عدد المقالات 322
ما أرصنَ بنيان اللغة العربية! وما أحكمه! وما أغزر المعاني التي تقع عليها مشتقات جذورها! فمن الجذور التي أستوقفتني والتي أسوقها مثلًا، الجذر «حكم» الذي يقتضي معنى المنع، وفيه قال علماء اللغة، وعليه ساقوا الأدلة والبراهين من دواوين الأولين، أصحاب اللسان العربي المبين، ثم من هذا المعنى الأولي يتفرع باقي المعاني، فتتغير وتتحور، ولكن لا تخلو من علاقة بالجذر الأصلي. من ذلك؛ كانت العرب تسمى حلقة الجلد التي يجعلونها على فم الخيل «الحَكَمَة» وبها يعلقون حبل اللجام، فيتحكمون بجري سير الخيل بين الخَبَبِ والطرد. وسميت بذلك لأنها إذا شدّتْ، منعتْ الخيل من المسير. وقد قال الشاعر جرير: أبني حنيفة أحكموا سفهاءكـم إني أخاف عليكمُ أن أغضبـا أبني حنيفـة إنني إن أهجُكم أدع اليمامة لا تــواري أرنبــا ففي هذين البيتين يتوعد جرير صاحب اللسان الفصيح، والهجاء اللاذع القبيح، بني حنيفة؛ بأنه سيجعلهم نكالًا، وسيجزيهم وبالًا، إذا لم يلجموا سفهاءهم، وفيما يبدو أن لديهم من الجهلة أو الشباب الأيفاع من ضايقوا جريرًا، فأرسل إليهم نذيرًا، أنه لو هجاهم فإنه سيهتك ذكرهم، ويفضح أمرهم حتى لا تخفى على الناس خافية من عارهم وشنارهم. ومن المعاني اللغوية المنبثقة عن الجذر، التحكيم، والذي يكون بين المتنازعين والخصوم، الذين ينظرون في منشأ الاختلاف ثم يحددون مواضع الإجحاف، ويتحرون العدل والإنصاف، ومواضع هذا كثيرة، يقول الله تعالى: }وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُوا حَكَمًا مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِنْ أَهْلِهَا إِنْ يُرِيدا إِصْلاحًا يُوَفِّقِ اللهُ بَيْنَهُمَا{(النساء: 35). ومنه قول المتنبي في عتاب سيف الدولة: يا أعــــــدل الناس إلا في معاملتي فيك الخصام وأنت الخصم والحَكَمُ ومنها ما جاء بصيغة الأمر، كمطلع قصيدة عنترة بن شداد: حكّم سيوفك في رقاب العذّلِ وإذا نزلت بـــدار ذل فارحلِ أي اجعل سيفك حكما على رقاب العذال، وهم الذين يكثرون على المرء الملامة ويثيرون في نفسه الحسرة والندامة، وفي أمثال العرب: «في بيته يؤتى الحكم»، وذلك لما يتمتع به من الفضل ورجاحة العقل والبذل إذا تطلب الأمر، ولذلك يؤتى إلى بيته، ولا يذهب هو إلى بيوت الخصوم. فلله درّ لغتنا العربية، تلك البحر الزاخر باللآلئ التي تثرينا أدبًا وعلمًا ومعرفةً، فليتنا دائمًا نغوص في محيطها الزاخر لنتفقه ونتنوّر. ورحم الله شاعر النيل (حافظ إبراهيم) إذ يقول في شأن العربية: أنا البحر في أحشائي الدرّ كامنٌ فهل سألوا الغوّاص عن صدفاتي؟ @zainabalmahmoud @zalmahmoud@outlook.com
لو تتبعنا اسم «الحق» في كتاب الله عزّ وجلَّ، لوجدناه في عدة مواضع؛ فيقول الحقّ جلَّ وعلا: }ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ{ [الحج: 6]، }يَوْمَئِذٍ يُوَفِّيهِمُ اللَّهُ دِينَهُمُ الْحَقَّ وَيَعْلَمُونَ أَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ الْمُبِينُ{...
