alsharq

د. زينب المحمود

عدد المقالات 322

من فِقه النّصر

13 يوليو 2025 , 11:46م

إنَّ خيرَ بداية نتفقّه فيها بالنصر، أن نتذكّر أن الناصر اسم من أسماء الله، وهو اسم كريم متاخم وملازم لاسم الغالب، والنصرة من الله هي تعدية الغَلبة لفريق، فيقهر فريقًا آخر ويغلبه، وهي العون والمدد، وقد ورد اسم الله الناصر بصيغة التفضيل في موضع واحد من كتاب الله، في قوله تعالى: «بَلِ اللهُ مَوْلاكُمْ وَهُوَ خَيْرُ النَّاصِريْنَ»، وصيغة التفضيل هذه، تقتضي أن يكون هناك ناصرون من دون الله، وهو وارد غير ممتنع؛ فهناك من البشر من ينصرون أشياعهم وأتباعهم، وقال تعالى في بعض فئات المؤمنين الذين لم يبرحوا أماكنهم ولم يتركوا مواطنهم، ولم يدخلوا في زمرة المهاجرين: }وَإِنْ اسْتَنْصَرُوْكُمْ في الدّينِ فَعَلَيْكُمُ النَّصْرُ إِلَّا عَلَى قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِّيْثَاقٌ{، أي أنَّ النصر فِعلٌ يشترك فيه الخالق والخلق، ولكن للهِ مثله الأعلى، وللعباد مثله الأدنى، ونصر المسلمين لهم يكون بأن يرفدوهم مددًا ويكثروهم عددًا.وقد وردت كلمة «ناصر» أكثر من مورد في كتاب الله، ولكن بمعاني دونية ليست بحق الجَناب الأعلى، والمقام الأرقى، وقد قال تعالى في ثلاث آيات متعاقبات من سورة الطارق: } إِنّهُ عَلَى رَجْعِهِ لَقَادِرٌ. يَوْمَ تُبْلَى السَّرَائِرُ. فَمَا لَهُ مِنْ قُوَّةٍ وَلَا نَاصِرٌ{. أي أن الله قادر على بعث الإنسان من الموات، وإعادته إلى الحياة، وذلك في دار القرار، حيث تُعرض الأسرار، على الواحد القهار، فليس ثمة تناصر ولا أنصار، بل تدابر وإِدبار. ومن مرادفات الناصر القرآنية «النصير»، والأخير مبالغة من الأول، وله أربعة مواضع قرآنية منها قوله تعالى: } وَكَفَى بِرَبِّكَ هَادِيًا وَنَصِيْرًا {، وعليه نصَّ حديث نبوي شريف رواه أنس بن مالك رضي الله عنه، جاء فيه أنّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان إذا غزا قال: «اللهُمَّ أَنْتَ عَضُدِي وَنَصِيْرِي، بِكَ أَحُولُ وَبِكَ أَصُولُ، وَبِكَ أُقَاتِلُ». وقد فقّهنا الله بفقه النصر حينما أعطانا الدروس النافعة، والمواعظ الناجعة بخيرة خلقه المصطفى الأمين، وخيرة صحبه من الأنصار والمهاجرين، في خير القرون منذ آدم إلى يوم يبعثون، ولقننا سبحانه وتعالى دروسًا لمن كانت له أذن واعية، ونبهنا إلى أنّ سلعة النصر غالية، وأن أدنى خلل يؤخره، وأن صغائر المعاصي تعثره، فالله جل وعلا يوم أحد وبعد أن دارت الدائرة على الكافرين، وولوا مدبرين، واستشعر المؤمنون حينها نشوة النصر، حدث الخلل، وفارق الرماة مواقعهم على الجبل، يبغون التقاط الغنائم، فتسببوا بعودة الكرة والهزيمة. وكذلك الحال يوم حنين؛ فبعد أن خرج المسلمون في جيش جرار، من المهاجرين والأنصار ومن قبائل العرب الذين دخلوا في الإسلام، خرجت كلمة من أحد أفراد الجيش لا يلقي لها بالًا، فعادت على المسلمين وبالًا ونكالًا، مفادها: «لن نغلب اليوم من قلة»، أي أن حشودهم وعديدهم كفيلة بالنصر، وما أن التقى الجمعان حتى انفرط هذا الحشد الخِضَمّ، والجيش العرمرم، وبقي الرسول - صلى الله عليه وسلم - في ثلة معدودة في رأس الطليعة، وفي حامي الوطيس والوقيعة، ثم منَّ الله بعودة الكرة للمسلمين، ونزل البيان القرآني لاحقًا يشير إلى هذا المرض العقدي الذي ينافر الإيمان والتواضع للرحمن، فقال تعالى: } وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنْكُمْ شَيْئًا وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ الأَرْضُ بِما رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُمْ مَدْبِرينَ. ثُمَّ أَنْزَلَ اللهُ سَكِيْنَتَهُ عَلَى رَسُوْلِهِ وَعَلَى المُؤْمِنِيْنَ وَأَنْزَلَ جُنُوْدًا لَمْ تَرَوْهَا وَعَذَّبَ الذِينَ كَفَرُوا وَذَلِكَ جَزَاءُ الكَافِرِيْنَ { التوبة. وأخيرًا، ما أعظم أن نتفقّه في أسباب النصر وأشراطه وأركانه وآفاته ونواقصه ونواقضه، كي ننتصر بداية على أنفسنا وعلى الشيطان قبل أن ننتصر على أعدائنا. @zainabalmahmoud @zalmahmoud@outlook.com

الحقُّ أحقُّ أن يُتّبع

لو تتبعنا اسم «الحق» في كتاب الله عزّ وجلَّ، لوجدناه في عدة مواضع؛ فيقول الحقّ جلَّ وعلا: }ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ{ [الحج: 6]، }يَوْمَئِذٍ يُوَفِّيهِمُ اللَّهُ دِينَهُمُ الْحَقَّ وَيَعْلَمُونَ أَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ الْمُبِينُ{...

