عدد المقالات 193
لم يكن مساء التاسع من سبتمبر 2025 يوما عاديا في تاريخ قطر والمنطقة. فالعاصمة الدوحة، التي اعتادت أن تكون جسرا للحوار وميدانا للوساطة، فوجئت بضربة إسرائيلية غادرة استهدفت أرضها في سابقة خطيرة هي الأولى من نوعها ضد دولة وسيطة. هذه الضربة لم تكن مجرد فعل عسكري، بل كانت إعلانا صريحا للحرب على الدبلوماسية ذاتها، ومحاولة يائسة لإسكات صوت السلام القادم من قطر. ودولة الاحتلال الإسرائيلي التي ظنّت أن قطر لقمة سائغة ستُبتلع بسهولة، فوجئت بأن العدوان ارتد عليها على مستوى عالمي، فوقفت جميع الدول والشعوب في يوم الثلاثاء 9 سبتمبر يتضامنون مع الدوحة، فالعدوان أكّد أن الدوحة صغيرة في مساحتها، لكنها كبيرة في حضورها ودورها ومهماتها الإنسانية. وتحولت دماء الشهداء الذين ارتقوا في قلب العاصمة القطرية إلى رمز للسلام، وأظهرت للعالم أن استهداف قطر لم ينجح إلا في تعميق لحمتها الوطنية ورفع مكانتها العربية والإقليمية والدولية. صلاة الأمير... الوحدة الوطنية في مواجهة العدوان الغاشم كان المشهد مهيبا في جامع الإمام محمد بن عبد الوهاب بالدوحة؛ حضرة صاحب السمو الشيخ تميم بن حمد آل ثاني أمير البلاد المفدى، تقدم الصفوف لأداء صلاة الجنازة على شهداء الوطن الذين ارتقوا جراء العدوان الغادر، وإلى جانبه كبار الشيوخ والوزراء والمسؤولين وأعيان البلاد وجموع المواطنين والمقيمين. وكان الموقف يحمل دلالتين واضحتين: الحزن على أرواح الشهداء، والوحدة الوطنية التي تتجلى في وقوف القيادة إلى جانب شعبها كتفا بكتف. وقدّم سمو الأمير التعازي لأسر الشهداء في مقبرة مسيمير، داعيا المولى عز وجل أن يتغمدهم برحمته، وأن يحفظ قطر وأهلها من كل سوء. ولم يكتف الأمير بالموقف الميداني، بل خاطب شعبه والعالم عبر منصة «إكس»، حيث كتب: «رحم الله شهيد الوطن بدر الدوسري… كما نسأل المولى عز وجل أن يتغمد برحمته جميع الشهداء الذين ارتقوا جراء الاعتداء الإسرائيلي الغادر… نحمد الله على قضائه وقدره». إن المشاركة الرسمية في الصلاة، وتلك التغريدة شكّلتا معا لحظة إجماع وطني ورسالة للعالم: إن دولة قطر، التي أُريد لها أن تُرهب، تخرج أكثر صلابة، وأكثر التصاقا بقيمها وأدوارها. الإرهاب الإسرائيلي واستهداف الوساطة العدوان الإسرائيلي على الدوحة لم يكن حدثا معزولا. فمنذ سنوات، اعتادت إسرائيل أن تعرقل أي مسار سلام يظهر في الأفق، عبر التصعيد في غزة أو الضربات المتكررة في لبنان وسوريا. لكن الجديد هذه المرة أن الاستهداف طال دولة مسالمة ووسيطا موثوقا يجمع الفرقاء. ولقد اعتقدت إسرائيل أن قصف الدوحة سيوقف الوساطة القطرية، غير أن النتائج جاءت عكسية تماما. فالدولة التي أرادها نتنياهو أن تتراجع، أعلنت عبر قيادتها السياسية إصرارها على مواصلة دورها الريادي في الوساطة. وإن استهداف قطر لم يكن سوى دليل على نجاحها كوسيط، واعتراف ضمني من إسرائيل بأن دورها بات مؤثرا ومزعجا لمشاريع الاحتلال. العدوان، في جوهره، لم يكن سوى محاولة يائسة لتحجيم هذا الدور عبر الإرهاب. ولكنه، وكما أثبتت الوقائع، لم ينجح إلا في كشف إسرائيل كقوة غاشمة تخشى صوت السلام. وفي هذا الإطار جاءت مقابلة معالي الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، رئيس مجلس الوزراء وزير الخارجية مع شبكة CNN، الذي وسّع دائرة المواجهة بالقول: «نحن لا نقبل إطلاقا مثل هذه التهديدات الصادرة عن شخص مثل نتنياهو، الذي يتحدث عن تقديم الآخرين للعدالة بينما هو نفسه الأولى بأن يُقدَّم إلى العدالة أمام المحكمة الجنائية الدولية… لقد انتهك كل القوانين والأعراف الدولية من خلال سياساته القائمة على تجويع المدنيين في غزة وارتكاب أعمال شنيعة تمس المنطقة بأكملها. إن ما يقوم به فعل بربري بكل المقاييس». مجلس الأمن وكلمة معالي رئيس مجلس الوزراء في أروقة مجلس الأمن الدولي، انعقدت جلسة استثنائية حملت بين جدرانها أصواتا متباينة، لكنها اتفقت على نقطة واحدة: إدانة العدوان الإسرائيلي على الدوحة. فممثلو الجزائر وباكستان والصومال وروسيا والصين وسلوفينيا وفرنسا وسيراليون وبنما وبريطانيا والأردن وغيرهم أكدوا أن ما جرى ليس فقط جريمة حرب، بل تهديد مباشر للنظام الدولي بأسره. وكانت الجلسة ساحة اختبار لمدى قدرة الأمم المتحدة على فرض هيبتها، وفيها ظهر بوضوح أن استهداف دولة وسيطة مثل قطر يفتح الباب أمام سابقة خطيرة قد تُعرض أي عاصمة في العالم لهجمات مماثلة. أما كلمة معالي الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، رئيس مجلس الوزراء وزير الخارجية، فكانت ذروة المشهد. إذ أعلن أن الضربة تمثل «اختبارا للنظام الدولي بأسره»، وأن إسرائيل «تجاوزت كل الحدود مدفوعة بسكرة القوة والإفلات من العقاب». هجوم إسرائيل الغادر استهدف مباني معروفة للجميع بأنها مقر لوفد حماس المفاوض… وهو حي سكني مليء بالمدارس والبعثات الدبلوماسية. وهذه اللغة لم تقتصر على الدفاع عن قطر، بل وضعت المجتمع الدولي أمام مرآته: هل يبقى متفرجا أم يتخذ إجراءات رادعة؟ الأهم أن الوزير أعاد تثبيت معادلة قطرية واضحة: الاستهداف لن يوقف الوساطة، بل سيضاعف التمسك بها باعتبارها بارقة أمل وسط الدمار. بذلك، تحولت الكلمة إلى وثيقة سياسية تلخص رؤية قطر للعالم: أن القانون الدولي يجب ألا يُختزل إلى شعارات، وأن منطق القوة العمياء لا يمكن أن يحدد مستقبل المنطقة. دعوة القيادة لعقد القمة العربية الإسلامية الطارئة في الدوحة بادرت الدوحة بعد العدوان إلى إعلان عقد قمة عربية إسلامية طارئة يومي الأحد والاثنين القادمين، وهذه الدعوة جاءت كتحرك استراتيجي يترجم الغضب الشعبي والإدانات الدولية إلى فعل سياسي جماعي. فالاستهداف لم يكن لقطر وحدها، بل للمنظومة العربية والإسلامية برمتها، ولمنطق الوساطة الذي مثّلته الدوحة طوال سنوات النزاع الفلسطيني الإسرائيلي. وإن هذه القمة الطارئة تحمل بعدين جوهريين؛ رمزي، حيث تعيد تثبيت دور قطر في القرار العربي والإسلامي في لحظة حرجة، لتقول إن الدوحة لم تُستهدف لتنكفئ، بل لتتوسع في حضورها وتأثيرها. وعملي، حيث يمكن أن تنتج القمة خطوات ملموسة: تشكيل لجنة متابعة دبلوماسية، تفعيل أدوات الضغط الاقتصادي والسياسي والدولي، وربما التفكير في آليات ردع مشتركة لوقف العدوان. لقد أرادت إسرائيل أن تجعل من الدوحة ساحة للترهيب ورسالة للشرق الأوسط كما صرح رئيس الكنيست الإسرائيلي، فإذا بها تتحول إلى منصة لتعرية إسرائيل أمام العالم، وتثبيت أن القانون الدولي لا يمكن تجاوزه إلى ما لا نهاية. وإن الدور القطري يمثل نموذجا للدول التي تعمل على السلام والوساطة بشكل مستمر، وإسرائيل التي حاولت أن تقضم دور الوساطة، وجدت نفسها في مواجهة موجة تضامن دولي غير مسبوقة، جعلت من الضربة التي وجهتها لقطر بداية لانكشافها أكثر من أي وقت مضى. والخلاصة.. إن الضربة، على قسوتها، لم تحقق أهدافها. بل زادت قطر قوةً ومكانة، وأعادت تفعيل التضامن العربي والإسلامي، وأكدت أن صوت العدالة سيظل أقوى من ضجيج السلاح. هكذا، من رحم الألم يولد الأمل، ومن بين ركام العدوان ينبعث طريق جديد يقوده الإصرار القطري على السلام والكرامة والسيادة. @FalehalhajeriQa
في مشهد ينذر بتحول نوعي في مسار العدوان الإسرائيلي الوحشي بالمنطقة، استهدفت صواريخ إسرائيلية مساء أمس الثلاثاء، «دوحة السلام»، لتُصيب مقرات سكنية يُقيم فيها عدد من أعضاء المكتب السياسي لحركة حماس، ممن كانوا منخرطين في...