مَنْ مِنّا لا يحمد الله إن أَصابته سراء؟ ومن منّا لا يشكره سبحانه إنّ أظلته أفياء نعمة؟ هذا حال من يردّ الفضل إلى صاحبه، ويهب الثناء لمن هو أهل له. وهل تفكّرتم يومًا في اسم...
هل شعرت يومًا بعظيم أفياء الله عليك فبادرت بحمده؟ وهل وقعتَ في ابتلاء ونجوتَ منه، فحدثتك نفسك بضرورة حمد الله؟ وهل أبصرت حينًا مصائب غيرك، فنبض قلبك بحمد الله الذي عافاك مما ابتلى به سواك؟...
معلوم أنّ العبد هو الذي يتوب من ذنبه ومما اقترفته نفسه ويداه وجوارحه، لكن هل هذه التوبة تؤتى لأيّ إنسان؟ أم أنّها منحة إلهية يختصّ بها من يستحق من عباده؟ حقيقة إنّ توبة الله على...
لا شكَّ في أنّ مَن يقرأ كلمة «خليفة» أو يسمعها، يتذكر قول الله تعالى: ﴿وَإِذ قَالَ رَبُّكَ لِلمَلَاـئِكَةِ إِنِّی جَاعِل فِی الأرض خَلِیفَة ﴾ [البقرة: 30]، وكذلك يتذكر منصب الخلافة في الإسلام. لكن هل حاول...
كان إمام الدعاة الشيخ محمد متولي الشعراوي - رحمه الله - أكثر الناس تداولًا وتناولًا لاسم الله الحق، وكان إذا أراد استحضار آية كريمة وإدراجها في سياق تفسيره العرفاني النوراني المعروف بالخواطر، قال: «يقول الحق...
إنّ أسماء الله تعالى ماثلة في أفعاله، وظاهرة في مشيئته، ولكن لا يمكن أن يدرك ذلك إلا مؤمن بالله، وجودًا، وتحكُّمًا، وتسييرًا لكون لا يعلم كنهه إلا خالقه جلّ في علاه، ومن بديع أفعاله الماثلة...
إنَّ خيرَ بداية نتفقّه فيها بالنصر، أن نتذكّر أن الناصر اسم من أسماء الله، وهو اسم كريم متاخم وملازم لاسم الغالب، والنصرة من الله هي تعدية الغَلبة لفريق، فيقهر فريقًا آخر ويغلبه، وهي العون والمدد،...
إنّ اللغة العربية لغة غنية بمعانيها ومبانيها، وإنّ سبر أغوار معانيها لا يناله إلا متبصر واعٍ، حصيف فصيح، وهذا ما جعل القرآن الكريم الذي نزل بلسان عربيّ مبين، بليغًا غزيرًا في دلالاته، معجزًا في بيانه....
كثيرٌ من الخلق يعتقد أن الرزق يأتي بسبب ذكاء المرء ودهائه، فهل هذا الاعتقاد صحيح؟ وهل الغنى حكر على الأذكياء من الناس؟ في الحقيقة، لا دخل لذكاء ولا غباء في قبض الأرزاق وبسطها، فهي من...
تُشْتَقُ كَلِمَةُ الحِكْمَةِ مِنْ الجَذْرِ «حَكَمَ» الذي يَقْتَضِي مَعْنى الْمَنْعَ، وَبِهِ قَالَ عُلَمَاءُ اللُّغَةِ وَسَاقُوا عَلَيْهِ الأَدِلَّةَ وَالْبَرَاهِينَ مِنْ دَوَاوِينِ الأَوَّلِينَ، أَصْحَابِ اللِّسَانِ الْعَرَبِيِّ الْمُبِينِ، ثُمَّ مِنْ هَذَا الْمَعْنَى الأَوَّلِيِّ تَتَفَرَّعُ بَقِيَّةُ الْمَعَانِي، فَتَتَغَيَّرُ وَتَتَحَوَّرُ،...
معلوم أنّ لله عزّ وجل صفات وأسماء له فيها الفردانية المطلقة، إذ لا يمكن أن تنسب إلى مخلوق من مخلوقاته في معناها الاصطلاحي، ومنها لفظا الخالق والخلّاق بالتعريف. لكن هناك بعض أسمائه ما يشتق منها...