alsharq

د. زينب المحمود

عدد المقالات 322

رزقٌ مقسوم

29 يونيو 2025 , 10:37م

كثيرٌ من الخلق يعتقد أن الرزق يأتي بسبب ذكاء المرء ودهائه، فهل هذا الاعتقاد صحيح؟ وهل الغنى حكر على الأذكياء من الناس؟ في الحقيقة، لا دخل لذكاء ولا غباء في قبض الأرزاق وبسطها، فهي من تدبير الله، يعطي من يشاء من خلقه، قال وقوله الحق: «وَاللهُ يَقْبِضُ وَيَبْسُطُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ»، وفيها قال جمهور المفسرين: إنّ الله تعالى يقبض الرزق ويقدره على من شاء من العباد، ويرسله ويوسعه لمن شاء، ومرد ذلك إلى حكمته، وعظيم علمه بخلقه. فهناك من خلق الله من لا يصلحه إلا الغنى والميسرة، ولو أصابه الفقر وألحّ به، ربما فسّقه وكفّره، فمن نعمة الله عليه أن يبسط له حبل الرزق والعطاء، وهناك من الخلق من يوبقهم الغنى، ويخرج بهم عن سكة الإيمان إلى هاوية الطغيان، وسبحان الله القائل: «وَلَوْ بَسَطَ اللهُ الرِزْقَ لِعِبَادِهِ لَبَغَوْا فِي الأَرْضِ وَلَكِنْ يُنَزِّلُ بِقَدَرٍ مَا يَشَاءُ». وهذا جواب التساؤل أو الاعتراض الخفي على قدر الله العليّ، فكثير من الناس من يبدي نوعًا من الاعتراض والتهكم؛ إمّا بلسانه جهارًا، أو في نفسه إسرارًا، ينفخ الشيطان في أنفه فيقول له، إذا كان الله لا ينقص عطاؤه، ولا تنضب خزائن جوده، فلم لا يفتح عنفات الرزق على عبيده؟ ولم يجعل بعضهم غنيًا ثريًا، ويجعل بعضهم فقيرًا متربًا؟ والجواب أن الله أعلم بحال عباده، هم صنعته والجنة سلعته، ويريد بهم اليسر لا العسر، ويريدهم من واردي جنته وأنهاره، لا حصبًا لناره، وهو أعلم بما فيه صلاحهم و فلاحهم، فيغمر بعض بالنعم ويصاب بعضهم بالنقم، وهذه سنته في القبض والبسط، وهذا مقصده في الابتلاء؛ ليتمحص الزبد الغثاء الذي يذهب جفاء، والنافع الخصيب، الذي يمرع الجديب. السعي مطلوب، والمشي في مناكب الأرض أمر ربانيّ مرغوب، ولكن قبل كلّ شيء يجب ألا نلوم الله على الإقتار إن لم نجد سواه، وألا نندم في الحصيلة على نتيجة السعي. وفي هذا السياق استحضر قصة ابن زريق البغدادي، صاحب القصيدة اليتيمة التي قالها قبل أن يقبض القابض جلّ وعلا روحه، ويطوي صفحته، فبث فيها من المشاعر أصدقها، وبالموعظة والنصيحة أغرقها، فقد ضرب في الفجاج يريد أن يصيب الغنى، ويحتال على الفقر والإقتار، فسلك الفيافي والقفار، وابتعد عن الأحباب وفارق الأصحاب، وتجنَّد بالأسباب، ولكنه باء بالفقر، ورجع بالخُسر، فغمرته الندامة والحسرات، وفاضت من عينيه العبرات، وانطلقت من صدره الزفرات، فلا هو ظلّ إلى جانب حبيبته ممتعًا بالوصال، ولا هو إذ تغرّبَ كسب المغانم والأموال، فقال قصيدة طويلة أذكر منها قوله: وما مجاهـــــــــــــــدة الإنسان تــــــوصلــــــــــه رزقًا ولا دعـــــــــــــــة الإنســـــــان تقطعـــــــــه قـــــد وزع الله بيــــــــــــــــن الخلـــق رزقهـــــــــــم لم يخــلـــــــــق الله مـــــــن خلـــــق يضيعــــــــه لكنهــــم كُلّفـــــــــــوا حرصًا فلســــــــــت ترى مسترزقًـــا وســـــــــوى الغايـــــــــــــــات تقنعـــــه والحرص في الرزق والأرزاق قد قسمت بغيٌ ألا إن بغــــــــــــــــــي المــــــرء يصــرعـــــه نعم والله، إن الحرص في توسل وتسول الرزق، وتكلف المشاق، واحتمال ما لا يطاق، هو ضرب من البغي، واعتراض على قبض الله وبسطه، والبغي له مرتع وخيم، ومصرع أليم. فجميل أن نسعى بتوكّل لا بتكلّف ما لا يطاق، وحريّ بنا أن نعلم علم اليقين أن الرزق مقسوم من لَدُن حكيم خبير. فنسأل الله ألا يكلفنا الشقاء والعناء فيما لا دخل لنا به، من قضائه وقدره وقبضه وبسطه، ونسأل الله الرضا الذي يجلب رضاه، ونعوذ به من السخط الذي يبلغنا سخطه، ونسأل الله الشكر على النعم والآلاء، والصبر على الأرزاء. @zainabalmahmoud @zalmahmoud@outlook.com

الحقُّ أحقُّ أن يُتّبع

لو تتبعنا اسم «الحق» في كتاب الله عزّ وجلَّ، لوجدناه في عدة مواضع؛ فيقول الحقّ جلَّ وعلا: }ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ{ [الحج: 6]، }يَوْمَئِذٍ يُوَفِّيهِمُ اللَّهُ دِينَهُمُ الْحَقَّ وَيَعْلَمُونَ أَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ الْمُبِينُ{...

