alsharq

د. زينب المحمود

عدد المقالات 322

السِتِّير

21 يناير 2025 , 12:25ص

لكل منّا خصوصية حسنة يستأثر بها نفسه، ويصونها عن عيون الناس وأسماعهم، وبعضنا له خلوة مع الله يسترها طلبًا للأجر العظيم، ولكن بين هذين الأمرين قد يظهر خوف من كشف مستور، أو فضح مكنون، يجعلنا نستحضر اسم الله الستّير في دعائنا فورًا، طلبًا لنجدته جلّ في علاه بالستر والحفظ والصون، وما أعظم تلك النفوس التي تلجأ إلى الله! وما أفقر تلك النفوس التي أقفرت من اسم الله! وأفقدها الشيطان ووساوس النفس ذلك الشعور العظيم الذي تكون نتيجته الأمان من كل سوء، والحفظ من كل شرّ. عند مدارسة اسم الله «الستّير» الذي هو من صفات الكمال الربانية، نكون عرضة لقضية من أمهات القضايا التي تمس السلم الاجتماعي، وليس سهلًا في خرقها الرتق، وليست سهلة التحاشي بعد التراخي والتفشي، وقد نص القرآن الكريم، وسنة صاحب الخلق العظيم على الزجر الشديد والضرب بيد من حديد على دعاة انتهاك حماها المكين وحصنها الحصين. فقال جلّ جلاله: (يا بني آدم لا يفتننكم الشيطان كما أخرج أبويكم من الجنة ينزع عنهما لباسهما ليريهما سوءاتهما إنه يراكم هو وقبيله من حيث لا ترونهم إنا جعلنا الشياطين أولياء للذين لا يؤمنون).(الأعراف: 27). وقد استنبط العلماء من هذه الآية أمرًا مهمًا، مفاده أن الفخ الأكبر الذي نصبه إبليس الرجيم لسلالة آدم منذ بدء التكوين، هو هتك الحياء، وتبرج النساء، وكشف العورة، وافتراس الغيرة، فمنذ أن اقتادهما إلى هاوية الغرور وأوردهما المعصية، أخرجهما من دار الحبور، لينزع عنهما اللباس الذي كان لهما وقاء من ظهور العورة البواح، وسترًا من الافتضاح، فحرص إبليس أن يريهما السوءات التي لم يرياها في الجنات. وفي هذه الآية، أيضًا، إلماحٌ، بل تصريحٌ وإيضاحٌ، مفاده أنّ الطريقة المثلى، والخطة الأدهى لإبليس تقوم على نشر الغواية والتصدي للهداية، فهي بالنسبة إليه سبيل الشهوات، وإماطة الستر عن العورات، وانتشار الكاسيات العاريات، وتعشيش الإباحية والانحرافات. نعم، هذه خطة إبليس، فماذا عن الدستور الإلهي الناظم لحياة العباد، الرادع للفساد والإفساد؟ إنّ لله تعالى قوانين ودساتير كثيرة، في كل شاردة وواردة من شؤون حياتنا، ويصدق ذلك قوله تعالى: (ما فرطنا في الكتاب من شيء) ، وهناك في مجال الستر وحفظ الحياء، نصوص كثيرة من الكتاب العزيز، فيقول تعالى: (إن الذين يحبون أن تشيع الفاحشة في الذين آمنوا لهم عذاب شديد في الدنيا والآخرة والله يعلم وأنتم لا تعلمون). (النور: 19)، نزلت هذه الآية تبرئة للصدِّيقة بنتِ الصديق، أمّنا عائشة رضي الله عنها، فقد برّأها الله من إفك كلِّ أفّاكٍ أثيم، خاض في أمر يحسبه هينًا وهو عند الله عظيم، ثم جاءت هذه الآية الكريمة دواء لأصحاب النفوس المولعة بتلقط روائح الفضائح وإخبارها للغادي والرائح، ونبه خلالها ربنا جلَّ وعلا مَن يسهم في إشاعة الفاحشة في المؤمنين بعذابين في الدارين، لما يسهم فيه من نقضان العرى، وانحلال الأواصر، وشيوع الخنا، كما أنه يسهم في استساغة المعصية، فإذا كان المجتمع ستّيرًا محافظًا على حشمته، استوحش صاحب الذنب، فربما تاب لربه في عزلته وخلوته. وأما كثرة الحديث، والنشر عن انتشار الفاحشة، والفجور، وتعاطي الخمور، وعظائم الأمور، فمن شأنه أن يخفف الوحشة منها، ويزيد الإقبال عليها، وعدم الإجفال منها أو التوبة إلى الله منها. وأخيرًا أقول، علينا جميعًا التزام اسم الله الستّير المجاور لصفته الحييّ، والعيش في رحابه، فالستر أخو الحياء، وكلاهما زينة في الرجال والنساء، ورحم الله من قال: يعيش المرء ما استحيى بخيرٍ ويبقـى العـــودُ ما بقي اللحاءُ @zainabalmahmoud

الحقُّ أحقُّ أن يُتّبع

لو تتبعنا اسم «الحق» في كتاب الله عزّ وجلَّ، لوجدناه في عدة مواضع؛ فيقول الحقّ جلَّ وعلا: }ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ{ [الحج: 6]، }يَوْمَئِذٍ يُوَفِّيهِمُ اللَّهُ دِينَهُمُ الْحَقَّ وَيَعْلَمُونَ أَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ الْمُبِينُ{...

