alsharq

د. زينب المحمود

عدد المقالات 323

لَطائفُ الحَجِّ

18 أغسطس 2019 , 12:04ص

ها قد انقضى ركن الحج لهذا العام، وعاد كل حاجّ أخلص لله كيوم ولدته أُمه، وفرح المسلمون بهذه الشعيرة ولبُّوا خلف الحجيج، ونحروا الهدي، وهللوا وكبروا احتفاء بهذا الركن العظيم. وبعد فإن للحج لطائف لا تحصى، ومن حاول تعدادَ لَطائفِ اللهِ في هذه الشعيرةِ، فسيجد أن لغتَه في ضمورٍ، ولسانَه في قصور، وأن بصرَه خاسئٌ حسير، وسيجد نفسه ناحتًا من عرضِ جبلٍ، وغارفًا من عبابِ بحر. فلا يحصي أَحدٌ ثناءً على الله كما أَثنى هو على نفسِه العليةِ، وذاتِه القدسيّة، فلنجعلْ خريطتَنا القرآنَ الكريمَ للمرور على اللّطائفِ والطرائف، ولنحملْ سلة الوحي الإِلهيِّ، ووعاءَ الهدي النبويِّ، فنجمعْ جنى جنة الحجِّ وقطوفها الدانية: ﴿الْحَجُّ أَشْهُرٌ معْلُومَاتٌ * فَمَن فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ فِي الْحَجِّ * وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللَّهُ *وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَىٰ * وَاتَّقُونِ يَا أُولِي الْأَلْبَاب﴾ [البقرة: 197]. إِن هذه الأَشهرَ المعلوماتِ هي قنطرة إِيمانية مركزةٌ، تجعلُ المؤمنَ مسطرة في الاستقامة، وأُسوة في التماهي مع الشعائرِ، والتناهي في مراعاة تفاصيلِ الأَوامر، فيكونُ نموذجاً ملائكياً لا يعصي اللهَ ما أَمره، ولا يجادلُ في أَمر اللهِ، ويمضي في نُسُكِه سَلِسًا غيرَ شَكِس، مسالماً غيرَ مخاصم، ثم يحمل معه كل الخصائص التي اكتسبها من مناسكه ليجعلها منهجاً لحياته. فمعلوم أن الله تعالى ييسر لأمته في تلك الأيام ما فيه صلاحُ أَمرِها، وحسنُ خاتمتِها، وخيرِ عاقبتِها، يريدُ اللهُ أَن يسقي عبدَه الذي تاب وأناب شربة هنيئة مريئة لا يظمأُ بعدها، وأَن يُقيتَ روحَه من قوتِ العمل الصالح، وهل يتأَتّى للروح أَن تحلّقَ إِلا عندما تتخفّفُ من ثقلِ البدن، وهل لها أَن تنموَ إِلا لدى انكماشِ النفسِ الأَمارة، وهل لآفاقِها أَن تنفتحَ إِلا من حيث تُغلَقُ منافذُ الهوى؟ ومن لطائف الحج أيضاً لجمُ النفس لمصلحة الروح، وحرمانها الزينة في موقف الإحرام؛ حتى لا تُزاحِمَ اهتماماتِ المؤمنِ في إِحرامِه ولا تشوّشَ عليه صفاءَ رضوخِه وانكسارِه، فإِن كان ربنا منَع النفسَ ما اعتادتْه من الحِلِّ، فأَحرى به سبحانَه أَن يسُدَّ عليها ثغراتِ الفسوقِ وفلَتاتِ الذنوب، حتى الجدالُ الذي هو فتيلُ العدوانية والتنافرِ، حرّمَه لكي لا يكونَ للشيطانِ مساحةٌ يعبثُ فيها، ولا متنفساً يَنشزُ منه. بين كل هذه الأَوامرِ الحاسمة والنواهي الصارمةِ، تتكونُ النسخة المثلى للمسلمِ المفرد، وباجتماعِ هذه النسخِ الهائلة تتكونُ النسخة المثلى للمجتمعِ المسلم، الذي دخل في السلم كافّة، وحاد عن خطواتِ الشيطان، وصَلُحتْ ذاتُ بينِه، وتشابكت عُراه المتينة، وتوثقت وشائجُه الحميمة، هنا يعلّمنا اللهُ الإِسلامَ والسلام، فنكونُ حنفاءَ على ملة إِبراهيمَ الذي قال له ربُّه أَسلمْ فأَسلمَ، قبل أَن يستشيرَ عقلَه الذي هو هبة من الله، وقبل أَن يستجوبَ قلبَه الذي هو بيدِ الله، ونكون مسالمينَ رحماءَ على عبادِ الله، نابذين شعثَ الخلافِ وشرذمة التحزّبِ والتمذهُبِ وراءَ ظهورِنا، معتصمين بما يجمعُنا من الإِنسانية والرسالة الخاتمة. وختاماً نقول لحجاج بيت الله الحرام ولجموع المسلمين: تقبل الله طاعتكم جميعاً.

