وقت الصيام

الحمد لله الذي شرع لنا دينا قويما، والصلاة على نبينا محمد الذي هدانا الله به صراطاً مستقيماً، وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً. وبعد: يقول الله عز وجل: ﴿وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ‌ثُمَّ ‌أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ ﴾ في الآية الكريمة تحديد مدة الصيام في اليوم، وذلك بتحديد وقت الابتداء ووقت الانتهاء، وفيها ثلاثة أوامر، أمران بالأكل والشرب، وأمر بإتمام الصيام. فالأمر بالأكل والشرب ليس للوجوب هنا، وإنما هو للإباحة، للقاعدة: «الأمر بعد الحظر للإباحة لا الوجوب»، وهو قول أكثر أهل العلم، فالمسلم بعد ما حرم عليه الأكل والشرب أثناء صيامه أباحه له الشرع بعد إتمام الصيام الى الليل، والإباحة لا تقتضي الإلزام، إلا أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن الوصال، فقال: «(‌لا ‌تواصلوا). قالوا: إنك تواصل، قال: (لست كأحد منكم، إني أطعم وأسقى، أو: إني أبيت أطعم وأسقى)» رواه البخاري. والوصال هو أن يصوم المسلم يومين متواصلين دون فصل بينهما بأكل أو شرب، والنهي في الحديث للتحريم على ما رجحه بعض علمائنا. ولما كان النهي عن الوصال للتحريم كان مقدار ما يقطع ذلك الوصال من المفطرات واجباً، لأن الأصوليين اتفقوا على أن «النهي عن الشيء أمر بضده إذا كان له ضد واحد»، كما هنا. وهذا يبين لنا منتهى الأمر الثالث في الآية؛ ﴿‌ثُمَّ ‌أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ﴾، والليل يبدأ من غروب الشمس باتفاق، والمقصود بغروب الشمس غروب قرصها لا جميع ضوئها، فوقت إباحة المفطرات في رمضان هو الليل، قال تعالى: ﴿أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ﴾ الآية، وينتهي وقت الإباحة بطلوع الفجر ليبدأ وقت الحظر بالصيام إلى غروب الشمس. وقد ظهر في عصرنا عبر وسائل التواصل من يدعي أن الصيام ينبغي أن يكون مستمرا إلى الليل المتعارف عليه بين الناس، ويعنون به حين يشتد الظلام، ويزعمون أن من أفطر بعد غروب الشمس لا يكون قد صام الصوم الشرعي، والحقيقة أن هؤلاء يجهلون الشريعة، ويجهلون أدنى قواعد التفسير، فالألفاظ الواردة في الشرع ينبغي تفسيرها وفق العرف الشرعي ومقصود الشارع؛ فاليوم في الشرع يبدأ من غروب الشمس وينتهي بغروبها، والنهار يبدأ من طلوع الفجر إلى غروب الشمس، والليل الشرعي يبدأ من غروب الشمس إلى طلوع الفجر. وعليه فإذا كان الليل يبدأ حين يشتد الظلام على قولهم، لزمهم أن ياكلوا بعد الفجر حتى يسفر الصبح أو تطلع الشمس، لأن ما بعد الفجر لا يسمى نهاراً على منهجهم؛ إذ الظلمة تستمر وقتاً قبل انبلاج الصبح كما يستمر الضياء بعد غروب الشمس، والمفروض علينا شرعاً صيام نهار رمضان لا ليله. وفي الحديث الذي رواه البخاري ومسلم يقول عليه الصلاة والسلام: (لا يزال الناس بخير ما عجلوا الفطر)، وفي صحيح ابن حبان ومستدرك الحاكم على شرط الشيخين ما يبين هذا التعجيل، فعن سهل بن سعد، رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ««لا تزال أمتي على سنتي ما لم تنتظر ‌بفطرها ‌النجوم»، وكان النبي صلى الله عليه وسلم إذا كان صائما أمر رجلا فأوفى على نشز، فإذا قال: قد غابت الشمس أفطر». وذكر أبو هريرة رضي الله عنه «أن اليهود ينتظرون بصيامهم ظهور النجوم»، ونحن أمرنا بمخالفتهم، وفي البخاري يقول عليه الصلاة والسلام: (إذا أقبل الليل من ههنا، وأدبر النهار من ههنا، ‌وغربت ‌الشمس، فقد أفطر الصائم). فهذان حديثان صريحان في بيان وقت إفطار الصائم وهو بعد غروب الشمس، وليس بعد الحق إلا الضلال، نسأل الله الهدى والتقى والثبات.