alsharq

د. زينب المحمود

عدد المقالات 323

أخي الحاجّ

11 أغسطس 2019 , 12:30ص

السلام عليك وأنت في الرحاب الطاهرة والبقاع المقدّسة، السلام عليك وأنت في البلد الحرام تكمل المناسك والشعائر متوجهاً إلى الله بكل جوارحك طالباً العفو والمغفرة والرضوان. السلام عليك وأنت تكمل العدّة وتوشك على نيل المبتغى وتحقيق المراد والظفر بما قدمت من أجله، تاركاً ديارك ورحابك وأهلك. أخي الحاجّ، إنك إذ ترمي الجمرات وتؤصّل عداوتك مع الشيطان وتؤكد كفرك به وبهمزاته ونزغاته، فإنك لست في كنف الرسالة الخاتمة فحسب؛ بل أنت منسجم مع رسالات الأنبياء جميعاً عليهم أفضل الصلاة والسلام؛ إنك ترمي الجمرات التي رماها خليل الله وكل من تلاه، وتسير على خطى الإسلام المبصرة، لا أخصّ إسلام سيد المرسلين ورحمة الله للعالمين؛ بل أعمّم القصد لأخصّ رسالة الإسلام جمعاء؛ رسالة الرسل والأنبياء. أخي الحاجّ، اعلم أنك حينما تسعى بين الصفا والمروة وتطوف في صحن الطواف، فإنك ساعٍ وطائف بأول بيت وُضع للناس؛ للناس المخلوقين لله، المولودين لآدم عبدالله، فهل تنتابك طائفتك أم آدميتك؟ وهل تعتريك عزلتك أم يؤنسك اجتماعك مع أقربائك المنسيّين؟ قد اختار ربك لك سياق الأخوّة في بيته الحرام، فلا تكن في نسق التوحّش، واترك عليك طابعك الإنسي فلا تتوشّح نعرتك القومية، لن تزيد على من حولك إلا بزاد التقوى، ولن تَفْضُلَهم إلا بأداء التعبّد والتهجّد، ولن تعلي مقامك ولن تعدو قدرك إلا بالتوسّل والتذلّل لله. في البلد الأمين، يتسع الأمان ليشمل الإنسان بما وعى من الأديان، ويلفّ الناس بما احتووا من أجناس، وإليك برهانه الساطع ودليله القاطع في دعاء الخليل عليه السلام: (وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَـٰذَا بَلَدًا آمِنًا وَارْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ الثَّمَرَاتِ مَنْ آمَنَ مِنْهُم بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ قَالَ وَمَن كَفَرَ فَأُمَتِّعُهُ قَلِيلًا ثُمَّ أَضْطَرُّهُ إِلَىٰ عَذَابِ النَّارِ وَبِئْسَ الْمَصِير) [إبراهيم: 35]. دعا الخليل ربه أن يغدق الرزق ويجزل العطاء لمن آمن، فصوّب الله بوصلة الدعاء الإبراهيمي، وصحّح لعبده الأواه الحليم المنيب، وزاد سعة صدره للمخالفين، وكلّفه استيعاب المسلمين والكافرين على حد سواء؛ فإن الله إن لم يجعلهم على صعيد واحد من جزاء الآخرة الآجل، فهم سواء في عطاء الحياة العاجل. وإن من تقديس الربوبية أن تحسن إلى خلق الله؛ لأنه خلقهم، وإن من تقديس الألوهية ألا تتدخّل في حسابهم؛ فما عليك منه من شيء، ولست عليهم بمسيطر، وما أنت عليهم بوكيل. لك دور الأسوة الحسنة لمن أراد الاتباع، والنصيحة لمن أراد الانصياع، والبلاغ لمن ألقى لك سمعه وفتح لك قلبه. أخي الحاجّ، أنت في ثياب إحرامك روح مؤمنة في حَوْجَلَةٍ درّية، سقاؤها النور، وغصونها شعب الإيمان، وينعها الخلق العظيم والمنهج القويم، فإن فزت بهذه المحصلة من هذه النزهة الإيمانية فطوبى لك، وإن فرّطت فاستدرك فوت الساعات باستكثار الطاعات، وإن قصّرت في ما وراءك فتبلّغ مما بقي أمامك؛ فالحجّ عرفة، فأدرك الحجّ على جبل الرحمة بما وسعك من دموع وخشوع. أخي الحاجّ، إن هذه المكتسبات النورانية التي اغتنمها قلبك وتزيّنت بها ذاتك في هذه الليالي المباركة لأحرى أن تلازمك وتكون لبوساً لك، يقيك الشحناء والسوء والفحشاء في قادم عهدك، فما يحسن بك التنازل عنها من أول جولة لك في دنياك خارج هذا الحرم الطاهر، ولا يليق بك أن تغسل عنك صبغة الله الحسنة، وتلقي عنك عبء البرنامج العبادي المكثّف. لتكن حجّتك شجرة طيبة تؤتي أُكُلَها كل حين، لا معسكراً عابراً ولا عارضاً ممطراً؛ بل سمتاً مقيماً فيك ووسماً دائماً عليك، وعسى أن تجبّ حجّتك ما قبلها من الخطايا، ويكون لها ما بعدها من الإنابة والرجعى بإذن الله، إنه وليّ ذلك والقادر عليه. وتقبّل الله طاعتكم.

