عدد المقالات 196
في لحظة تاريخية تتجه فيها أنظار العالم نحو نيويورك، ألقى حضرة صاحب السمو الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، أمير البلاد المفدى (حفظه الله)، خطابه أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة في دورتها الثمانين. ولم يكن هذا الحضور مجرد حدث بروتوكولي دوري؛ لأن أجندة هذه الاجتماعات للجمعية تحمل الكثير من الملفات وخاصة مسألة الاعتراف بدولة فلسطين. ولأن دولة قطر أصبحت لاعبا محوريا في الساحة الدولية. جاء خطاب صاحب السمو ليعكس رؤية استراتيجية عميقة تضع الدوحة في قلب النقاشات والقرارات الأممية حول السلم والتنمية المستدامة على المستوى العالمي، وتلك رسالة واضحة بأن دولة قطر تملك حضورا عالميا يوازي الدول الفاعلة والصاعدة من حيث التأثير والمصداقية والقدرة على المبادرة، والدخول في دورة الحداثة والتطور العصري. الدور الدبلوماسي والإنساني التاريخي لدولة قطر في الأمم المتحدة لم يأتِ دور دولة قطر في مؤسسات الأمم المتحدة من فراغ، بل هو ثمرة عمل متواصل وتجربة متراكمة في خدمة أبناء الإنسانية على اختلاف مناطقهم وألوانهم ولغاتهم وثقافاتهم. فمنذ عام 2014 وحتى الآن، خصصت الدوحة ما يزيد على نصف مليار دولار أمريكي عبر برامج الأمم المتحدة لمواجهة الكوارث الإنسانية والأزمات الطارئة. وهذه المساهمات لم تكن مجرد أرقام مالية، بل انعكست على الأرض دعما للمنكوبين ونجدة للمحتاجين في مناطق الصراع. وإلى جانب المساعدات المباشرة، أولت دولة قطر التعليم عناية خاصة، باعتباره أساس النهوض والتنمية، وهذا الدعم فتح أبواب المدارس لملايين الأطفال المحرومين من التعليم في مناطق الحروب، ما يجعل قطر مثالا للدولة التي تمزج بين القوة الدبلوماسية والالتزام الإنساني في سياساتها الخارجية.. ولم تقتصر مشاركة دولة قطر على المساعدات الإنسانية فقط، بل امتدت إلى لعب أدوار سياسية بارزة جعلتها وسيطا مقبولا وموثوقا في أزمات معقدة. فقد نجحت الدوحة في تقريب وجهات النظر بين أطراف متصارعة في السودان ولبنان وأفغانستان والصومال وتشاد وكولومبيا وإيران والخليج العربي، مما عزز من سمعتها كقوة سلام إقليمية وعالمية. وإن هذه الوساطات تحققت عبر مفاوضات شاقة ورعاية مباشرة لمسارات الحوار. وكما أن استضافة قطر لمؤتمرات كبرى بالتعاون مع الأمم المتحدة، مثل مؤتمر مكافحة الفساد ومؤتمر اللاجئين، عكس قدرتها على توفير منصات جامعة لكل الأطراف. هذا الدور جعل الدوحة محط أنظار المجتمع الدولي، حيث ينظر إليها باعتبارها دولة صغيرة الحجم، لكنها كبيرة التأثير وصاحبة رسالة تتجاوز حدودها الوطنية. قراءة في مضامين الخطاب تأتي مشاركة حضرة صاحب السمو لهذا العام (الدورة الثمانين/ 2025) في ظل ظروف عصيبة تعيشها منطقة الشرق الأوسط، وخصوصا الأحداث الكارثية التي تمر بها فلسطين وشعب غزة من إبادة جماعية وجوع وقصف متواصل وحصار وتشريد، وكذلك إثر الاعتداءات الإسرائيلية على إيران وجنوب سوريا ولبنان واليمن، وكذلك