بحماية أمنها والمحافظة على سيادتها، وستواصل نهجها البناء في الوقوف مع الأشقاء والأصدقاء ونصرة القضايا الإنسانية العادلة بما يوطد دعائم الأمن والسلم الدوليين». وشدد سموه على أن دولة قطر تدين وتشجب بأشد العبارات هذا الهجوم الإجرامي المتهور، باعتباره انتهاكا صارخا لسيادتها وأمنها، وخرقا واضحا لقواعد ومبادئ القانون الدولي، محملا تداعياته للكيان الإسرائيلي، الذي يتبنى سياسات عدوانية تهدد أمن واستقرار المنطقة، وتعرقل الجهود الرامية إلى خفض التصعيد والتوصل إلى حلول دبلوماسية مستدامة. وطالب سموه المجتمع الدولي بتحمل مسؤولياته القانونية والأخلاقية إزاء هذه التصرفات المارقة ومحاسبة المتورطين في ارتكابها. هذه المعاني وردت أيضاً على لسان معالي الشيخ محمد بن عبدالرحمن بن جاسم آل ثاني رئيس مجلس الوزراء وزير الخارجية، الذي أكد في مؤتمر صحفي مساء أمس على أن «دولة قطر لن تتهاون بشأن المساس بسيادتها وتحتفظ بحق الرد على الهجوم السافر». وشدد معاليه على أن «الهجوم كان عملية غادرة مائة بالمائة ولم نعلم به إلا وقت حدوثه»، مضيفاً أن «هجوم اليوم رسالة إلى المنطقة تقول إن هناك لاعبا مارقا في المنطقة وعربدة سياسية». دولة قطر: سيادة لا تُمس ورسالة صارمة إلى مجلس الأمن لا شك أن هذا التطور الخطير في المنطقة لم يأت بمعزل عن السياق، بل جاء في وقت تبذل فيه الدوحة جهودا مكثفة، بالتعاون مع واشنطن والقاهرة، من أجل وضع حد للحرب المستمرة في غزة منذ نحو عامين. وهذا الاعتداء أثار صدمة على المستويين الشعبي والسياسي، حيث رأه القطريون والعرب رسالة استعلاء جديدة من جانب إسرائيل، تستهدف ليس فقط دور المقاومة، بل أيضا أي محاولة عربية مستقلة تسعى للسلام وحل النزاعات بالطرق السلمية. وبدا واضحا أن ما جرى في الدوحة هو حلقة في استراتيجية إسرائيلية لتوسيع دائرة المواجهة، وفرض معادلات جديدة على حساب استقرار الإقليم. سرعان ما أعلنت وزارة الداخلية القطرية تفاصيل الاعتداء، مؤكدة أن الانفجارات التي دوّت في أنحاء متفرقة من الدوحة كانت نتيجة استهداف إسرائيلي مباشر لمقرات يقيم فيها أعضاء من المكتب السياسي لحركة حماس. البيان أوضح أن قوة الأمن الداخلي «لخويا» تعاملت بسرعة فائقة مع الموقف، ولكن الاعتداء أسفر عن استشهاد الوكيل عريف بدر سعد محمد الحميدي الدوسري أثناء قيامه بمهامه، وهو ما منح الحادثة بُعداً وطنياً يمس كل بيت قطري. وشددت وزارة الداخلية على أن جميع الأجهزة المختصة باشرت مهامها في مسح وتأمين المنطقة المتضررة، واحتواء الموقف وفق أعلى المعايير. إلى جانب ذلك، وجّهت الدوحة رسالة عاجلة إلى مجلس الأمن الدولي أكدت فيها أنها «لن تتهاون مع هذا السلوك الإسرائيلي المتهور والعبث المستمر بأمن الإقليم»، في إشارة واضحة إلى أن قطر ترى في الاعتداء ليس فقط انتهاكا لسيادتها، بل هو تهديد مباشر لأمن الخليج والمنطقة. الرسالة القطرية حملت دلالات بالغة القوة: فدولة صغيرة بحجمها الجغرافي، لكنها كبيرة بتأثيرها الدبلوماسي، تقول للمجتمع الدولي إن حدود السيادة لا تقبل المساومة. وبالنظر إلى الدور الذي تضطلع به الدوحة في الوساطة بين حماس وإسرائيل، فإن الاعتداء يُقرأ أيضا كمحاولة إسرائيلية لإقصاء قطر عن أي جهد تفاوضي، وإرسال إشارة ردع لأي طرف عربي قد يسعى لتبني مواقف مستقلة. التضامن العربي والإسلامي: جبهة موحدة ضد العدوان لم يتأخر الموقف العربي والإسلامي في التعبير عن الغضب، إذ أصدرت عواصم عديدة بيانات إدانة متلاحقة، وجميعها شددت على أن الاعتداء يشكل «انتهاكا صارخا» للقانون الدولي، وتهديدا خطيرا للسلم الإقليمي، وفيما أكدت السعودية