عدد المقالات 322
أقدس ما يرتبط به الحِلم هو اسم الله (الحليم) الذي تردد في الكتاب العزيز إحدى عشرة مرة، وهو صفة ذات فيه سبحانه؛ إذ لا يقبل النقيض سبحانه، ومعنى مادة (حِلْم) اللغوية هي التأني والأناة، وهي العقل الذي يكون نقيض الطيش واتباع الهوى، وقد قال حكيم الجاهلية زهير بن أبي سلمى: وإنَّ سفاه الشيخ لا حلم بعده وإنَّ الفتى بعد السفاهة يحلمُ وهذه حكمة دريّة، ونادرة ألمعية، خطرت للشاعر، فهو يقرر أن الخفة والطيش في الفتيان في مقتبل العمر والريعان غالبًا ما تتبدل بالحلم والرجحان، وذلك بعد أن تصقلهم التجارب وتعركهم رحى الحياة، ولكن عندما تحل السفاهة في الشيخ الكبير، فلا رجاء بعدها في حلم ولا عِلم. ولولا أن الشاعر كان جاهليًا، لقلت قد حاكى فكرة خلق الله للإنسان وأطوار الأعمار، التي تبدأ من الضعف، ثم بالقوة ثم بالانحدار نحو الضعف والشيبة، وهناك من يرده الله إلى أرذل العمر لكي لا يعلم بعد علم شيئًا؛ وهذا ما قصده الشاعر اللبيب، ببصره النافذ وفكره الأريب. والحلم أيضًا العقلُ، فلطالما ورد في الأدبيات اللغوية، واشتملت عليه الآيات القرآنية، نحو قوله تعالى: (أَمْ تَأْمُرُهُمْ أَحْلامُهُم بِهَذَا) أي عقولهم. وقد كان كفار قريش إذا اشتدوا في النكير في وجه النبي النذير البشير - صلى الله عليه وسلم - قالوا لعمه أبي طالب: «لقد سفّه أَحلامنا وعاب آلهتنا»، ويجوز في الأحلام هنا العقول أو العقلاء الكهول الذين كانوا يخوضون في أمر البعثة النبوية، ويتآمرون عليها؛ ليحجبوها عن الانتشار في البَرِيَّة. وقد أورد الشاعر جرير صاحب الهجاء المرير هذه الكلمة بمعنى العقل في غير موضع من ديوانه؛ فمرة قال في هجاء الراعي النميري، أنه لو وزنت عقول قومه على ميزان ما وزنت لرجحها الذباب، قال: ولو وُزِنَتْ حُلـومُ بني نُميـر على الميزان مــا وزنــت ذبابا فغض الطرفَ إِنك من نُمير فلا كعبًا بلغـتَ ولا كِـلابـا وفعلًا، غض الراعي النميري الطرف، وأغمد السيف والحرف؛ حتى لقي الحتف، وهو يتجرع مرارة هذه القوافي اللاذعة والأبيات الذائعة الشائعة. وقال تارة منذرا محذرا: هلْ مِن حلـوم لأقــوام فتنذرهـــم ما جرّب الناس من عضي وتضريسي وفي هذا البيت يدعو الشاعر بعض الأقوام إلى التعقل والحلم قبل أن يُعمل فيهم نابه ويغرس مخلابه. ما أروع وعي العربي بمعنى مفردة الحلم! وما أجمل توظيفه إياها في سياقات حياته! فحري بنا إن مررنا على واحات الحِلم أن نقطف منها ما يهذّب نفوسنا، ويقوّم عقولنا، فننضج قولًا وعملًا، ونصبح لغيرنا معين وعي وصبر وعلم لا ينضب. @zainabalmahmoud @zalmahmoud@outlook.com
لو تتبعنا اسم «الحق» في كتاب الله عزّ وجلَّ، لوجدناه في عدة مواضع؛ فيقول الحقّ جلَّ وعلا: }ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ{ [الحج: 6]، }يَوْمَئِذٍ يُوَفِّيهِمُ اللَّهُ دِينَهُمُ الْحَقَّ وَيَعْلَمُونَ أَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ الْمُبِينُ{...