العدوان الإسرائيلي السافر والغادر والجبان على الوفد التفاوضي الفلسطيني في الدوحة، وتهديد أمنها الوطني. وفي ظل تحديات مالية وإنسانية واجتماعية ومناخية متنوعة. جاء خطاب أمير البلاد المفدى (حفظه الله)، في افتتاح اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة في دورتها الثمانين، بوصفه خطابا جامعا للبعد الأخلاقي والسياسي والإنساني، كشف حجم الفضيحة الأخلاقية التي يعيشها النظام الدولي وضعف المظلة الأممية، وعرّى ازدواجية المعايير التي باتت تحكم العلاقات بين الدول في ظل منطق القوة وتراجع فاعلية القانون الدولي. وكشف سموه عن تعرض الدوحة لاعتداء غادر استهدف اجتماعا لوفد حماس المفاوض، وأسفر عن سقوط ستة شهداء من بينهم مواطن قطري. وقد وصف الأمير هذا الاعتداء بأنه «خرق سافر للأعراف الدولية» و»إرهاب دولة». وأراد سموه بهذا الإعلان، أن يضع المجتمع الدولي أمام حقيقة أن إسرائيل لم تعد تكتفي باستهداف الفلسطينيين، بل باتت تعتدي على دول وسيطة تسعى إلى صنع السلام، في محاولة لنسف أي جهود تفاوضية. وأكد سمو الأمير أن تراجع منطق الشرعية الدولية أمام منطق القوة، يفتح الباب لتسيد الفوضى وتبرير العدوان. هذا التحذير يعكس إدراك قطر أن الشرعية الدولية تُختطف اليوم من قوى تتعامل مع تجاوزاتها باعتبارها حقا مشروعا، بينما يُطلب من الآخرين أن يلتزموا بالقانون. حيث قالها سموه بوضوح: «تراجع منطق النظام الدولي أمام منطق القوة يعني السماح بتسيد منطق الغاب». ولم يُغفل سموه التحديات التي تواجه الدوحة نفسها، من حملات تضليل وافتراءات تستهدف النيل من دورها، مؤكدا أن ذلك لن يثني قطر عن مواصلة رسالتها. بل شدد قائلا: «على الرغم من التحديات الجسيمة ومحاولات العرقلة، وما نتعرض له من افتراءات، نواصل جهدنا في التوسط لحل النزاعات بالطرق السلمية». وكرّس القاعدة الذهبية التي تقوم عليها الدبلوماسية القطرية: أن الوساطة والعمل الإنساني خيار استراتيجي ودائم، قبل أن يكون واجبا سياسيا. ولقد كانت القضية الفلسطينية المحور المركزي في كلمة سموه. وأشار إلى أن القصف الإسرائيلي استهدف دولة صانعة سلام تبذل منذ عامين جهودًا مضنية لإنهاء حرب غزة، مؤكدا أن الوساطة القطرية بالتعاون مع مصر والولايات المتحدة أسفرت عن تحرير 148 رهينة، لكن حكومة إسرائيل تخلت عن بقية الرهائن عندما ارتبط تحريرهم بوقف الحرب. وفي نقد مباشر لرئيس الوزراء الإسرائيلي، أوضح الأمير أن نتنياهو يرى في الحرب فرصة لتوسيع المستوطنات وتغيير الوضع القائم في القدس، ويحلم بتحويل المنطقة العربية إلى منطقة نفوذ إسرائيلية، ويتباهى بمنع تحقيق السلام. كما دعا سموه إلى منح فلسطين عضوية كاملة في الأمم المتحدة، باعتبارها الخطوة المنطقية نحو إرساء السيادة وتحقيق العدالة، ووقف مسلسل الاستخفاف بحقوق الشعب الفلسطيني. وقد أراد الأمير أن يضع العالم أمام مسؤوليته: الدفاع عن المظلومين، ورفض تسويغ الحرب الهمجية على المدنيين الذين يواجهون جيوشا مدججة بأحدث الأسلحة. وامتد