alsharq

د. زينب المحمود

عدد المقالات 328

خالق خلاّق

16 يونيو 2025 , 12:11ص

معلوم أنّ لله عزّ وجل صفات وأسماء له فيها الفردانية المطلقة، إذ لا يمكن أن تنسب إلى مخلوق من مخلوقاته في معناها الاصطلاحي، ومنها لفظا الخالق والخلّاق بالتعريف. لكن هناك بعض أسمائه ما يشتق منها معاني أخرى تجعل في إمكان مخلوق ما أن يتّصف بها، كأن نقول: «فلان شاعر خلّاق»، بمعنى أنه خارق للأذواق، مكثر من المعاني البديعة، وأساليب البيان الرفيعة. إن الخالق واحد لا ثاني له، هو الله تعالى، قال في كتابه: «أَلا لَهُ الخَلْقُ وَالأَمْرُ»، وفي هذا السياق الكريم تنقسم أفعال الله إلى الخلق والأمر، فالخلق أن يبرأ النسم، ويبث الأمم، ويخرج المعدوم من كتم العدم، والأمر أن يَقسم الأرزاق، ويقدر الأقدار، ويقلب الليل والنهار. ثم هو المتفرّد بأطوار الخلق؛ علمًا وتنفيذًا وتقديرًا، فقال محاججاً من يشكّكون بذلك متحديًا إياهم: «أَفَرَأَيْتُمْ مَا تُمْنُونَ * أَأَنْتُمْ تَخْلُقُونَهُ أَمْ نَحْنُ الخَالِقُون؟» ومن عطاءات التدبر وإملاءات التفكر في هاتين الآيتين، ما سطره الدكتور محمود محمد غريب، الذي ألف المؤلفات، وصنف المصنفات في إعجاز القرآن، فقال: والضمير في قوله تعالى «أَأَنْتُمْ تَخْلُقُونَهُ» عائد على المني، وليس على الجنين. ومن مغازي هاتين الآيتين؛ أن تكونا لفتة للجاهل، وتنبيها للغافل، ليستفيق من غرور الأسباب، ويرد الأمر إلى المسبب رب الأرباب، فقد يتوهم الغافل المغرور أن الخلق يتناسلون على نحو متواتر ميسور، وأن مهمة الخلق الرباني انتهت بعد أن خلق الله آدم وحواء، وبثه منهما رجالًا كثيرًا ونساء، ومنذ ذلك الحين والأناس يتكاثرون ويتناثرون في الرقاع والأصقاع، وأن الأمر يعمل على نحو خطيّ، فالسبب يقود إلى ناتج حتمي، واجتماع الذكر والأنثى يفضي إلى الحمل والتخصيب، ثُمَّ إِلى الولادة لا ريب! فقد ذكّر الله أنّ عملية الخلق مستمرة حتى في أصغر المقاسات، وفي أدق الكائنات، وأن «ما تُمْنونَ» تعني أنّ ما يخرج من أصلابكم من مادة الحياة، ليس نتاجكم ولا علاجكم، ولا لكم يد في تصميمها وتنظيمها، ولم يشأ الله أن يجعل الأمر يسير رتيبا في دارة لا تتخلف، وقاعدة لا تتوقف، بل جعلها في خطر المشيئة ورهن الإرادة، وأخرجها عن تسلسل الرتابة وحكم العادة، فقال تعالى على سبيل خلق الإنسان }ثُمَّ مِنْ مُضْغَةٍ مُخَلَّقَةٍ وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ{. ومن الأقوال فيها أن الله يخلق الناس إما بكامل خلقهم المعهود، أو ببعض النقص فيه؛ كأن يخلق الأكْمَهَ والأعمى والأصم، لحكمة من سنن الابتلاء، سبحانه له في شؤون خلقه ما شاء. هذا على سبيل الخلق إذا قدّره ويسّره، ولله تعالى أيضًا تصرّفات تقضي بامتناع الخلق في مظان توقعه وانتظاره، وإدباره في مواطن استبشاره، فقد قال تعالى: }للهِ مُلْكُ السَّماواتِ وَالأَرْضِ يَخْلُقُ ما يَشاءُ يَهَبُ لِمَنْ يَشاءُ إِناثًا وَيَهَبُ لِمَنْ يَشاءُ الذُّكُورَ. أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْرانًا وَإِناثًا وَيَجْعَلُ مَنْ يَشاءُ عَقِيمًا إِنَّهُ عَليمٌ قَدِيِرٌ{. إذًا، خلقه تابع لمشيئته جلَّ وعلا، لا يجري مجرى الأسباب إلا بإذنه وقدره، وفي خلق الإنسان يبقى التصرف في كل الأمور، فهو واهب الإناث أو الذكور، وهو إن شاء يقدّر العقم وانقطاع سلسلة التوالد في أحد الأصلاب أو الأرحام، فتتوقف الذرية في ذلك العرق السلالي بعد جريانها ألوف الأعوام. وقيل الخَتْم، أشير إلى صيغة المبالغة من اسم الخالق وهي «الخلاق»، وهذه الصيغة تدل على الكثرة، ومن أكثر من الله خَلقًا وفَتقًا لطيّ العدم؟! ومن أكثر منه إيجادًا وإخراجًا للحي من الميّت، والميّت من الحي، فعله في الخلق لا يتوقف ولا يتخلف طرفة عين، «فَتَبَارَكَ اللهُ أَحْسَنُ الخَالِقِين».