مَنْ مِنّا لا يحمد الله إن أَصابته سراء؟ ومن منّا لا يشكره سبحانه إنّ أظلته أفياء نعمة؟ هذا حال من يردّ الفضل إلى صاحبه، ويهب الثناء لمن هو أهل له. وهل تفكّرتم يومًا في اسم...
هل شعرت يومًا بعظيم أفياء الله عليك فبادرت بحمده؟ وهل وقعتَ في ابتلاء ونجوتَ منه، فحدثتك نفسك بضرورة حمد الله؟ وهل أبصرت حينًا مصائب غيرك، فنبض قلبك بحمد الله الذي عافاك مما ابتلى به سواك؟...
معلوم أنّ العبد هو الذي يتوب من ذنبه ومما اقترفته نفسه ويداه وجوارحه، لكن هل هذه التوبة تؤتى لأيّ إنسان؟ أم أنّها منحة إلهية يختصّ بها من يستحق من عباده؟ حقيقة إنّ توبة الله على...
لا شكَّ في أنّ مَن يقرأ كلمة «خليفة» أو يسمعها، يتذكر قول الله تعالى: ﴿وَإِذ قَالَ رَبُّكَ لِلمَلَاـئِكَةِ إِنِّی جَاعِل فِی الأرض خَلِیفَة ﴾ [البقرة: 30]، وكذلك يتذكر منصب الخلافة في الإسلام. لكن هل حاول...
كان إمام الدعاة الشيخ محمد متولي الشعراوي - رحمه الله - أكثر الناس تداولًا وتناولًا لاسم الله الحق، وكان إذا أراد استحضار آية كريمة وإدراجها في سياق تفسيره العرفاني النوراني المعروف بالخواطر، قال: «يقول الحق...
إنّ أسماء الله تعالى ماثلة في أفعاله، وظاهرة في مشيئته، ولكن لا يمكن أن يدرك ذلك إلا مؤمن بالله، وجودًا، وتحكُّمًا، وتسييرًا لكون لا يعلم كنهه إلا خالقه جلّ في علاه، ومن بديع أفعاله الماثلة...
إنَّ خيرَ بداية نتفقّه فيها بالنصر، أن نتذكّر أن الناصر اسم من أسماء الله، وهو اسم كريم متاخم وملازم لاسم الغالب، والنصرة من الله هي تعدية الغَلبة لفريق، فيقهر فريقًا آخر ويغلبه، وهي العون والمدد،...
إنّ اللغة العربية لغة غنية بمعانيها ومبانيها، وإنّ سبر أغوار معانيها لا يناله إلا متبصر واعٍ، حصيف فصيح، وهذا ما جعل القرآن الكريم الذي نزل بلسان عربيّ مبين، بليغًا غزيرًا في دلالاته، معجزًا في بيانه....
كثيرٌ من الخلق يعتقد أن الرزق يأتي بسبب ذكاء المرء ودهائه، فهل هذا الاعتقاد صحيح؟ وهل الغنى حكر على الأذكياء من الناس؟ في الحقيقة، لا دخل لذكاء ولا غباء في قبض الأرزاق وبسطها، فهي من...
تُشْتَقُ كَلِمَةُ الحِكْمَةِ مِنْ الجَذْرِ «حَكَمَ» الذي يَقْتَضِي مَعْنى الْمَنْعَ، وَبِهِ قَالَ عُلَمَاءُ اللُّغَةِ وَسَاقُوا عَلَيْهِ الأَدِلَّةَ وَالْبَرَاهِينَ مِنْ دَوَاوِينِ الأَوَّلِينَ، أَصْحَابِ اللِّسَانِ الْعَرَبِيِّ الْمُبِينِ، ثُمَّ مِنْ هَذَا الْمَعْنَى الأَوَّلِيِّ تَتَفَرَّعُ بَقِيَّةُ الْمَعَانِي، فَتَتَغَيَّرُ وَتَتَحَوَّرُ،...
معلوم أنّ لله عزّ وجل صفات وأسماء له فيها الفردانية المطلقة، إذ لا يمكن أن تنسب إلى مخلوق من مخلوقاته في معناها الاصطلاحي، ومنها لفظا الخالق والخلّاق بالتعريف. لكن هناك بعض أسمائه ما يشتق منها...