عدد المقالات 328
تُشْتَقُ كَلِمَةُ الحِكْمَةِ مِنْ الجَذْرِ «حَكَمَ» الذي يَقْتَضِي مَعْنى الْمَنْعَ، وَبِهِ قَالَ عُلَمَاءُ اللُّغَةِ وَسَاقُوا عَلَيْهِ الأَدِلَّةَ وَالْبَرَاهِينَ مِنْ دَوَاوِينِ الأَوَّلِينَ، أَصْحَابِ اللِّسَانِ الْعَرَبِيِّ الْمُبِينِ، ثُمَّ مِنْ هَذَا الْمَعْنَى الأَوَّلِيِّ تَتَفَرَّعُ بَقِيَّةُ الْمَعَانِي، فَتَتَغَيَّرُ وَتَتَحَوَّرُ، وَلَكِنْ لَا تَخْلُو مِنْ عِلَاقَةٍ بالْجَذْرِ. وإنَّ أَشْرَفَ اشْتِقاقٍ نالَ الجَذْرَ «حَكَمَ» هو اشتقاق اسمي الله «الحكيم، والحكم» منه، وَخَيْرَ مَوْضِعٍ تَرَبّعَ فيهِ هُوَ صَفَحاتُ كتابِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَهذا دليلٌ عَلى مَا يَكْتَنِزُهُ هذا الجَذْرِ مِنْ مَعَانٍ، وَما يُفِيدُهُ مِنْ مَضامِينَ، على الأَصْعِدَةِ: اللغَوِيَّةِ وَالبَلَاغِيَّةِ وَالتَّوْجيهِيَّةِ وَالإِرْشَادِيَّةِ. وكَانَتِ الْعَرَبُ تُسَمِّي حَلْقَةَ الْجِلْدِ الَّتِي يَجْعَلُونَهَا عَلَى فَمِ الْخَيْلِ «الْحَكَمَةَ»، وَبِهَا يُعَلِّقُونَ حَبْلَ اللِّجَامِ، فَيَتَحَكَّمُونَ بِجَرْيِ الْخَيْلِ وّسَيْرها بَيْنَ الْخَبَبِ وَالطَّرْدِ. وَسُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِأَنَّهَا إِذَا شُدَّتْ مَنَعَتِ الْخَيْلَ مِنَ الْمَسِيرِ. وَقَدْ قَالَ الشَّاعِرُ جَرِيرٌ: أَبَنِي حَنِيفَةَ أَحْكِمُوا سُفَهَاءَكُـمْ إِنِّي أَخَـــــــــــــــافُ عَلَيْكُمُ أَنْ أَغْضَبَـا أَبْنِي حَنِيفَــــــــــةَ إِنَّنِي إِنْ أَهْجُـــــــــكُــمْ أَدَعِ الْيَمَامَـــــــــــــةَ لَا تُــــــــــــــــوَارِي أَرْنَبًا وَهُنَا يَتَوَعَّدُ جَرِيرٌ صَاحِبُ اللِّسَانِ الْفَصِيحِ وَالْهَجَاءِ اللَّاذِعِ الْقَبِيحِ بَنِي حَنِيفَةَ بِجَعْلِهمْ نَكَالًا وَسَيُجْزِيهِمْ وَبَالًا إِذَا لَمْ يُلْجِمُوا سُفَهَاءَهُمْ. وَفِيمَا يَبْدُو أَنَّ لَدَيْهِمْ مِنَ الْجَهَلَةِ أَوِ الشَّبَابِ الْأَيْفَاعِ مَنْ ضَايَقُوا جَرِيرًا، فَأَرْسَلَ إِلَيْهِمْ نَذِيرًا، مَفَادُهُ أَنَّهُ لَوْ هَجَاهُمْ، فَإِنَّهُ سَيَهْتِكُ ذِكْرَهُمْ، وَيَفْضَحُ أَمْرَهُمْ، حَتَّى لَا تَخْفَى عَلَى النَّاسِ خَافِيَةٌ مِنْ عَارِهِمْ وَشَنَارِهِمْ. وَمِنَ الْمَعَانِي اللُّغَوِيَّةِ الْمُنْبَثِقَةِ عَنِ الْجَذْرِ؛ «التَّحْكِيمُ» الَّذِي يَكُونُ بَيْنَ الْمُتَنَازِعِينَ وَالْخُصُومِ الَّذِينَ يَنْظُرُونَ فِي مَنْشَأِ الِاخْتِلَافِ، ثُمَّ يُحَدِّدُونَ مَوَاضِعَ الإِجْحَافِ، وَيَتَحَرَّوْنَ الْعَدْلَ وَالإِنْصَافَ. وَمَوَاضِعُ هَذَا كَثِيرة، مِنْهَا الْقُرْآنُ الْكَرِيمُ: يَقولُ تَعَالَى: {وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُوا حَكَمًا مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِنْ أَهْلِهَا إِنْ يُرِيدَا إِصْلَاحًا يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُمَا}. وَمِنْها قَوْلُ أَبِي الطَّيِّبِ الْمُتَنَبِّي فِي عِتَابِ سَيْفِ الدَّوْلَةِ: يَا أَعْــــــدَلَ النَّاسِ إِلَّا فِي مُعَـــــــــامَلَـــــــــــــــتِي فِيكَ الْخِصَــامُ وَأَنْتَ الْخَصْمُ وَالْحَكَمُ وَمِنْهَا مَا جَاءَ بِصِيغَةِ الْأَمْرِ، كَمطْلَعِ قَصِيدَةِ عَنْتَرَةَ بْنِ شَدَّادٍ: حَكِّمْ سُيُوفَكَ فِي رِقَابِ الْعُذَّلِ وَإِذَا نَزَلْتَ بِــــــــــــــــدَارِ ذُلٍّ فَــــــــــــارْحَلِ أَيْ اجْعَلْ سَيْفَكَ حَكَمًا عَلَى رِقَابِ الْعُذَّالِ، وَهُمْ الَّذِينَ يُكْثِرُونَ عَلَى الْمَرْءِ الْمَلَامَةَ وَيُثِيرُونَ فِي نَفْسِهِ الْحَسْرَةَ وَالنَّدَامَةَ، وَفِي أَمْثَالِ الْعَرَبِ: «فِي بَيْتِهِ يُؤْتَى الْحُكْمُ»، وَذَلِكَ لِمَا يَتَمَتَّعُ بِهِ مِنَ الْفَضْلِ وَرَجَاحَةِ الْعَقْلِ وَالْبَذْلِ إِذَا تَطَلَّبَ الْأَمْرُ، وَلِذَلِكَ يُؤْتَى إِلَى بَيْتِهِ، وَلَا يَذْهَبُ هُوَ إِلَى بُيُوتِ الْخُصُومِ. إِنَّ جَذْرَ الحِكْمَةِ وَما يُشْتَقُّ مِنْهُ، مَعينٌ لا يَنْضَبْ، ما دام اللسان العربي يَلْهَجُ، والمعاني منه تُنتَجْ، وكُلُّ إِضافَةٍ مِنْ عِلْمٍ وَمَعْرِفَةٍ وَأَدَبٍ وَخُلُقٍ، هِي حِكْمَةٌ نافِعَةٌ، وَدُرَّةٌ نَفِيسَةٌ تُنيرُ أَبْصارَنا وَبَصائِرَنا. @zainabalmahmoud
في هذه الأيام، يتوسل المسلمون في مشارق الأرض ومغاربها باسم الله الغالب؛ ليرد عنهم كيد الكائدين، وغيظ المعتدين، وكل حقد ظاهر ودفين. فالأمة منذ حين تمر بمخاض القيام والانتفاض، ولهذا القيام تكاليفه الوافية من الخوف...