غالبٌ على أَمْرِهِ

في هذه الأيام، يتوسل المسلمون في مشارق الأرض ومغاربها باسم الله الغالب؛ ليرد عنهم كيد الكائدين، وغيظ المعتدين، وكل حقد ظاهر ودفين. فالأمة منذ حين تمر بمخاض القيام والانتفاض، ولهذا القيام تكاليفه الوافية من الخوف...

أَبصر به وأَسمع

كلّنا ندعو الله عزّ وجلّ باسميه «السميع والبصير»، ومؤكَّدٌ أنَّنا كلَّما ذكرناه بهما سبحانه، قَفَزَ إلى ذاكرتنا وألسنتنا قوله تعالى: «لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيْرُ» (الشورى: 11)، ولكن هناك فرق بين من يقولها مستشعرًا...

مفتاح النصر

لم يُنصر نبي أو عبد من عباد الله إلا بيقينه بالله وحده، وبإدراكه المطلق أن الأمر كلّه بيد الله، وأنّ الله تبارك وتعالى هو الغَالب القَاهر أبدًا، لا يَمْلك أحدٌ أنْ يردَّ ما قَضَى، أو...

كمال الستر

كلّنا نسمع باسم الله «الستير»، وكلّنا نردده في كثير من الحالات، لكن هل علمنا حقيقته وغاية تسمية الله به؟ وما علاقته بالمجتمعات وسلمها وأمانها؟ وماذا لو استحضرنا هذا الاسم في جوانب حياتنا المختلفة؟ إنّ مدارسة...

رغم المكر.. قطر ستبقى حرة

كلٌّ منا يمضي نحو قدره، وكل منا يختار طريقه التي ارتضتها نفسه له، فإن خيرًا فخير، وإن شرًا فشر، والبشر في إطار القدر قسمان، قسم هو الأعلى بقربه من الله وإطاعته، وقسم هو الأسفل ببعده...

كمال غناه

إنّ كمال غِنى الله سبحانه وتعالى عظيم؛ لا يحدّ ملكه حدّ، ولا يحصيه أحد، إنساً كان أو جنًا أو ملكاً، أو ما دون ذلك. ولو أن الخلق جميعًا، أولهم وآخرهم، وإنسهم وجنهم، سألوه، فأعطى كل...

الحقُّ أحقُّ أن يُتّبع

لو تتبعنا اسم «الحق» في كتاب الله عزّ وجلَّ، لوجدناه في عدة مواضع؛ فيقول الحقّ جلَّ وعلا: }ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ{ [الحج: 6]، }يَوْمَئِذٍ يُوَفِّيهِمُ اللَّهُ دِينَهُمُ الْحَقَّ وَيَعْلَمُونَ أَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ الْمُبِينُ{...

إِلهٌ حميد

مَنْ مِنّا لا يحمد الله إن أَصابته سراء؟ ومن منّا لا يشكره سبحانه إنّ أظلته أفياء نعمة؟ هذا حال من يردّ الفضل إلى صاحبه، ويهب الثناء لمن هو أهل له. وهل تفكّرتم يومًا في اسم...

لربنا حامدون

هل شعرت يومًا بعظيم أفياء الله عليك فبادرت بحمده؟ وهل وقعتَ في ابتلاء ونجوتَ منه، فحدثتك نفسك بضرورة حمد الله؟ وهل أبصرت حينًا مصائب غيرك، فنبض قلبك بحمد الله الذي عافاك مما ابتلى به سواك؟...

لا تقنطوا...

معلوم أنّ العبد هو الذي يتوب من ذنبه ومما اقترفته نفسه ويداه وجوارحه، لكن هل هذه التوبة تؤتى لأيّ إنسان؟ أم أنّها منحة إلهية يختصّ بها من يستحق من عباده؟ حقيقة إنّ توبة الله على...

خليفة

لا شكَّ في أنّ مَن يقرأ كلمة «خليفة» أو يسمعها، يتذكر قول الله تعالى: ﴿وَإِذ قَالَ رَبُّكَ لِلمَلَاـئِكَةِ إِنِّی جَاعِل فِی الأرض خَلِیفَة ﴾ [البقرة: 30]، وكذلك يتذكر منصب الخلافة في الإسلام. لكن هل حاول...

ومضةٌ لغويةٌ: الحقّ

كان إمام الدعاة الشيخ محمد متولي الشعراوي - رحمه الله - أكثر الناس تداولًا وتناولًا لاسم الله الحق، وكان إذا أراد استحضار آية كريمة وإدراجها في سياق تفسيره العرفاني النوراني المعروف بالخواطر، قال: «يقول الحق...