عدد المقالات 322
هل يمكن أن يلتقي الضدان (المنع والعطاء)؟ وما صفات الفكر الذي يستطيع أن يعيَ التقاءهما؟ الإجابة: نعم يلتقيان. لكن كيف ذلك؟ إن التقاء المنع والعطاء في معناهما كامنٌ في فهم الحكمة الإلهية من خلقنا، ومن خلقه تعالى كلَّ ما يتواءم مع طبيعتنا وفطرتنا، ومن ثمّ، في ثقتنا بتقادير الله، وبأنّ كلّ تدبيره وتقديره خير لنا. إذًا، نقطة التقاء معنيي المنع والعطاء كامنة في الرضا بكل عطاء أو منع. في سياق تقليب معنيي المنع والعطاء في أفئدتنا، علينا أن نجعل شعارنا قول ابن عطاء في ذلك: «إذا فتح الله لك باب الفهم في المنع، أصبح المنع عين العطاء». وهذا القول يعني أنّنا إن فهمنا الحكمة الإلهية في المنع، فسيصبح هذا المنع هو العطاء؛ لظننا أن الله عزّ وجل لا يريد لنا إلا خيرًا، وأنّ في هذا المنع نفعًا لا نعلمُ حقيقته إلا إن شاء الله لنا ذلك. ويستحضرني هنا قول رَسول الله ﷺ في تسليم المؤمن لأمر الله ورضاه به، وأن هذا التسليم كلّه خيرٌ له: «عَجَبًا لأمْرِ الْمُؤْمِنِ إِنَّ أَمْرَهُ كُلَّهُ لَهُ خَيْرٌ، وَلَيْسَ ذَلِكَ لأِحَدٍ إِلاَّ للْمُؤْمِن: إِنْ أَصَابَتْهُ سَرَّاءُ شَكَرَ فَكَانَ خَيْراً لَهُ، وَإِنْ أَصَابَتْهُ ضَرَّاءُ صَبَرَ فَكَانَ خيْراً لَهُ». فما أجمل الشكر عند العطاء! وما أجمل الصبر عند المنع! إن صور المنع عديدة، نتعرّض لها كثيرًا في حياتنا، فكثير منّا، على سبيل المثال، ابتلي بمرض، وطال أمده، وتمنت نفسه العجولة شفاءً عاجلًا من هذا المرض، لكنّ الله في تقديره جعل لهذا المرض وقته، ليهذبك وليكسب جسمك مناعة، ونفسك تواضعًا ورضا، فتجد أن الله تعالى في اللحظة التي كشف عنك بها الغمّة، قوّم نفسك بالرضا وجمّلها بالصبر، فخرجتَ من مرضك أقوى وأصلب، وأقدر على المضيّ في حياتك بكل رضا، وتسليم، وثقة بتدبير الله، ويقينٍ بأن الله هو الواهب والمانع وكلّ ذلك عنده بقدر، ولحكمة. ولمنع الرزق حكمة من الله المعطي الذي لم يمنعك إلا لسبب يعلمه، فربما ليقربك منه، ولتسأله وترجوه، فيجبك في دنياك، أو يؤجل عطاءه إلى يوم العرض ليغفر لك. فكلُّ الأمر عطايا وهبات، وما علينا سوى الصبر والتفكُّر، والثقة بأن الله لطيف بعباده، ينظِّم أمورهم، ويقدّر أقواتهم وأقدارهم من حيث لا يعلمون أو يحتسبون، وفي كلّ الأحوال هي خير لهم، وإن بدا لهم غير ذلك. وصدق الله القائل: ﴿عَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ﴾. وإنّ هذه الآية تمثّل في جوهرها عين الحقيقة. فلو تأملنا جلَّ أمورنا، لوجدنا أن الله قد أحاطنا برعايته، واحتوانا بعنايته وفق علمه هو، لا وفق رغباتنا، وعلمنا المحدود. وليس لك في هذه الحياة، بكل تجلياتها، سوى همسة في أعماق قلبك تقصد بها الرحمن الذي استوى على عرشه، والذي يسمع همسك، ويعلم ما يختلج صدرك، فارفع شكايتك إليه، واقصده في كلّ أمورك ثمّ اترك له التقدير، وارض بذلك. وأخيرًا، يا من غمرته المحن بسوادها، وتراكمت فوق كاهله الهموم، وتوالت عليه زفرات الحرمان، وعصفت بروحه أعاصير الابتلاء، تذكّر أن لك ربًا سميعًا بصيرًا، يربط على قلبك وعلى قلوبٍ أَضناها الانتظار، وأَرهقها الاصطبار، ويفتح أبوابه أمام أرواح مكلومة، أتته ضارعة وقد ضاقت بها السبل، وانقطعت عنها حبال الأمل، فيجيبها، ويلبي سؤلها ورجاءها، فيرضيها؛ إنْ بعطاء أو بمنع، فوحده القريب المجيب. وأذكرك بقوله تعالى: ﴿وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ﴾. ورحم الله القائل: وَيَكْتُب اللهُ خيرًا أَنْتَ تَجْهلُهُ وَظاهِرُ الأَمْرِ حِرْمانٌ مِنَ النِّعَمِ وَلَوْ عَلِمْتَ مُرادَ اللهِ مِنْ عِوَضٍ لَقُلْتَ حَمْدًا إِلهى واسِعَ الكَرمِ فَسَلِّم الأَمْرَ لِلرحمنِ وَارْضَ بِهِ هُو البَصيرُ بِحالِ العَبْدِ مِنْ أَلَمِ. @zainabalmahmoud @zalmahmoud@outlook.com
لو تتبعنا اسم «الحق» في كتاب الله عزّ وجلَّ، لوجدناه في عدة مواضع؛ فيقول الحقّ جلَّ وعلا: }ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ{ [الحج: 6]، }يَوْمَئِذٍ يُوَفِّيهِمُ اللَّهُ دِينَهُمُ الْحَقَّ وَيَعْلَمُونَ أَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ الْمُبِينُ{...
