alsharq

د. زينب المحمود

عدد المقالات 323

عالم الأسرار

27 أكتوبر 2019 , 12:29ص

لم يقتصر الوصف عند الشعراء على ما تدركه الأسماع والأبصار، وما تحيط به الجوارح، إذًا لهان الأمر ولضاق الأفق وانحسر الجمال؛ بل توسّع وتعمّق حتى شمل خلجات النفوس، وجسّد المجردات حتى لمسناها، وبلور لنا عالم الأسرار حتى رأيناه جهاراً. وأصعب من التجول في العالم المرئي ومطابقة صوره ومقارنة مشاهده، غوص في كنه النفوس، والتحقيق في نجوى الأرواح، والتنقيب في ذات الصدور، واستخراج الأوصاف منها جميعاً، في مقابلة بيّنة لقوله تعالى: (وَالشَّيَاطِينَ كُلَّ بَنَّاءٍ وَغَوَّاصٍ) [ص: 37]. ففي عالم الشعراء من هو بنّاء وغوّاص، وشتان بين من يبني المادة من المادة، ومن يغوص في أعماق اللامرئي ليُخرج لنا من درّه الكامن صوراً نراها ونسمعها. فهذا المتنبي يجسّد لنا صورة الموت وهو يقبض أرواح قوم كافور بهجاء لاذع ممتزج بالكوميديا والسخرية، فيقول: ما يَقبِضُ الموتُ نَفْساً مِن نفوسِهِمُ إلَّا وفي يَدِهِ مِنْ نَتْنِها عُودُ من لم يرَ الموت من قبل فلينظر إلى إحدى صوره في بيت المتنبي هذا وهو يمسك بعود لينتزع به أرواحهم كي لا تتسخ يداه، ولينظر إلى صورة أخرى له في مرثية البحتري للمتوكل إذ قال: صريعٌ تَقاضاهُ السيوفُ حُشاشةً يجودُ بها والموتُ حُمْرٌ أظافرُهْ لن ندرك صورة الموت كاملة؛ إنما نجمع أجزاءها من عدسات الشعراء، وها قد أرانا المتوكل كيف جاء الموت بأظافره الحمراء التي هي سيوف القتلة الغادرين، ليتقاضى أمانته التي هي روح المتوكل، الذي جاد ولم يستعصِ بها. وهذا ما يستطيع الشعر إليه سبيلاً من ذلك العالم المحجوب عن مداركنا، المرفوع عن أدراكنا، يختطف شيئاً من تلك الظلال، وريشة من تلك الأجنحة، وقبساً من تلك النار؛ ليصطلي القرّاء منها، ويستكشفوا مجهولها ويستشرفوا غيبها، ويجلوا كنهها.

كمال غناه

إنّ كمال غِنى الله سبحانه وتعالى عظيم؛ لا يحدّ ملكه حدّ، ولا يحصيه أحد، إنساً كان أو جنًا أو ملكاً، أو ما دون ذلك. ولو أن الخلق جميعًا، أولهم وآخرهم، وإنسهم وجنهم، سألوه، فأعطى كل...

الحقُّ أحقُّ أن يُتّبع

لو تتبعنا اسم «الحق» في كتاب الله عزّ وجلَّ، لوجدناه في عدة مواضع؛ فيقول الحقّ جلَّ وعلا: }ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ{ [الحج: 6]، }يَوْمَئِذٍ يُوَفِّيهِمُ اللَّهُ دِينَهُمُ الْحَقَّ وَيَعْلَمُونَ أَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ الْمُبِينُ{...

إِلهٌ حميد

مَنْ مِنّا لا يحمد الله إن أَصابته سراء؟ ومن منّا لا يشكره سبحانه إنّ أظلته أفياء نعمة؟ هذا حال من يردّ الفضل إلى صاحبه، ويهب الثناء لمن هو أهل له. وهل تفكّرتم يومًا في اسم...