تضامنها الكامل مع الدوحة، محذرة من أن استمرار إسرائيل في سياساتها «سيقود إلى عواقب وخيمة»، فقد وصفت الكويت الهجوم بأنه «عدوان غاشم»، والأردن من جهته اعتبر الاعتداء «تصعيدا استفزازيا غير مقبول»، بينما رأت مصر فيه «سابقة خطيرة» تستهدف دور الوساطة القطري. وعلى هذا المنوال سارت بيانات الدول الشقيقة والصديقة. الجامعة العربية بدورها أصدرت بيانا شديد اللهجة، معتبرة أن الهجوم استهداف مباشر للجهود القطرية منذ بداية الحرب، والتي عملت إلى جانب مصر والولايات المتحدة من أجل التوصل لوقف إطلاق النار. أما مجلس التعاون الخليجي، فقد عبّر عن «استنكار واستهجان» العملية، مؤكدا أن دول المجلس تقف «صفا واحدا» مع قطر في مواجهة العدوان. تركيا دخلت على الخط، ووصفت الاعتداء بأنه دليل على أن إسرائيل لا تريد سلاما، بل تسعى لمواصلة الحرب. هذا الإجماع العربي والإسلامي يعكس حالة نادرة من التوافق، ويظهر أن الاعتداء الإسرائيلي على الدوحة لم يكن مجرد خرق، بل مسّ بجوهر التضامن الإقليمي، ما جعل القضية تتحول إلى قضية عربية وإسلامية جامعة. المجتمع الدولي: تحذيرات من الانزلاق إلى الهاوية على الصعيد الدولي، حذّر الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش من خطورة ما جرى، واعتبر أن «استهداف قطر خرق صارخ للقانون الدولي ولسيادتها الوطنية»، مشددا على أن الدوحة تلعب دورا إيجابيا للغاية في محاولات التوصل إلى وقف إطلاق النار في غزة. وهذه التصريحات لم تأت من فراغ، إذ تدرك الأمم المتحدة أن الاعتداء على قطر، الدولة المضيفة لمفاوضات حساسة، يعني عمليا إفشال أي أفق دبلوماسي للحل. المواقف لم تقتصر على الأمم المتحدة، ولا على الدول العربية، بل أدانت دول آسيوية مثل أوزبكستان وقيرغيزستان، العدوان الإسرائيلي، معتبرة أن ما جرى يشكل «تجاهلا خطيرا لميثاق الأمم المتحدة». وهذه المواقف مجتمعة وضعت إسرائيل في عزلة دبلوماسية متزايدة، وأظهرت أن استهداف قطر ليس مجرد عمل عسكري، بل انتهاك يهدد منظومة العلاقات الدولية بأسرها. ويرى المراقبون أن الاعتداء قد يفتح الباب أمام تحرك أوسع في مجلس الأمن والجمعية العامة للأمم المتحدة، خاصة أن الدوحة ليست طرفا في النزاع بل وسيط يسعى لإنهاء الحرب. ما حدث في الدوحة هو اعتداء سياسي بامتياز يهدف إلى كسر الدور القطري وإرادة قيادتها في الوساطة وحل النزاعات التي يتغذى عليها هذا المحتل، وإن إرسال رسائل ردع إلى المنطقة بأسرها. وإسرائيل، التي لطالما بنت إستراتيجيتها على فائض القوة والإفلات من العقاب، قررت أن تنقل معركتها إلى داخل الخليج العربي، لتقول للعالم إنها لا تعترف بأي خطوط حمراء. ولكن الرد القطري جاء حازما، مدعوما بجبهة عربية وإسلامية ودولية رافضة. وهذا التكاتف يثبت أن الاعتداء لم ينجح في عزل قطر، بل وحّد الصفوف خلفها. ولكن يبقى السؤال الكبير اليوم: هل سيتحرك المجتمع الدولي لردع إسرائيل وكبح سلوكها المتهور، أم أن الإفلات من العقاب سيظل سيد الموقف؟ إن دولة قطر، بما مثلته من صمود وسيادة، وضعت العالم أمام امتحان صعب، وعنوانه: هل سيظل القانون الدولي حبرا على ورق، أم سيتحول إلى أداة فاعلة لحماية الدول الصغيرة قبل الكبيرة؟ والأحداث في الدوحة قد تكون بداية فصل جديد في الصراع أو الفوضى، فصل تتحدد فيه ملامح مستقبل المنطقة بين حرب شاملة أو سلام عادل ودائم. @FalehalhajeriQa
لم يكن مساء التاسع من سبتمبر 2025 يوما عاديا في تاريخ قطر والمنطقة. فالعاصمة الدوحة، التي اعتادت أن تكون جسرا للحوار وميدانا للوساطة، فوجئت بضربة إسرائيلية غادرة استهدفت أرضها في سابقة خطيرة هي الأولى من...