مَنْ مِنّا لا يحمد الله إن أَصابته سراء؟ ومن منّا لا يشكره سبحانه إنّ أظلته أفياء نعمة؟ هذا حال من يردّ الفضل إلى صاحبه، ويهب الثناء لمن هو أهل له. وهل تفكّرتم يومًا في اسم...
هل شعرت يومًا بعظيم أفياء الله عليك فبادرت بحمده؟ وهل وقعتَ في ابتلاء ونجوتَ منه، فحدثتك نفسك بضرورة حمد الله؟ وهل أبصرت حينًا مصائب غيرك، فنبض قلبك بحمد الله الذي عافاك مما ابتلى به سواك؟...
معلوم أنّ العبد هو الذي يتوب من ذنبه ومما اقترفته نفسه ويداه وجوارحه، لكن هل هذه التوبة تؤتى لأيّ إنسان؟ أم أنّها منحة إلهية يختصّ بها من يستحق من عباده؟ حقيقة إنّ توبة الله على...
لا شكَّ في أنّ مَن يقرأ كلمة «خليفة» أو يسمعها، يتذكر قول الله تعالى: ﴿وَإِذ قَالَ رَبُّكَ لِلمَلَاـئِكَةِ إِنِّی جَاعِل فِی الأرض خَلِیفَة ﴾ [البقرة: 30]، وكذلك يتذكر منصب الخلافة في الإسلام. لكن هل حاول...
كان إمام الدعاة الشيخ محمد متولي الشعراوي - رحمه الله - أكثر الناس تداولًا وتناولًا لاسم الله الحق، وكان إذا أراد استحضار آية كريمة وإدراجها في سياق تفسيره العرفاني النوراني المعروف بالخواطر، قال: «يقول الحق...
إنّ أسماء الله تعالى ماثلة في أفعاله، وظاهرة في مشيئته، ولكن لا يمكن أن يدرك ذلك إلا مؤمن بالله، وجودًا، وتحكُّمًا، وتسييرًا لكون لا يعلم كنهه إلا خالقه جلّ في علاه، ومن بديع أفعاله الماثلة...
إنَّ خيرَ بداية نتفقّه فيها بالنصر، أن نتذكّر أن الناصر اسم من أسماء الله، وهو اسم كريم متاخم وملازم لاسم الغالب، والنصرة من الله هي تعدية الغَلبة لفريق، فيقهر فريقًا آخر ويغلبه، وهي العون والمدد،...
إنّ اللغة العربية لغة غنية بمعانيها ومبانيها، وإنّ سبر أغوار معانيها لا يناله إلا متبصر واعٍ، حصيف فصيح، وهذا ما جعل القرآن الكريم الذي نزل بلسان عربيّ مبين، بليغًا غزيرًا في دلالاته، معجزًا في بيانه....
كثيرٌ من الخلق يعتقد أن الرزق يأتي بسبب ذكاء المرء ودهائه، فهل هذا الاعتقاد صحيح؟ وهل الغنى حكر على الأذكياء من الناس؟ في الحقيقة، لا دخل لذكاء ولا غباء في قبض الأرزاق وبسطها، فهي من...
تُشْتَقُ كَلِمَةُ الحِكْمَةِ مِنْ الجَذْرِ «حَكَمَ» الذي يَقْتَضِي مَعْنى الْمَنْعَ، وَبِهِ قَالَ عُلَمَاءُ اللُّغَةِ وَسَاقُوا عَلَيْهِ الأَدِلَّةَ وَالْبَرَاهِينَ مِنْ دَوَاوِينِ الأَوَّلِينَ، أَصْحَابِ اللِّسَانِ الْعَرَبِيِّ الْمُبِينِ، ثُمَّ مِنْ هَذَا الْمَعْنَى الأَوَّلِيِّ تَتَفَرَّعُ بَقِيَّةُ الْمَعَانِي، فَتَتَغَيَّرُ وَتَتَحَوَّرُ،...
معلوم أنّ لله عزّ وجل صفات وأسماء له فيها الفردانية المطلقة، إذ لا يمكن أن تنسب إلى مخلوق من مخلوقاته في معناها الاصطلاحي، ومنها لفظا الخالق والخلّاق بالتعريف. لكن هناك بعض أسمائه ما يشتق منها...