عدد المقالات 326
معلوم أنّ العبد هو الذي يتوب من ذنبه ومما اقترفته نفسه ويداه وجوارحه، لكن هل هذه التوبة تؤتى لأيّ إنسان؟ أم أنّها منحة إلهية يختصّ بها من يستحق من عباده؟ حقيقة إنّ توبة الله على عبيده هي حصيلة جهد واستحقاق لهذه الفئة ممن يريد الله بهم خيرًا. وتوبة الله على عبده تقسم إلى قسمين؛ سابقة ولاحقة، فأما السابقة؛ فهي توفيق الله للعبد، وإلهامه التوبة، والإقلاع عما هو فيه من خرق الحدود، والضلال البعيد. وأمّا التوبة الأخرى؛ فهي قبول الله توبة عبده، بإسقاط ذنبه، من دون إحباط سالف عمله. وهذه لطيفة أثيرة؛ إذ إنّ المبادرة إلى التوبة والدافعية لا تكون من العبد ذاته، الغارق في شهواته، الممعن في ضلالاته، بل تكون بوخزة للضمير، ونكزة للشعور، تأتيه من الله، فيستشعر من الذنب وحشة، ويشعر في روحه رعشة، فيعود أدراجه، ويتمرغ في عتبات الضراعة، ويركب سكّة الطاعة، فإذا صدق الله التوبة، تاب عليه ربه، فتقبّل منه الحسنات وتجاوز عن السيئات، ومحا ما شاء، وأثبت ما شاء، وعنده أم الكتاب. وقد ركّب الله النفوس على النفور من الذنوب والأوزار، والاطمئنان بالبر والخير والأذكار، فعندما يقارف العبد ذنبًا أوّل أمره، يستشعر التنغيص في سره، ويشعر أنه يخالف سير الفطرة ويعاكسها ويشاكسها، فإذا استمر هذا مرارًا وتكرارًا، شعر بالتآلف والتحالف مع الذنب، وهذه مرحلة خَطِرة عسيرة، إذ إنَّ النفس القابلة للتقوى والفجور، خلعت ربقة المراقبة، وأدمنت الشرور والذنوب المتعاقبة. وإنعاش الأرواح كإنعاش الأجسام، يصعب كلما ازدادت الأسقام، وقد ركّب الله النفس اللوامة فينا لتلقي علينا بالملامة بعد كل شرود وخروج عن المعهود، وإذا طالت ملابسة الإثم، تبرد اللوامة وتكسد. ولكن، رغم ذلك، فإن الله لا يعمل وفق المنهج الخطي، الذي يبدأ بسبب، وينتهي بناتج، بل يكرم من شاء بالكرامات والخوارق، فكم من أثيم فاسق، أضاءت في فطرته البوارق، فقام من تحت رماد نفسه العاتية القاسية، واقشعرَّ جلده من خشية الله، فالفطرة سراج لا تنطفئ جذوته مهما جثم فوقها الذنب وتراكم، ومهما تقادم وتعاظم، فلا يزال لها وميض قابل للاشتعال، وبصيص في آخر نفق الضلال. من أجل ذلك كلّه، سمّى الله نفسه «التواب» بصيغة المبالغة، كمًّا وكيفًا، فالله يتوب على عباده مرارًا وتكرارًا، وهو الذي يتوب على عبادٍ كانوا في مرحلة اليأس والقنوط بعد أن أوغلوا في التردي والسقوط، حتى يئس مَنْ حولهم مِنْ صلاح أحوالهم، وأيقنوا سوء مآلهم، ولكن يشاء الله أن يضرب بهم مثالًا على التوبة التي لا يحدها حد، ولا يصدّها سَدّ، وهو القائل سبحانه: }قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفوا عَلى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللهِ إِنَّ اللهِ يَغْفِرُ الذُنُوْبَ جَمِيْعًا{ (الزمر: 53). فعلينا جميعًا، أن نبادر بالتوبة ونجددها ما دام في أعمارنا متسع، وألا نقنط من رحمة الله وتوبته مهما ابتعدنا عنه جلَّ جلاله، فما سمّى نفسه بالتوّاب والرحيم إلا ليتوب علينا ويرحمنا. @zainabalmahmoud @zalmahmoud@outlook.com
لم يُنصر نبي أو عبد من عباد الله إلا بيقينه بالله وحده، وبإدراكه المطلق أن الأمر كلّه بيد الله، وأنّ الله تبارك وتعالى هو الغَالب القَاهر أبدًا، لا يَمْلك أحدٌ أنْ يردَّ ما قَضَى، أو...