كمال غناه

إنّ كمال غِنى الله سبحانه وتعالى عظيم؛ لا يحدّ ملكه حدّ، ولا يحصيه أحد، إنساً كان أو جنًا أو ملكاً، أو ما دون ذلك. ولو أن الخلق جميعًا، أولهم وآخرهم، وإنسهم وجنهم، سألوه، فأعطى كل...

الحقُّ أحقُّ أن يُتّبع

لو تتبعنا اسم «الحق» في كتاب الله عزّ وجلَّ، لوجدناه في عدة مواضع؛ فيقول الحقّ جلَّ وعلا: }ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ{ [الحج: 6]، }يَوْمَئِذٍ يُوَفِّيهِمُ اللَّهُ دِينَهُمُ الْحَقَّ وَيَعْلَمُونَ أَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ الْمُبِينُ{...

إِلهٌ حميد

مَنْ مِنّا لا يحمد الله إن أَصابته سراء؟ ومن منّا لا يشكره سبحانه إنّ أظلته أفياء نعمة؟ هذا حال من يردّ الفضل إلى صاحبه، ويهب الثناء لمن هو أهل له. وهل تفكّرتم يومًا في اسم...

لربنا حامدون

هل شعرت يومًا بعظيم أفياء الله عليك فبادرت بحمده؟ وهل وقعتَ في ابتلاء ونجوتَ منه، فحدثتك نفسك بضرورة حمد الله؟ وهل أبصرت حينًا مصائب غيرك، فنبض قلبك بحمد الله الذي عافاك مما ابتلى به سواك؟...

لا تقنطوا...

معلوم أنّ العبد هو الذي يتوب من ذنبه ومما اقترفته نفسه ويداه وجوارحه، لكن هل هذه التوبة تؤتى لأيّ إنسان؟ أم أنّها منحة إلهية يختصّ بها من يستحق من عباده؟ حقيقة إنّ توبة الله على...

خليفة

لا شكَّ في أنّ مَن يقرأ كلمة «خليفة» أو يسمعها، يتذكر قول الله تعالى: ﴿وَإِذ قَالَ رَبُّكَ لِلمَلَاـئِكَةِ إِنِّی جَاعِل فِی الأرض خَلِیفَة ﴾ [البقرة: 30]، وكذلك يتذكر منصب الخلافة في الإسلام. لكن هل حاول...

ومضةٌ لغويةٌ: الحقّ

كان إمام الدعاة الشيخ محمد متولي الشعراوي - رحمه الله - أكثر الناس تداولًا وتناولًا لاسم الله الحق، وكان إذا أراد استحضار آية كريمة وإدراجها في سياق تفسيره العرفاني النوراني المعروف بالخواطر، قال: «يقول الحق...

قابضٌ باسط

إنّ أسماء الله تعالى ماثلة في أفعاله، وظاهرة في مشيئته، ولكن لا يمكن أن يدرك ذلك إلا مؤمن بالله، وجودًا، وتحكُّمًا، وتسييرًا لكون لا يعلم كنهه إلا خالقه جلّ في علاه، ومن بديع أفعاله الماثلة...

من فِقه النّصر

إنَّ خيرَ بداية نتفقّه فيها بالنصر، أن نتذكّر أن الناصر اسم من أسماء الله، وهو اسم كريم متاخم وملازم لاسم الغالب، والنصرة من الله هي تعدية الغَلبة لفريق، فيقهر فريقًا آخر ويغلبه، وهي العون والمدد،...

أغوار المعاني

إنّ اللغة العربية لغة غنية بمعانيها ومبانيها، وإنّ سبر أغوار معانيها لا يناله إلا متبصر واعٍ، حصيف فصيح، وهذا ما جعل القرآن الكريم الذي نزل بلسان عربيّ مبين، بليغًا غزيرًا في دلالاته، معجزًا في بيانه....

رزقٌ مقسوم

كثيرٌ من الخلق يعتقد أن الرزق يأتي بسبب ذكاء المرء ودهائه، فهل هذا الاعتقاد صحيح؟ وهل الغنى حكر على الأذكياء من الناس؟ في الحقيقة، لا دخل لذكاء ولا غباء في قبض الأرزاق وبسطها، فهي من...

من درر الحكمة

تُشْتَقُ كَلِمَةُ الحِكْمَةِ مِنْ الجَذْرِ «حَكَمَ» الذي يَقْتَضِي مَعْنى الْمَنْعَ، وَبِهِ قَالَ عُلَمَاءُ اللُّغَةِ وَسَاقُوا عَلَيْهِ الأَدِلَّةَ وَالْبَرَاهِينَ مِنْ دَوَاوِينِ الأَوَّلِينَ، أَصْحَابِ اللِّسَانِ الْعَرَبِيِّ الْمُبِينِ، ثُمَّ مِنْ هَذَا الْمَعْنَى الأَوَّلِيِّ تَتَفَرَّعُ بَقِيَّةُ الْمَعَانِي، فَتَتَغَيَّرُ وَتَتَحَوَّرُ،...