سنمّار بوعيون خضر!

أراد النعمان ملك الحيرة أن يبني قصراً ليس كمثله قصر، يفتخر به على العرب، ويفاخر به أمام الفرس، حيث سيقيم ابن سابور ملك الفرس فيه عند زيارته للنعمان، ووقع اختيار النعمان على المهندس ذائع الصيت والشهرة سنمار لتصميم وبناء هذا القصر. استغرق بناء القصر سنوات طويلة، وأطلقوا عليه اسم الخورنق. جاء النعمان ليعاين البناء، استعرض القصر وطاف بأرجائه فقال سنمار للنعمان: أما والله لو شئت حين بنيته جعلته يدور مع الشمس حيث دارت! فأجابه النعمان: إنك لتحسن أن تبني أجمل من هذا! بعد أن قال له: إني أعرف موضع آجرة -يعني حجرة أو طوبة- لو زالت انقض القصر من أساسه! فقال له: أيعرفها أحد غيرك؟ قال: لا. قال: لأدعنها وما يعرفها أحد فأمر به فقذف به من أعلى القصر فقضى! اليوم، لدينا من سنمار وأشباهه الكثير في المؤسسات والدوائر الحكومية، جيء بهم بغية تحسين العمل والارتقاء به، والاستفادة من علمهم وخبرتهم ليواكب التنفيذ أحدث ما جاء به العلم، لكن ما نجده منهم لا يختلف كثيراً عن ما قام به سنمار من تذييل عمله بتوقيع يرائي به كمعجزة من المعجزات، ومن يدري إن كان هذا التوقيع صحيحاً أم إنه من نسج الخيال! والتي غالباً تأتي بالتلاعب بالمصطلحات على المسؤول، لكي يوهموه بأنهم خبراء فعلاً، وأنهم يعلمون ما لا يعلم! وذلك طمعاً في العطاء الجزيل والمكانة العالية! وبرغم النهاية المؤلمة لسنمار ونيله جزاءه غير المستحق كما يرى، فإني أرى أن الملك كان حصيفاً بما لم يدع لسنمار مجالاً للمباهاة والابتزاز باسم تلك الآجرة وأوقفه عند حجمه الطبيعي! المفارقة مع التاريخ الذي يعيد نفسه كل يوم بأن المسؤولين الذين بحصافة النعمان قلة، الذين لا تنطلي عليهم وعود المتردية والنطيحة من هؤلاء المتشدقين المعزولين من أماكنهم لسوء عملهم أو عدم إنجاز ما طلب منهم -في أوطانهم- ولكن وثق فيهم بعض المسؤولين ثقة عمياء، حيث انطلت عليهم الوعود الوهمية وتلقفوهم بكل حنان! فما بني على باطل فهو باطل! لذلك نرى الكثير من المشاريع المتعثرة والتي نشتمّ منها رائحة الفساد، أو يظهر ذلك الفساد جلياً على أرضع الواقع في مراحل التنفيذ وما بعد التنفيذ، فما كان يأتينا في الماضي من تصريحات توهم بمستقبل جميل يجعل من الأحلام الوردية حقيقة، نجد بعد الإنجاز أن المشروع لا يمت للأحلام بصلة لمستواه المتواضع ولكثرة المشاكل التي يعاني منها المشروع، فلا إبداع سنمار رأينا ولا «خورنق» طلنا! هذا في أحسن الأحوال، أما في أسوئها فنجد بين عشية وضحاها وبعد سنوات من العمل وسنوات من الوعود بتنفيذ مشاريع تحقق تطوراً نوعياً بمستوى المعيشة في قطر، وبعد رصد الكثير من الميزانيات السخية للمؤتمرات والاجتماعات والخبراء الزائرين والمقيمين والمتفيهقين من ذوي العيون الخضر، نجد أن المشروع قد أُلغي بدون عقاب ولا سابقة حساب! وتتكرر هذه المشاريع ويتزايد أشباه سنمار دون الاعتبار من أخطاء الأمس ولا حتى من جزاء سنمار! قليل من بصر وبصيرة يا مسؤولين يبني لنا الكثير من قصور الخورنق! فاصلة منقوطة؛ كل التحية والتقدير للخبرات النزيهة التي لها يد نظيفة في بناء وإعمار قطر