كلّنا نسمع باسم الله «الستير»، وكلّنا نردده في كثير من الحالات، لكن هل علمنا حقيقته وغاية تسمية الله به؟ وما علاقته بالمجتمعات وسلمها وأمانها؟ وماذا لو استحضرنا هذا الاسم في جوانب حياتنا المختلفة؟ إنّ مدارسة...
كلٌّ منا يمضي نحو قدره، وكل منا يختار طريقه التي ارتضتها نفسه له، فإن خيرًا فخير، وإن شرًا فشر، والبشر في إطار القدر قسمان، قسم هو الأعلى بقربه من الله وإطاعته، وقسم هو الأسفل ببعده...
إنّ كمال غِنى الله سبحانه وتعالى عظيم؛ لا يحدّ ملكه حدّ، ولا يحصيه أحد، إنساً كان أو جنًا أو ملكاً، أو ما دون ذلك. ولو أن الخلق جميعًا، أولهم وآخرهم، وإنسهم وجنهم، سألوه، فأعطى كل...
لو تتبعنا اسم «الحق» في كتاب الله عزّ وجلَّ، لوجدناه في عدة مواضع؛ فيقول الحقّ جلَّ وعلا: }ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ{ [الحج: 6]، }يَوْمَئِذٍ يُوَفِّيهِمُ اللَّهُ دِينَهُمُ الْحَقَّ وَيَعْلَمُونَ أَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ الْمُبِينُ{...
مَنْ مِنّا لا يحمد الله إن أَصابته سراء؟ ومن منّا لا يشكره سبحانه إنّ أظلته أفياء نعمة؟ هذا حال من يردّ الفضل إلى صاحبه، ويهب الثناء لمن هو أهل له. وهل تفكّرتم يومًا في اسم...
هل شعرت يومًا بعظيم أفياء الله عليك فبادرت بحمده؟ وهل وقعتَ في ابتلاء ونجوتَ منه، فحدثتك نفسك بضرورة حمد الله؟ وهل أبصرت حينًا مصائب غيرك، فنبض قلبك بحمد الله الذي عافاك مما ابتلى به سواك؟...
لا شكَّ في أنّ مَن يقرأ كلمة «خليفة» أو يسمعها، يتذكر قول الله تعالى: ﴿وَإِذ قَالَ رَبُّكَ لِلمَلَاـئِكَةِ إِنِّی جَاعِل فِی الأرض خَلِیفَة ﴾ [البقرة: 30]، وكذلك يتذكر منصب الخلافة في الإسلام. لكن هل حاول...
كان إمام الدعاة الشيخ محمد متولي الشعراوي - رحمه الله - أكثر الناس تداولًا وتناولًا لاسم الله الحق، وكان إذا أراد استحضار آية كريمة وإدراجها في سياق تفسيره العرفاني النوراني المعروف بالخواطر، قال: «يقول الحق...
إنّ أسماء الله تعالى ماثلة في أفعاله، وظاهرة في مشيئته، ولكن لا يمكن أن يدرك ذلك إلا مؤمن بالله، وجودًا، وتحكُّمًا، وتسييرًا لكون لا يعلم كنهه إلا خالقه جلّ في علاه، ومن بديع أفعاله الماثلة...
إنَّ خيرَ بداية نتفقّه فيها بالنصر، أن نتذكّر أن الناصر اسم من أسماء الله، وهو اسم كريم متاخم وملازم لاسم الغالب، والنصرة من الله هي تعدية الغَلبة لفريق، فيقهر فريقًا آخر ويغلبه، وهي العون والمدد،...
إنّ اللغة العربية لغة غنية بمعانيها ومبانيها، وإنّ سبر أغوار معانيها لا يناله إلا متبصر واعٍ، حصيف فصيح، وهذا ما جعل القرآن الكريم الذي نزل بلسان عربيّ مبين، بليغًا غزيرًا في دلالاته، معجزًا في بيانه....