alsharq

د. زينب المحمود

عدد المقالات 327

بين الرّغْبَة والفعل

10 نوفمبر 2024 , 10:58م

إن مِن مسلّمات الحياة، أن يسعى الإنسان لمأكله ومشربه وحاجاته، ودائمًا ما يرافق ذلك كدّ وعناء وتعب، ولكن هل تعلم أن الإنسان لا يمكن أن يجد حياته إلا إن تحرك وسعى؟ فالله تعالى يبارك فيمن يسعى، وكلّ شيء في حياتنا يحتاج إلى سعي واجتهاد، لذلك فالرزق يُجلب بالحركة، والهمّ يدفع بالحركة، والصحة تستقيم بالحركة، والماء يطيب بالحركة... إلخ. لذلك، فليس هناك راحةٌ تامّة في هذه الدنيا إلا بالبذل والعطاء والحركة، فبها تُطرد الهموم، وتُجلى الأحزان، فعلى أهل الإيمان والوعي أن يسيروا في حياتهم بهمم عالية، وعملٍ دؤوب، فبالحركة تحلّ البركة. وفي هذا السياق يحضرني نماذج أصيلة، أثرت بهمتها في الأمة والأجيال، لأنها حملت همّ الدين والعلم وسعت في قضاء حوائج الناس بهمة عالية متجاوزة همومها وأوجاعها، فهذا الليث بن سعد رحمه الله تعالى يجلس للمسائل، فيغشاه الناس ويسألونه، ويجلس لحوائج الناس، ولا يسأله أحد من الناس فيرده، كبرت حاجته أو صغرت. وهذا شاعر الدعوة الإسلامية المعاصرة عمر بهاء الدين الأميري، الذي كان في جناح طب القلب، وكان صدره موصولاً بجهاز المراقبة الإلكتروني وبأسلاك تشل من حركته، وكان يُحقنُ في البطن كل يوم مرات عديدة بإبر خاصة بمناعة الدم. جاءه الطبيب ليسأل القائم على التمريض عن استراحة الشاعر، فسأله: كيف حاله الآن؟ هل استراح؟ فردّ عليه الشاعر باستغراب، وبفهم يختلف عن فهمه قائلًا: كلا رويدَكَ يا طبيبُ وقد سألتَ أما استــــــراح؟ هل يستريح الحرُّ يوقِدُ صدرَه العبءُ الـــرَّزاح وللجيلاني قول عجيب في أهمية الهمة والعمل والحركة، فيقول: «الحركة بداية، والسكون نهاية؛ فالأشياء لا تسكن إلا إذا وصلت إلى نهايتها وخمدت وماتت، لكن الحركة تكون بداية لما بعدها، فهي تلِدُ ما بعدها، والحركة هي الحد الفاصل بين عهد الرقابة وبين عهد حمل الأمانة بعزم وحزم ووفاء، فبالحركة انتشر المسلمون الأوائل مثل شعاع الشمس في أقطار الأرض يفتحون البلاد، ويفتحون قلوب العباد، ويدعون إلى التوحيد، ويحطمون الطواغيت، ويقودون الناس إلى الجنة، وبالحركة صاروا في ظلمات الحياة سراجًا وهاجًا، فإذا بالباطل قد صار رمادًا بعد التهاب وخامدًا بعد حركة». وهذا الإمام الشافعي - رحمه الله تعالى – يعبّر عن شغفه بالحركة والسعي بهمة نحو أعماله، بصورة بلاغية جمالية، إذ شبه فيها الركود والكسل وضعف الهمّة بالماء الراكد الآسن، وشبه السعي بهمة ونشاط بجريان الماء العذب الفرات، وقال إن الأسد قد تهلك إن لم تسعَ بهمة ونشاط، وكذلك هو حال السهم إن لم نحركه فلن يصيب هدفه، والشمس لو وقفت في أفقها لملّها الخلق جميعًا، فقال معبرًا عن ذلك كله: إني رأيتُ وقـوفَ المـاء يفسـدهُ إِنْ سَال طَابَ وَإنْ لَمْ يَجْـــرِ لَمْ يَطِـبِ والأسدُ لولا فراقُ الأرض ما افترسـت والسَّهـمُ لولا فراقُ القوسِ لم يصب والشمس لو وقفت في الفلكِ دائمـة لَمَلَّهَا النَّاسُ مِنْ عُجْـمٍ وَمِـنَ عَرَبِ وأخيرًا أقول: إنّ الإنسان العاقل هو من يتخلّص من همّه بهمة وعزيمة، ويكون ذلك في مهمّة عظيمة، يبتغي فيها هدفًا عظيمًا، وأعظم الأهداف ما ارتبط بالله، وبعبادته، وبقضاء حاجات الناس، برًا ورحمة وعطفًا، فبالهمة والمهمة يزول الهمّ، ويرقى المرء إلى القمم، قمم المعالي والمجد العظيم. ورحم الله القائل: كن مشعلًا في جنح ليل حالك يهدي الأنام إلى الهدى ويبيِّنُ وانشط لدينك لا تكن متكاسلًا واعمل على تحريك ما هو ساكنُ @zainabalmahmoud @zalmahmoud@outlook.com

أَبصر به وأَسمع

كلّنا ندعو الله عزّ وجلّ باسميه «السميع والبصير»، ومؤكَّدٌ أنَّنا كلَّما ذكرناه بهما سبحانه، قَفَزَ إلى ذاكرتنا وألسنتنا قوله تعالى: «لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيْرُ» (الشورى: 11)، ولكن هناك فرق بين من يقولها مستشعرًا...