لربنا حامدون

هل شعرت يومًا بعظيم أفياء الله عليك فبادرت بحمده؟ وهل وقعتَ في ابتلاء ونجوتَ منه، فحدثتك نفسك بضرورة حمد الله؟ وهل أبصرت حينًا مصائب غيرك، فنبض قلبك بحمد الله الذي عافاك مما ابتلى به سواك؟...

لا تقنطوا...

معلوم أنّ العبد هو الذي يتوب من ذنبه ومما اقترفته نفسه ويداه وجوارحه، لكن هل هذه التوبة تؤتى لأيّ إنسان؟ أم أنّها منحة إلهية يختصّ بها من يستحق من عباده؟ حقيقة إنّ توبة الله على...

خليفة

لا شكَّ في أنّ مَن يقرأ كلمة «خليفة» أو يسمعها، يتذكر قول الله تعالى: ﴿وَإِذ قَالَ رَبُّكَ لِلمَلَاـئِكَةِ إِنِّی جَاعِل فِی الأرض خَلِیفَة ﴾ [البقرة: 30]، وكذلك يتذكر منصب الخلافة في الإسلام. لكن هل حاول...

ومضةٌ لغويةٌ: الحقّ

كان إمام الدعاة الشيخ محمد متولي الشعراوي - رحمه الله - أكثر الناس تداولًا وتناولًا لاسم الله الحق، وكان إذا أراد استحضار آية كريمة وإدراجها في سياق تفسيره العرفاني النوراني المعروف بالخواطر، قال: «يقول الحق...

قابضٌ باسط

إنّ أسماء الله تعالى ماثلة في أفعاله، وظاهرة في مشيئته، ولكن لا يمكن أن يدرك ذلك إلا مؤمن بالله، وجودًا، وتحكُّمًا، وتسييرًا لكون لا يعلم كنهه إلا خالقه جلّ في علاه، ومن بديع أفعاله الماثلة...

من فِقه النّصر

إنَّ خيرَ بداية نتفقّه فيها بالنصر، أن نتذكّر أن الناصر اسم من أسماء الله، وهو اسم كريم متاخم وملازم لاسم الغالب، والنصرة من الله هي تعدية الغَلبة لفريق، فيقهر فريقًا آخر ويغلبه، وهي العون والمدد،...

أغوار المعاني

إنّ اللغة العربية لغة غنية بمعانيها ومبانيها، وإنّ سبر أغوار معانيها لا يناله إلا متبصر واعٍ، حصيف فصيح، وهذا ما جعل القرآن الكريم الذي نزل بلسان عربيّ مبين، بليغًا غزيرًا في دلالاته، معجزًا في بيانه....

رزقٌ مقسوم

كثيرٌ من الخلق يعتقد أن الرزق يأتي بسبب ذكاء المرء ودهائه، فهل هذا الاعتقاد صحيح؟ وهل الغنى حكر على الأذكياء من الناس؟ في الحقيقة، لا دخل لذكاء ولا غباء في قبض الأرزاق وبسطها، فهي من...

من درر الحكمة

تُشْتَقُ كَلِمَةُ الحِكْمَةِ مِنْ الجَذْرِ «حَكَمَ» الذي يَقْتَضِي مَعْنى الْمَنْعَ، وَبِهِ قَالَ عُلَمَاءُ اللُّغَةِ وَسَاقُوا عَلَيْهِ الأَدِلَّةَ وَالْبَرَاهِينَ مِنْ دَوَاوِينِ الأَوَّلِينَ، أَصْحَابِ اللِّسَانِ الْعَرَبِيِّ الْمُبِينِ، ثُمَّ مِنْ هَذَا الْمَعْنَى الأَوَّلِيِّ تَتَفَرَّعُ بَقِيَّةُ الْمَعَانِي، فَتَتَغَيَّرُ وَتَتَحَوَّرُ،...