إِلهٌ حميد

مَنْ مِنّا لا يحمد الله إن أَصابته سراء؟ ومن منّا لا يشكره سبحانه إنّ أظلته أفياء نعمة؟ هذا حال من يردّ الفضل إلى صاحبه، ويهب الثناء لمن هو أهل له. وهل تفكّرتم يومًا في اسم...

لربنا حامدون

هل شعرت يومًا بعظيم أفياء الله عليك فبادرت بحمده؟ وهل وقعتَ في ابتلاء ونجوتَ منه، فحدثتك نفسك بضرورة حمد الله؟ وهل أبصرت حينًا مصائب غيرك، فنبض قلبك بحمد الله الذي عافاك مما ابتلى به سواك؟...

لا تقنطوا...

معلوم أنّ العبد هو الذي يتوب من ذنبه ومما اقترفته نفسه ويداه وجوارحه، لكن هل هذه التوبة تؤتى لأيّ إنسان؟ أم أنّها منحة إلهية يختصّ بها من يستحق من عباده؟ حقيقة إنّ توبة الله على...

خليفة

لا شكَّ في أنّ مَن يقرأ كلمة «خليفة» أو يسمعها، يتذكر قول الله تعالى: ﴿وَإِذ قَالَ رَبُّكَ لِلمَلَاـئِكَةِ إِنِّی جَاعِل فِی الأرض خَلِیفَة ﴾ [البقرة: 30]، وكذلك يتذكر منصب الخلافة في الإسلام. لكن هل حاول...

ومضةٌ لغويةٌ: الحقّ

كان إمام الدعاة الشيخ محمد متولي الشعراوي - رحمه الله - أكثر الناس تداولًا وتناولًا لاسم الله الحق، وكان إذا أراد استحضار آية كريمة وإدراجها في سياق تفسيره العرفاني النوراني المعروف بالخواطر، قال: «يقول الحق...

قابضٌ باسط

إنّ أسماء الله تعالى ماثلة في أفعاله، وظاهرة في مشيئته، ولكن لا يمكن أن يدرك ذلك إلا مؤمن بالله، وجودًا، وتحكُّمًا، وتسييرًا لكون لا يعلم كنهه إلا خالقه جلّ في علاه، ومن بديع أفعاله الماثلة...

أغوار المعاني

إنّ اللغة العربية لغة غنية بمعانيها ومبانيها، وإنّ سبر أغوار معانيها لا يناله إلا متبصر واعٍ، حصيف فصيح، وهذا ما جعل القرآن الكريم الذي نزل بلسان عربيّ مبين، بليغًا غزيرًا في دلالاته، معجزًا في بيانه....

رزقٌ مقسوم

كثيرٌ من الخلق يعتقد أن الرزق يأتي بسبب ذكاء المرء ودهائه، فهل هذا الاعتقاد صحيح؟ وهل الغنى حكر على الأذكياء من الناس؟ في الحقيقة، لا دخل لذكاء ولا غباء في قبض الأرزاق وبسطها، فهي من...

من درر الحكمة

تُشْتَقُ كَلِمَةُ الحِكْمَةِ مِنْ الجَذْرِ «حَكَمَ» الذي يَقْتَضِي مَعْنى الْمَنْعَ، وَبِهِ قَالَ عُلَمَاءُ اللُّغَةِ وَسَاقُوا عَلَيْهِ الأَدِلَّةَ وَالْبَرَاهِينَ مِنْ دَوَاوِينِ الأَوَّلِينَ، أَصْحَابِ اللِّسَانِ الْعَرَبِيِّ الْمُبِينِ، ثُمَّ مِنْ هَذَا الْمَعْنَى الأَوَّلِيِّ تَتَفَرَّعُ بَقِيَّةُ الْمَعَانِي، فَتَتَغَيَّرُ وَتَتَحَوَّرُ،...

خالق خلاّق

معلوم أنّ لله عزّ وجل صفات وأسماء له فيها الفردانية المطلقة، إذ لا يمكن أن تنسب إلى مخلوق من مخلوقاته في معناها الاصطلاحي، ومنها لفظا الخالق والخلّاق بالتعريف. لكن هناك بعض أسمائه ما يشتق منها...

تبارَك الله

هل تدبّرتم يومًا قول الله تعالى «هُوَ اللهُ الخَالِقُ البَارِئُ المُصَوِّرُ لَهُ الأَسْماءُ الحُسْنَى يُسَبِّحُ لَهُ مَا فَي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَهُوَ العَزِيْزُ الحَكِيْمُ»؟ وهل بحثتم في تأويل المتواليات الثلاث: الخالق، والبارئ، والمصور؟ إن لله عزّ...