في زمن بات تناول الألم والعذاب الذي يعيشه إخواننا في غزّة بشكل اعتيادي، كان صوت الصحفي الميداني أنس الشريف من قلب المأساة الفلسطينية، بمثابة صرخة ضمير: «لم أتمالك نفسي من هول المجازر، لكنني وجدت صوت...
لم تعد الوساطة في النزاعات الدولية حكرا على القوى الكبرى أو المنظمات الأممية، بل برزت دولة قطر في العقدين الأخيرين كلاعب محوري في هذا المضمار، تجمع بين الحياد السياسي، والقدرة الاقتصادية، وشبكة علاقات إقليمية ودولية...
بين اتساع رقعة الحرائق في الإقليم، واستمرار الاشتباك المباشر بين إيران وإسرائيل، وجدت دولة قطر نفسها – دون رغبة أو انخراط – أمام لحظة فارقة. ولم تكن الدوحة طرفا في المواجهة، لكنها استُهدفت. ولم تكن...
في 14 مايو 2025 حطّت طائرة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في الدوحة، في زيارة تاريخية تأتي تتويجا لجولة في المنطقة شملت أيضا قمة خليجية-أمريكية في الرياض قبل يوم واحد. وهذه الزيارة الرئاسية إلى قطر –...
في مرحلة تتسم بتشابك الأزمات وتعدد مسارات النزاعات في المنطقة العربية والشرق الأوسط، تبرز دولة قطر كفاعل دبلوماسي نشط يسعى لإعادة صياغة المشهد الإقليمي، انطلاقا من رؤية قائمة على الحوار والشراكة، لا على الصدام والاستقطاب....
«قطر أظهرت قولاً وعملاً على مر السنين تضامنها الكامل ودعمها المطلق للبنان»، ربما تكون هذه العبارة الأكثر توضيحاً للموقف القطري من لبنان على مر السنين. وتزداد أهميتها أنها على لسان رأس الدولة اللبنانية فخامة الرئيس...
بداية الحرب الإسرائيلية الأخيرة على قطاع غزة والشعب الفلسطيني، كانت دولة قطر حاضرة في الخطوط الأمامية للجهود الإقليمية والدولية الرامية إلى وقف إطلاق النار، وتخفيف المعاناة الإنسانية عن الشعب الفلسطيني. وهذا الدور لم يكن وليد...
لم تتأخر دولة قطر في تقديم الدعم للشعب السوري الشقيق منذ اندلاع الثورة السورية في مارس 2011، واضعة الجانب الإنساني والوقوف بجانب الشعب السوري في مقدمة أولوياتها. فقد جاءت الأزمة السورية كواحدة من أسوأ الكوارث...
دعوة فخرية تلقيتها من مؤسسة قطر للتربية والعلوم وتنمية المجتمع للمشاركة في احتفالية الذكرى الثلاثين لتأسيسها، وهي لحظة فارقة تستحق التوقف والتأمل. إذ على مدار هذه السنوات، تحولت المؤسسة التي انطلقت برؤية طموحة من مبادرة...
ستبقى الزيارة الرسمية لحضرة صاحب السمو الشيخ تميم بن حمد آل ثاني أمير البلاد المفدى إلى سوريا أمس خالدة في الذاكرة وعلى صفحات التاريخ. فبوصول حضرة صاحب السمو الشيخ تميم بن حمد آل ثاني أمير...
شهدت العلاقات بين دولة قطر وسلطنة عُمان تطورا مستمرا على كافة المستويات، وفي مشهد يُبرز مدى العمق التاريخي لهذه العلاقة التي تمتد جذورها إلى عقود طويلة من التعاون والتفاهم المشترك. وتستند هذه العلاقات إلى دعائم...