إِلهٌ حميد

مَنْ مِنّا لا يحمد الله إن أَصابته سراء؟ ومن منّا لا يشكره سبحانه إنّ أظلته أفياء نعمة؟ هذا حال من يردّ الفضل إلى صاحبه، ويهب الثناء لمن هو أهل له. وهل تفكّرتم يومًا في اسم...

لربنا حامدون

هل شعرت يومًا بعظيم أفياء الله عليك فبادرت بحمده؟ وهل وقعتَ في ابتلاء ونجوتَ منه، فحدثتك نفسك بضرورة حمد الله؟ وهل أبصرت حينًا مصائب غيرك، فنبض قلبك بحمد الله الذي عافاك مما ابتلى به سواك؟...

لا تقنطوا...

معلوم أنّ العبد هو الذي يتوب من ذنبه ومما اقترفته نفسه ويداه وجوارحه، لكن هل هذه التوبة تؤتى لأيّ إنسان؟ أم أنّها منحة إلهية يختصّ بها من يستحق من عباده؟ حقيقة إنّ توبة الله على...

خليفة

لا شكَّ في أنّ مَن يقرأ كلمة «خليفة» أو يسمعها، يتذكر قول الله تعالى: ﴿وَإِذ قَالَ رَبُّكَ لِلمَلَاـئِكَةِ إِنِّی جَاعِل فِی الأرض خَلِیفَة ﴾ [البقرة: 30]، وكذلك يتذكر منصب الخلافة في الإسلام. لكن هل حاول...

ومضةٌ لغويةٌ: الحقّ

كان إمام الدعاة الشيخ محمد متولي الشعراوي - رحمه الله - أكثر الناس تداولًا وتناولًا لاسم الله الحق، وكان إذا أراد استحضار آية كريمة وإدراجها في سياق تفسيره العرفاني النوراني المعروف بالخواطر، قال: «يقول الحق...

قابضٌ باسط

إنّ أسماء الله تعالى ماثلة في أفعاله، وظاهرة في مشيئته، ولكن لا يمكن أن يدرك ذلك إلا مؤمن بالله، وجودًا، وتحكُّمًا، وتسييرًا لكون لا يعلم كنهه إلا خالقه جلّ في علاه، ومن بديع أفعاله الماثلة...

من فِقه النّصر

إنَّ خيرَ بداية نتفقّه فيها بالنصر، أن نتذكّر أن الناصر اسم من أسماء الله، وهو اسم كريم متاخم وملازم لاسم الغالب، والنصرة من الله هي تعدية الغَلبة لفريق، فيقهر فريقًا آخر ويغلبه، وهي العون والمدد،...

أغوار المعاني

إنّ اللغة العربية لغة غنية بمعانيها ومبانيها، وإنّ سبر أغوار معانيها لا يناله إلا متبصر واعٍ، حصيف فصيح، وهذا ما جعل القرآن الكريم الذي نزل بلسان عربيّ مبين، بليغًا غزيرًا في دلالاته، معجزًا في بيانه....

من درر الحكمة

تُشْتَقُ كَلِمَةُ الحِكْمَةِ مِنْ الجَذْرِ «حَكَمَ» الذي يَقْتَضِي مَعْنى الْمَنْعَ، وَبِهِ قَالَ عُلَمَاءُ اللُّغَةِ وَسَاقُوا عَلَيْهِ الأَدِلَّةَ وَالْبَرَاهِينَ مِنْ دَوَاوِينِ الأَوَّلِينَ، أَصْحَابِ اللِّسَانِ الْعَرَبِيِّ الْمُبِينِ، ثُمَّ مِنْ هَذَا الْمَعْنَى الأَوَّلِيِّ تَتَفَرَّعُ بَقِيَّةُ الْمَعَانِي، فَتَتَغَيَّرُ وَتَتَحَوَّرُ،...

خالق خلاّق

معلوم أنّ لله عزّ وجل صفات وأسماء له فيها الفردانية المطلقة، إذ لا يمكن أن تنسب إلى مخلوق من مخلوقاته في معناها الاصطلاحي، ومنها لفظا الخالق والخلّاق بالتعريف. لكن هناك بعض أسمائه ما يشتق منها...

تبارَك الله

هل تدبّرتم يومًا قول الله تعالى «هُوَ اللهُ الخَالِقُ البَارِئُ المُصَوِّرُ لَهُ الأَسْماءُ الحُسْنَى يُسَبِّحُ لَهُ مَا فَي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَهُوَ العَزِيْزُ الحَكِيْمُ»؟ وهل بحثتم في تأويل المتواليات الثلاث: الخالق، والبارئ، والمصور؟ إن لله عزّ...