في زمن بات تناول الألم والعذاب الذي يعيشه إخواننا في غزّة بشكل اعتيادي، كان صوت الصحفي الميداني أنس الشريف من قلب المأساة الفلسطينية، بمثابة صرخة ضمير: «لم أتمالك نفسي من هول المجازر، لكنني وجدت صوت...
لم تعد الوساطة في النزاعات الدولية حكرا على القوى الكبرى أو المنظمات الأممية، بل برزت دولة قطر في العقدين الأخيرين كلاعب محوري في هذا المضمار، تجمع بين الحياد السياسي، والقدرة الاقتصادية، وشبكة علاقات إقليمية ودولية...
بين اتساع رقعة الحرائق في الإقليم، واستمرار الاشتباك المباشر بين إيران وإسرائيل، وجدت دولة قطر نفسها – دون رغبة أو انخراط – أمام لحظة فارقة. ولم تكن الدوحة طرفا في المواجهة، لكنها استُهدفت. ولم تكن...
في 14 مايو 2025 حطّت طائرة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في الدوحة، في زيارة تاريخية تأتي تتويجا لجولة في المنطقة شملت أيضا قمة خليجية-أمريكية في الرياض قبل يوم واحد. وهذه الزيارة الرئاسية إلى قطر –...
في مرحلة تتسم بتشابك الأزمات وتعدد مسارات النزاعات في المنطقة العربية والشرق الأوسط، تبرز دولة قطر كفاعل دبلوماسي نشط يسعى لإعادة صياغة المشهد الإقليمي، انطلاقا من رؤية قائمة على الحوار والشراكة، لا على الصدام والاستقطاب....
«قطر أظهرت قولاً وعملاً على مر السنين تضامنها الكامل ودعمها المطلق للبنان»، ربما تكون هذه العبارة الأكثر توضيحاً للموقف القطري من لبنان على مر السنين. وتزداد أهميتها أنها على لسان رأس الدولة اللبنانية فخامة الرئيس...
بداية الحرب الإسرائيلية الأخيرة على قطاع غزة والشعب الفلسطيني، كانت دولة قطر حاضرة في الخطوط الأمامية للجهود الإقليمية والدولية الرامية إلى وقف إطلاق النار، وتخفيف المعاناة الإنسانية عن الشعب الفلسطيني. وهذا الدور لم يكن وليد...
لم تتأخر دولة قطر في تقديم الدعم للشعب السوري الشقيق منذ اندلاع الثورة السورية في مارس 2011، واضعة الجانب الإنساني والوقوف بجانب الشعب السوري في مقدمة أولوياتها. فقد جاءت الأزمة السورية كواحدة من أسوأ الكوارث...
دعوة فخرية تلقيتها من مؤسسة قطر للتربية والعلوم وتنمية المجتمع للمشاركة في احتفالية الذكرى الثلاثين لتأسيسها، وهي لحظة فارقة تستحق التوقف والتأمل. إذ على مدار هذه السنوات، تحولت المؤسسة التي انطلقت برؤية طموحة من مبادرة...
ستبقى الزيارة الرسمية لحضرة صاحب السمو الشيخ تميم بن حمد آل ثاني أمير البلاد المفدى إلى سوريا أمس خالدة في الذاكرة وعلى صفحات التاريخ. فبوصول حضرة صاحب السمو الشيخ تميم بن حمد آل ثاني أمير...
شهدت العلاقات بين دولة قطر وسلطنة عُمان تطورا مستمرا على كافة المستويات، وفي مشهد يُبرز مدى العمق التاريخي لهذه العلاقة التي تمتد جذورها إلى عقود طويلة من التعاون والتفاهم المشترك. وتستند هذه العلاقات إلى دعائم...