مفتاح النصر

لم يُنصر نبي أو عبد من عباد الله إلا بيقينه بالله وحده، وبإدراكه المطلق أن الأمر كلّه بيد الله، وأنّ الله تبارك وتعالى هو الغَالب القَاهر أبدًا، لا يَمْلك أحدٌ أنْ يردَّ ما قَضَى، أو...

كمال الستر

كلّنا نسمع باسم الله «الستير»، وكلّنا نردده في كثير من الحالات، لكن هل علمنا حقيقته وغاية تسمية الله به؟ وما علاقته بالمجتمعات وسلمها وأمانها؟ وماذا لو استحضرنا هذا الاسم في جوانب حياتنا المختلفة؟ إنّ مدارسة...

رغم المكر.. قطر ستبقى حرة

كلٌّ منا يمضي نحو قدره، وكل منا يختار طريقه التي ارتضتها نفسه له، فإن خيرًا فخير، وإن شرًا فشر، والبشر في إطار القدر قسمان، قسم هو الأعلى بقربه من الله وإطاعته، وقسم هو الأسفل ببعده...

كمال غناه

إنّ كمال غِنى الله سبحانه وتعالى عظيم؛ لا يحدّ ملكه حدّ، ولا يحصيه أحد، إنساً كان أو جنًا أو ملكاً، أو ما دون ذلك. ولو أن الخلق جميعًا، أولهم وآخرهم، وإنسهم وجنهم، سألوه، فأعطى كل...

الحقُّ أحقُّ أن يُتّبع

لو تتبعنا اسم «الحق» في كتاب الله عزّ وجلَّ، لوجدناه في عدة مواضع؛ فيقول الحقّ جلَّ وعلا: }ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ{ [الحج: 6]، }يَوْمَئِذٍ يُوَفِّيهِمُ اللَّهُ دِينَهُمُ الْحَقَّ وَيَعْلَمُونَ أَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ الْمُبِينُ{...

إِلهٌ حميد

مَنْ مِنّا لا يحمد الله إن أَصابته سراء؟ ومن منّا لا يشكره سبحانه إنّ أظلته أفياء نعمة؟ هذا حال من يردّ الفضل إلى صاحبه، ويهب الثناء لمن هو أهل له. وهل تفكّرتم يومًا في اسم...

لربنا حامدون

هل شعرت يومًا بعظيم أفياء الله عليك فبادرت بحمده؟ وهل وقعتَ في ابتلاء ونجوتَ منه، فحدثتك نفسك بضرورة حمد الله؟ وهل أبصرت حينًا مصائب غيرك، فنبض قلبك بحمد الله الذي عافاك مما ابتلى به سواك؟...

لا تقنطوا...

معلوم أنّ العبد هو الذي يتوب من ذنبه ومما اقترفته نفسه ويداه وجوارحه، لكن هل هذه التوبة تؤتى لأيّ إنسان؟ أم أنّها منحة إلهية يختصّ بها من يستحق من عباده؟ حقيقة إنّ توبة الله على...

خليفة

لا شكَّ في أنّ مَن يقرأ كلمة «خليفة» أو يسمعها، يتذكر قول الله تعالى: ﴿وَإِذ قَالَ رَبُّكَ لِلمَلَاـئِكَةِ إِنِّی جَاعِل فِی الأرض خَلِیفَة ﴾ [البقرة: 30]، وكذلك يتذكر منصب الخلافة في الإسلام. لكن هل حاول...

ومضةٌ لغويةٌ: الحقّ

كان إمام الدعاة الشيخ محمد متولي الشعراوي - رحمه الله - أكثر الناس تداولًا وتناولًا لاسم الله الحق، وكان إذا أراد استحضار آية كريمة وإدراجها في سياق تفسيره العرفاني النوراني المعروف بالخواطر، قال: «يقول الحق...

قابضٌ باسط

إنّ أسماء الله تعالى ماثلة في أفعاله، وظاهرة في مشيئته، ولكن لا يمكن أن يدرك ذلك إلا مؤمن بالله، وجودًا، وتحكُّمًا، وتسييرًا لكون لا يعلم كنهه إلا خالقه جلّ في علاه، ومن بديع أفعاله الماثلة...