الخطاب ليشمل الدفاع عن حقوق الشعوب العربية والإسلامية الأخرى، لم يقف خطاب حضرة صاحب السمو عند حدود القضية الفلسطينية وحدها، بل تجاوزها ليغطي ملفات إقليمية ودولية أخرى، عكست بدورها نظرة قطر الشمولية للأزمات. ففي الشأن السوري، شدّد سموه على أن سوريا تمر بمرحلة جديدة يجب أن تُستثمر بما يخدم تطلعات شعبها الذي أنهكته الحرب، مؤكدا أن المدخل الصحيح لذلك هو بناء مؤسسات دولة على أساس المواطنة المتساوية، بعيدا عن الإقصاء والتهميش، مع رفض قاطع لأي تدخلات خارجية، وبالأخص محاولات إسرائيل الرامية إلى تقسيم البلاد وفرض وقائع جديدة على الأرض. أما في لبنان، فقد جدّد سموه دعم بلاده للشعب اللبناني ومؤسساته، مؤكدا أن استقرار هذا البلد يتطلب انسحاب إسرائيل من المواقع التي احتلتها مؤخرا، في إشارة واضحة إلى أن الاحتلال يظل العقبة الأكبر أمام استعادة لبنان لسيادته الكاملة. وفي الملف السوداني، دعا سموه جميع الأطراف إلى وقف القتال والانخراط في حوار وطني شامل يضمن استقرار البلاد وسيادتها، مشيرا إلى استعداد الدوحة لتوسيع جهود وساطتها بالتعاون مع الأمم المتحدة من أجل تحقيق تسوية عادلة تحفظ وحدة مؤسسات الدولة السودانية. ولم تقتصر الرؤية القطرية على محيطها العربي، بل امتدت إلى القارة الأفريقية، حيث أشار سمو الأمير إلى استمرار جهود الوساطة القطرية في أكثر من ساحة أفريقية، وهو ما يعكس اتساع الدور القطري وحرصه على لعب دور فاعل في إطفاء الحرائق الإقليمية أينما كانت. وعلى الصعيد الدولي، لم يغفل سموه الإشارة إلى الأزمة الأوكرانية التي وصفها بمأساة إنسانية كبرى ألقت بظلالها الثقيلة على أوروبا والعالم بأسره، مؤكدا ضرورة التزام جميع الأطراف بميثاق الأمم المتحدة وقواعد القانون الدولي لتفادي المزيد من الانزلاق نحو الفوضى. قطر ستبقى شريكا فاعلا للمجتمع الدولي إن قراءة هذا الخطاب تكشف أن حضرة صاحب السمو أمير البلاد المفدى لم يكتفِ بتوصيف الأزمات، بل وضع خريطة طريق للخروج منها. فقد أكد أن قطر ستبقى شريكا فاعلا للمجتمع الدولي، وأنها لن تحيد عن رسالتها في الوساطة والعمل الإنساني. وكما كان الحال في دورات سابقة، فإن كلمة سموه بدت أشبه بإعلان مبادئ أمام العالم، تدعو لتغليب القانون على منطق القوة، والإنسانية على المصالح الضيقة. وأكد أن قضية فلسطين ستبقى حيّة، وأن العدالة لا يمكن أن تتحقق إلا بإنهاء الاحتلال. كما دافع عن الشعوب العربية والإسلامية في سوريا ولبنان والسودان، وطرح رؤية متوازنة لحل الأزمات العالمية. ولقد كان خطابا شاملا أعاد تعريف مكانة قطر بوصفها دولة صغيرة في جغرافيتها، كبيرة في أدوارها ورسالتها، ورائدة في التزامها بالقانون الدولي والدبلوماسية الإنسانية. @FalehalhajeriQa
في صباح السابع من أكتوبر، تتجدّد الذكرى الثانية لــ «طوفان الأقصى»، يوم تقف فيه غزة على فوهة بركان على نحو استثنائي، وتقف الأجساد بين أنقاض المنازل وتجمعات بمئات الآلاف الذين تلاحقهم آلات الموت للاحتلال الإسرائيلي....
