الابتكار الحكومي ودور قادته

سأتناول في مقالي هذا دور القيادات في الابتكار الحكومي وهو الجزء الثالث والأخير من سلسلة «الابتكار الحكومي من منظور القطاع الخاص». حيث تناولت في الاجزاء السابقة موضوعين ألا وهما الاطار العام لإدارة الابتكار، وآليات إدارة الابتكار. بالتأمل في الأجزاء السابقة يتجلى لنا اهمية الدور الاداري والقيادي الكبير للقادة، وذلك لضبط عملية الابتكار داخل المؤسسات الحكومية لتحقيق الاهداف المرجوة منها. على ذلك هناك عدة نقاط يجب على القادة وضعها في عين الاعتبار خلال إدارة الابتكار داخل المؤسسات الحكومية: -وضع الخطط الاستراتيجية والسياسات -نظام الحوكمة وإدارته -اختيار الآليات المناسبة وتعزيز استخدامها -المتابعة والتقييم فعلى صعيد الخطط الاستراتيجية والسياسات، فللقيادات الحكومية دور رئيسي في وضعها وايضاحها ايضاً. فالخطط الاستراتيجية والمشاريع المحفزة لها توجِد لنا السبب لاطلاق روح وطاقات الابتكار. فدور الخطط والمشاريع هو بتحديد الوجهة لنا، كما تجيب لنا على سؤال لماذا نريد ان نبتكر في هذا المسار؟ اما سؤال كيف؟ فسيكون المساحة التي يُبتكر فيها بالحلول. اما فيما يخص السياسات فدورها مهم جداً لتمكين التوجه الاستراتيجي للابتكار الحكومي والمشاريع المحفزة. فدور السياسات اما ان يعزز واما ان يعطل. فلذلك لابد من النظر للسياسات القائمة ومدى توافقها مع تمكين الابتكار. فعلى سبيل المثال اذا تم وضع استراتيجية تعزز من تطبيقات التقنيات الناشئة (الطائرات بدون طيار كمثال) لا بد من توافق السياسات مع المشروع وإيضاحها ايضاً. سياسات الاستخدام، التراخيص، المشتريات الى التأمين. لا يمكن سن مشروع بدون سياسات مساندة له. اما على صعيد نظام الحوكمة وإدارته، فلا يخفى عليكم ان الحوكمة من الامور المهمة لضمان سلاسة الإدارة والاشراف. ولا بد للتفريق بين نظام حوكمة قائم وبين نظام حوكمة معزز للابتكار. لان روح الابتكار تتطلب نظام حوكمة يتسم بالمرونة والسرعة. لذلك تطابق الاطار العام في إدارة الابتكار الذي ذكرته سابقًا (التوسع المرحلي) قد يفتح مجالا لبناء نظام حوكمة محفز للابتكار يتسم بالمرونة والسرعة في اتخاذ القرارات. وذلك لهدف رئيسي الا وهو التعلم السريع للمؤسسة الحكومية والبناء عليه والذي يعتبر جزءا اصيلا من رحلة الابتكار. فعلى سبيل المثال اتخاذ القرارات المتعلقة بالتنفيذ والموافقات المالية التابعة لها هل تقع تحت نطاق رئيس المؤسسة ام تحت نطاق مدير المشروع؟ واضعين بعين الاعتبار التوسع المرحلي للمشاريع الابتكارية. اما فيما يخص الآليات المناسبة وتعزيز استخدامها. فاليوم تم تطوير عدد لا بأس فيه من الآليات المساندة للابتكار والتي تم استخدامها مسبقاً في اقطار مختلفة. فهذه مساحة تتطلب النظر واعادة ترتيبها بطريقة تدعم الابتكار، كما يجب تعزيز هذه الممارسات بشكل اوسع لتمكين الابتكار ضمن المؤسسات الحكومية. اما على صعيد المتابعة والتقييم. فبالنظر للقائد الحكومي الذي اشرف على وضع الخطط والسياسات المساندة. والذي مر بنظام حوكمة مرن مساند للابتكار. مروراً باستخدام الآليات المناسبة. لا بد من متابعة للمشاريع وتقييم الاداة من جهتين، جهة التنفيذ وجهة الادارة. هدف المتابعة من جهة التنفيذ هو التحقق من بلوغ الاهداف المرجوة والجودة. اما من جهة الادارة فهو بالتحقق من تنفيذ افضل الممارسات المساندة للابتكار ومناطق التحسين. بدون المتابعة والتقييم لن يكون لاي مما سبق قيمة لاننا سنفتقر للتغذية الراجعة والتي تساعد في بناء منحنى التعلم. تأملي الاخير بأن هناك دورا جوهريا لقادة القطاع الحكومي في مجتمع اقتصاد المعرفة. لان اقتصاد المعرفة قائم على المعرفة المتراكمة لدى الفرد والذي يعد امتداد للمؤسسة. لا ضير بالاستعانة بالمختصين لنطاق ووقت معين. لكن جوهر الادارة والتعلم يجب ان يكون مرتكزا على افردا المؤسسة وحدهم. فبرحيل المختصين ترحل معهم المعرفة والتي هي القيمة الحقيقية للتجربة. لذلك اعتماد المؤسسات على بناء قدرات ومهارات افرادها في قيادة الحراك بشكل استراتيجي سيساهم بشكل كبير في بناء مستقبل مبني على قناعاتنا وما تعلمناه لا على استشارات ونصائح خارجية قد لا تمت لنا بصلة بحكم افتقارها للسياق المحلي والميداني. وبذلك اختم سلسلة الابتكار الحكومي والتي امتدت على ثلاثة اجزاء. كل الشكر والتقدير لديوان الخدمة المدنية والتطوير الحكومي ومجلس قطر للبحوث والتطوير والابتكار على برنامج قادة الابتكار الحكومي الذي وفر منصة للتحاور والمراجعة والتأمل لما فيه خدمة هذا الوطن.