إِلهٌ حميد

مَنْ مِنّا لا يحمد الله إن أَصابته سراء؟ ومن منّا لا يشكره سبحانه إنّ أظلته أفياء نعمة؟ هذا حال من يردّ الفضل إلى صاحبه، ويهب الثناء لمن هو أهل له. وهل تفكّرتم يومًا في اسم...

لربنا حامدون

هل شعرت يومًا بعظيم أفياء الله عليك فبادرت بحمده؟ وهل وقعتَ في ابتلاء ونجوتَ منه، فحدثتك نفسك بضرورة حمد الله؟ وهل أبصرت حينًا مصائب غيرك، فنبض قلبك بحمد الله الذي عافاك مما ابتلى به سواك؟...

لا تقنطوا...

معلوم أنّ العبد هو الذي يتوب من ذنبه ومما اقترفته نفسه ويداه وجوارحه، لكن هل هذه التوبة تؤتى لأيّ إنسان؟ أم أنّها منحة إلهية يختصّ بها من يستحق من عباده؟ حقيقة إنّ توبة الله على...

خليفة

لا شكَّ في أنّ مَن يقرأ كلمة «خليفة» أو يسمعها، يتذكر قول الله تعالى: ﴿وَإِذ قَالَ رَبُّكَ لِلمَلَاـئِكَةِ إِنِّی جَاعِل فِی الأرض خَلِیفَة ﴾ [البقرة: 30]، وكذلك يتذكر منصب الخلافة في الإسلام. لكن هل حاول...

ومضةٌ لغويةٌ: الحقّ

كان إمام الدعاة الشيخ محمد متولي الشعراوي - رحمه الله - أكثر الناس تداولًا وتناولًا لاسم الله الحق، وكان إذا أراد استحضار آية كريمة وإدراجها في سياق تفسيره العرفاني النوراني المعروف بالخواطر، قال: «يقول الحق...

قابضٌ باسط

إنّ أسماء الله تعالى ماثلة في أفعاله، وظاهرة في مشيئته، ولكن لا يمكن أن يدرك ذلك إلا مؤمن بالله، وجودًا، وتحكُّمًا، وتسييرًا لكون لا يعلم كنهه إلا خالقه جلّ في علاه، ومن بديع أفعاله الماثلة...

من فِقه النّصر

إنَّ خيرَ بداية نتفقّه فيها بالنصر، أن نتذكّر أن الناصر اسم من أسماء الله، وهو اسم كريم متاخم وملازم لاسم الغالب، والنصرة من الله هي تعدية الغَلبة لفريق، فيقهر فريقًا آخر ويغلبه، وهي العون والمدد،...

أغوار المعاني

إنّ اللغة العربية لغة غنية بمعانيها ومبانيها، وإنّ سبر أغوار معانيها لا يناله إلا متبصر واعٍ، حصيف فصيح، وهذا ما جعل القرآن الكريم الذي نزل بلسان عربيّ مبين، بليغًا غزيرًا في دلالاته، معجزًا في بيانه....

رزقٌ مقسوم

كثيرٌ من الخلق يعتقد أن الرزق يأتي بسبب ذكاء المرء ودهائه، فهل هذا الاعتقاد صحيح؟ وهل الغنى حكر على الأذكياء من الناس؟ في الحقيقة، لا دخل لذكاء ولا غباء في قبض الأرزاق وبسطها، فهي من...

من درر الحكمة

تُشْتَقُ كَلِمَةُ الحِكْمَةِ مِنْ الجَذْرِ «حَكَمَ» الذي يَقْتَضِي مَعْنى الْمَنْعَ، وَبِهِ قَالَ عُلَمَاءُ اللُّغَةِ وَسَاقُوا عَلَيْهِ الأَدِلَّةَ وَالْبَرَاهِينَ مِنْ دَوَاوِينِ الأَوَّلِينَ، أَصْحَابِ اللِّسَانِ الْعَرَبِيِّ الْمُبِينِ، ثُمَّ مِنْ هَذَا الْمَعْنَى الأَوَّلِيِّ تَتَفَرَّعُ بَقِيَّةُ الْمَعَانِي، فَتَتَغَيَّرُ وَتَتَحَوَّرُ،...

خالق خلاّق

معلوم أنّ لله عزّ وجل صفات وأسماء له فيها الفردانية المطلقة، إذ لا يمكن أن تنسب إلى مخلوق من مخلوقاته في معناها الاصطلاحي، ومنها لفظا الخالق والخلّاق بالتعريف. لكن هناك بعض أسمائه ما يشتق منها...