حدثان مهمان يحملان الكثير من الدلالات وسيكون لهما العديد من الانعكاسات على أمن المنطقة، الأول توقيع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، أمس الأربعاء، أمرا تنفيذيا تعهد فيه بضمان أمن دولة قطر، بما في ذلك استخدام القوة...
انعقدت في الدوحة، يوم أمس الاثنين 15 سبتمبر 2025، القمة العربية الإسلامية في ظروف غير مسبوقة، حيث جاء القادة إلى عاصمتنا «دوحة السلام» التي تعرضت لاعتداء إسرائيلي غادر، استهدف بيتا آمنا تقيم فيه عائلات فلسطينية...
لم يكن مساء التاسع من سبتمبر 2025 يوما عاديا في تاريخ قطر والمنطقة. فالعاصمة الدوحة، التي اعتادت أن تكون جسرا للحوار وميدانا للوساطة، فوجئت بضربة إسرائيلية غادرة استهدفت أرضها في سابقة خطيرة هي الأولى من...
في مشهد ينذر بتحول نوعي في مسار العدوان الإسرائيلي الوحشي بالمنطقة، استهدفت صواريخ إسرائيلية مساء أمس الثلاثاء، «دوحة السلام»، لتُصيب مقرات سكنية يُقيم فيها عدد من أعضاء المكتب السياسي لحركة حماس، ممن كانوا منخرطين في...
في زمن بات تناول الألم والعذاب الذي يعيشه إخواننا في غزّة بشكل اعتيادي، كان صوت الصحفي الميداني أنس الشريف من قلب المأساة الفلسطينية، بمثابة صرخة ضمير: «لم أتمالك نفسي من هول المجازر، لكنني وجدت صوت...
لم تعد الوساطة في النزاعات الدولية حكرا على القوى الكبرى أو المنظمات الأممية، بل برزت دولة قطر في العقدين الأخيرين كلاعب محوري في هذا المضمار، تجمع بين الحياد السياسي، والقدرة الاقتصادية، وشبكة علاقات إقليمية ودولية...
بين اتساع رقعة الحرائق في الإقليم، واستمرار الاشتباك المباشر بين إيران وإسرائيل، وجدت دولة قطر نفسها – دون رغبة أو انخراط – أمام لحظة فارقة. ولم تكن الدوحة طرفا في المواجهة، لكنها استُهدفت. ولم تكن...
في 14 مايو 2025 حطّت طائرة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في الدوحة، في زيارة تاريخية تأتي تتويجا لجولة في المنطقة شملت أيضا قمة خليجية-أمريكية في الرياض قبل يوم واحد. وهذه الزيارة الرئاسية إلى قطر –...
في مرحلة تتسم بتشابك الأزمات وتعدد مسارات النزاعات في المنطقة العربية والشرق الأوسط، تبرز دولة قطر كفاعل دبلوماسي نشط يسعى لإعادة صياغة المشهد الإقليمي، انطلاقا من رؤية قائمة على الحوار والشراكة، لا على الصدام والاستقطاب....
«قطر أظهرت قولاً وعملاً على مر السنين تضامنها الكامل ودعمها المطلق للبنان»، ربما تكون هذه العبارة الأكثر توضيحاً للموقف القطري من لبنان على مر السنين. وتزداد أهميتها أنها على لسان رأس الدولة اللبنانية فخامة الرئيس...
بداية الحرب الإسرائيلية الأخيرة على قطاع غزة والشعب الفلسطيني، كانت دولة قطر حاضرة في الخطوط الأمامية للجهود الإقليمية والدولية الرامية إلى وقف إطلاق النار، وتخفيف المعاناة الإنسانية عن الشعب الفلسطيني. وهذا الدور لم يكن وليد...