كمال غناه

إنّ كمال غِنى الله سبحانه وتعالى عظيم؛ لا يحدّ ملكه حدّ، ولا يحصيه أحد، إنساً كان أو جنًا أو ملكاً، أو ما دون ذلك. ولو أن الخلق جميعًا، أولهم وآخرهم، وإنسهم وجنهم، سألوه، فأعطى كل...

الحقُّ أحقُّ أن يُتّبع

لو تتبعنا اسم «الحق» في كتاب الله عزّ وجلَّ، لوجدناه في عدة مواضع؛ فيقول الحقّ جلَّ وعلا: }ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ{ [الحج: 6]، }يَوْمَئِذٍ يُوَفِّيهِمُ اللَّهُ دِينَهُمُ الْحَقَّ وَيَعْلَمُونَ أَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ الْمُبِينُ{...

إِلهٌ حميد

مَنْ مِنّا لا يحمد الله إن أَصابته سراء؟ ومن منّا لا يشكره سبحانه إنّ أظلته أفياء نعمة؟ هذا حال من يردّ الفضل إلى صاحبه، ويهب الثناء لمن هو أهل له. وهل تفكّرتم يومًا في اسم...

لربنا حامدون

هل شعرت يومًا بعظيم أفياء الله عليك فبادرت بحمده؟ وهل وقعتَ في ابتلاء ونجوتَ منه، فحدثتك نفسك بضرورة حمد الله؟ وهل أبصرت حينًا مصائب غيرك، فنبض قلبك بحمد الله الذي عافاك مما ابتلى به سواك؟...

لا تقنطوا...

معلوم أنّ العبد هو الذي يتوب من ذنبه ومما اقترفته نفسه ويداه وجوارحه، لكن هل هذه التوبة تؤتى لأيّ إنسان؟ أم أنّها منحة إلهية يختصّ بها من يستحق من عباده؟ حقيقة إنّ توبة الله على...

خليفة

لا شكَّ في أنّ مَن يقرأ كلمة «خليفة» أو يسمعها، يتذكر قول الله تعالى: ﴿وَإِذ قَالَ رَبُّكَ لِلمَلَاـئِكَةِ إِنِّی جَاعِل فِی الأرض خَلِیفَة ﴾ [البقرة: 30]، وكذلك يتذكر منصب الخلافة في الإسلام. لكن هل حاول...

ومضةٌ لغويةٌ: الحقّ

كان إمام الدعاة الشيخ محمد متولي الشعراوي - رحمه الله - أكثر الناس تداولًا وتناولًا لاسم الله الحق، وكان إذا أراد استحضار آية كريمة وإدراجها في سياق تفسيره العرفاني النوراني المعروف بالخواطر، قال: «يقول الحق...

قابضٌ باسط

إنّ أسماء الله تعالى ماثلة في أفعاله، وظاهرة في مشيئته، ولكن لا يمكن أن يدرك ذلك إلا مؤمن بالله، وجودًا، وتحكُّمًا، وتسييرًا لكون لا يعلم كنهه إلا خالقه جلّ في علاه، ومن بديع أفعاله الماثلة...

من فِقه النّصر

إنَّ خيرَ بداية نتفقّه فيها بالنصر، أن نتذكّر أن الناصر اسم من أسماء الله، وهو اسم كريم متاخم وملازم لاسم الغالب، والنصرة من الله هي تعدية الغَلبة لفريق، فيقهر فريقًا آخر ويغلبه، وهي العون والمدد،...

أغوار المعاني

إنّ اللغة العربية لغة غنية بمعانيها ومبانيها، وإنّ سبر أغوار معانيها لا يناله إلا متبصر واعٍ، حصيف فصيح، وهذا ما جعل القرآن الكريم الذي نزل بلسان عربيّ مبين، بليغًا غزيرًا في دلالاته، معجزًا في بيانه....

رزقٌ مقسوم

كثيرٌ من الخلق يعتقد أن الرزق يأتي بسبب ذكاء المرء ودهائه، فهل هذا الاعتقاد صحيح؟ وهل الغنى حكر على الأذكياء من الناس؟ في الحقيقة، لا دخل لذكاء ولا غباء في قبض الأرزاق وبسطها، فهي من...

من درر الحكمة

تُشْتَقُ كَلِمَةُ الحِكْمَةِ مِنْ الجَذْرِ «حَكَمَ» الذي يَقْتَضِي مَعْنى الْمَنْعَ، وَبِهِ قَالَ عُلَمَاءُ اللُّغَةِ وَسَاقُوا عَلَيْهِ الأَدِلَّةَ وَالْبَرَاهِينَ مِنْ دَوَاوِينِ الأَوَّلِينَ، أَصْحَابِ اللِّسَانِ الْعَرَبِيِّ الْمُبِينِ، ثُمَّ مِنْ هَذَا الْمَعْنَى الأَوَّلِيِّ تَتَفَرَّعُ بَقِيَّةُ الْمَعَانِي، فَتَتَغَيَّرُ وَتَتَحَوَّرُ،...