كلّنا ندعو الله عزّ وجلّ باسميه «السميع والبصير»، ومؤكَّدٌ أنَّنا كلَّما ذكرناه بهما سبحانه، قَفَزَ إلى ذاكرتنا وألسنتنا قوله تعالى: «لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيْرُ» (الشورى: 11)، ولكن هناك فرق بين من يقولها مستشعرًا...
لم يُنصر نبي أو عبد من عباد الله إلا بيقينه بالله وحده، وبإدراكه المطلق أن الأمر كلّه بيد الله، وأنّ الله تبارك وتعالى هو الغَالب القَاهر أبدًا، لا يَمْلك أحدٌ أنْ يردَّ ما قَضَى، أو...
كلّنا نسمع باسم الله «الستير»، وكلّنا نردده في كثير من الحالات، لكن هل علمنا حقيقته وغاية تسمية الله به؟ وما علاقته بالمجتمعات وسلمها وأمانها؟ وماذا لو استحضرنا هذا الاسم في جوانب حياتنا المختلفة؟ إنّ مدارسة...
كلٌّ منا يمضي نحو قدره، وكل منا يختار طريقه التي ارتضتها نفسه له، فإن خيرًا فخير، وإن شرًا فشر، والبشر في إطار القدر قسمان، قسم هو الأعلى بقربه من الله وإطاعته، وقسم هو الأسفل ببعده...
إنّ كمال غِنى الله سبحانه وتعالى عظيم؛ لا يحدّ ملكه حدّ، ولا يحصيه أحد، إنساً كان أو جنًا أو ملكاً، أو ما دون ذلك. ولو أن الخلق جميعًا، أولهم وآخرهم، وإنسهم وجنهم، سألوه، فأعطى كل...
لو تتبعنا اسم «الحق» في كتاب الله عزّ وجلَّ، لوجدناه في عدة مواضع؛ فيقول الحقّ جلَّ وعلا: }ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ{ [الحج: 6]، }يَوْمَئِذٍ يُوَفِّيهِمُ اللَّهُ دِينَهُمُ الْحَقَّ وَيَعْلَمُونَ أَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ الْمُبِينُ{...
مَنْ مِنّا لا يحمد الله إن أَصابته سراء؟ ومن منّا لا يشكره سبحانه إنّ أظلته أفياء نعمة؟ هذا حال من يردّ الفضل إلى صاحبه، ويهب الثناء لمن هو أهل له. وهل تفكّرتم يومًا في اسم...
هل شعرت يومًا بعظيم أفياء الله عليك فبادرت بحمده؟ وهل وقعتَ في ابتلاء ونجوتَ منه، فحدثتك نفسك بضرورة حمد الله؟ وهل أبصرت حينًا مصائب غيرك، فنبض قلبك بحمد الله الذي عافاك مما ابتلى به سواك؟...
معلوم أنّ العبد هو الذي يتوب من ذنبه ومما اقترفته نفسه ويداه وجوارحه، لكن هل هذه التوبة تؤتى لأيّ إنسان؟ أم أنّها منحة إلهية يختصّ بها من يستحق من عباده؟ حقيقة إنّ توبة الله على...
لا شكَّ في أنّ مَن يقرأ كلمة «خليفة» أو يسمعها، يتذكر قول الله تعالى: ﴿وَإِذ قَالَ رَبُّكَ لِلمَلَاـئِكَةِ إِنِّی جَاعِل فِی الأرض خَلِیفَة ﴾ [البقرة: 30]، وكذلك يتذكر منصب الخلافة في الإسلام. لكن هل حاول...
كان إمام الدعاة الشيخ محمد متولي الشعراوي - رحمه الله - أكثر الناس تداولًا وتناولًا لاسم الله الحق، وكان إذا أراد استحضار آية كريمة وإدراجها في سياق تفسيره العرفاني النوراني المعروف بالخواطر، قال: «يقول الحق...