alsharq

د. زينب المحمود

عدد المقالات 328

«الكبرياء ردائي»

02 يونيو 2025 , 11:21م

هل سمعتم بقول الله تعالى في الحديث القدسي: «الكبرياء ردائي، فمن نازعني في ردائي قصمْتُه»؟ وهل وعى المتكبرون معناه؟ وعرفوا مآل كبرهم وتعاليهم؟ إن الوقوف أمام النفس ومحاسبتها، وتقييمها بين الفترة والأخرى ضرورة لمن كان له قلب، أو لمن يرجو الآخرة ويسعى لها. فالتعالي على الخلق صفة مبغوضة من الله عزّ وجلّ، قبل أن تكون مبغوضة من خلقه، وصدق المصطفى حين حدد معنى الكبر قائلًا: «الكِبْرُ بطْرُ الحق، وغمط الناس». وبطر الحق هنا، هو معاملته بالجحود بعد أن تم منه اليقين، والإعراض عن آياته البينات للعالمين، وأما غمط الناس فهو الاحتقار والازدراء، والنظرة إليهم نظرة علو وزهو، وهذه من بوائق العبد التي يقدم بها على رب الأرباب يوم الحساب. فتأملوا الحكمة البالغة والحجة الدامغة، وأنّ الله يغفر ذنوبًا كجبال تهامة، ويحطها عن صاحبها يوم القيامة، إذا سبقت له السعادة في الاستغفار منها والتوبة عنها ولو متأخرًا، أما الكبر، فلو بقي منه أدنى بقية، أودت بصاحبها إلى الرزية، فحاذرِ من مقاسمة الله في ردائه؛ فالله جعل الكبرياء حدًا لا يتجاوزه إلا الأشقياء، الذين تجرؤوا على أن يشاقوا الله ويحادّوه، ويلقوا بأنفسهم إلى مهالك الكَبْتِ الإلهي والقصم الرباني. كذلك، لو لم يكن للكِبر من بائقة أو سابقة في الكبائر إلا كونه ذنْبَ إبليس، لكفاه، فالكبر هو الذي منعه من السجود، فتباهى بعنصر النار، وقد سجد الملائكة وهم من عنصر النور، والكبر هو الذي خسفَ مكانته وأهوى مثابته من العبودية إلى اللعنة الأبدية، فهو في الدنيا شيطان رجيم، وفي الآخرة في أسفل دركات الجحيم، فهل يوجد قصم رباني أشدّ من هذا؟! فنعوذ بالله من هذا الذنب الذي سن سنته إبليس اللعين، أول العصاة لرب العالمين. ثم إن الكبرياء إذا تقمصها من ليست له بحق كانت عليه صغارًا، وزادته ذلًا واحتقارًا، وآتت أُكلها على عكس ما يُرتجي ويُبتغي، وما أحسن ما قال الشاعر أبو نواس في هذا المعنى: عجبت من إبليسَ في كبرهِ وفي الذي أظهر من نخوتِهْ تـاه عـلــى آدمَ في سجدةٍ وصار يقود ذريته ولو تأملنا هذين البيتين لوجدنا فيهما غاية التوبيخ والتقريع، وآية التقبيح والتشنيع على اللعين الرجيم، الذي رجّح التيه والغرور والضلال على الطاعة والإخبات والامتثال، ثم إنه استكبر وانتفخ وانتفش، فكانت العاقبة السوء والخاتمة القاصمة أنّ الله قصمه كما وعد أصحاب الكبرياء، فجعله عبرة للمعتبرين، ونكالا للأوّلين والآخرين، وسَلَبه من الفخامة التي نَشَدَها، ومن الكبرياء الذي قصده، وأبدله الهوان والإبلاس والإفلاس، بل جعله مداسًا للجِنّة والناس، فالشاعر يستغرب من إظهار إبليس كبرياءه وتيهه على آدم، ثم إنه بذلك صار - إلى يوم القيامة - قوادًا لبنيه، والقواد هو الذي يسعى بالمعصية والفاحشة، فيجمع بين العصاة على الفسق والحمق، وهو في لغة الناس سمسار الفسقة، فإذا كان إبليس يرضى أن يمتهن هذه المهنة الوضعية عند أبناء آدم، فما الذي جعله يأنف السجود لأبيه وهو أكرم له وأقوم. فعلينا أن نعي حجم جريمة الكبر، وثقلها على أنفسنا، ومصيرنا يوم القيامة، وأنّها صفة بغيضة، لا يأتيها إلا من تغلغل إبليس ومكره في كيانه ونفسه، فاللهم إنّا نعوذ بك من الكبر، دقّه وجليله، ونعوذ بك من أن نلقاك وفي قلوبنا ولو ذرة من كبر. @zainabalmahmoud @zalmahmoud@outlook.com

غالبٌ على أَمْرِهِ

في هذه الأيام، يتوسل المسلمون في مشارق الأرض ومغاربها باسم الله الغالب؛ ليرد عنهم كيد الكائدين، وغيظ المعتدين، وكل حقد ظاهر ودفين. فالأمة منذ حين تمر بمخاض القيام والانتفاض، ولهذا القيام تكاليفه الوافية من الخوف...

أَبصر به وأَسمع

كلّنا ندعو الله عزّ وجلّ باسميه «السميع والبصير»، ومؤكَّدٌ أنَّنا كلَّما ذكرناه بهما سبحانه، قَفَزَ إلى ذاكرتنا وألسنتنا قوله تعالى: «لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيْرُ» (الشورى: 11)، ولكن هناك فرق بين من يقولها مستشعرًا...

مفتاح النصر

لم يُنصر نبي أو عبد من عباد الله إلا بيقينه بالله وحده، وبإدراكه المطلق أن الأمر كلّه بيد الله، وأنّ الله تبارك وتعالى هو الغَالب القَاهر أبدًا، لا يَمْلك أحدٌ أنْ يردَّ ما قَضَى، أو...

كمال الستر

كلّنا نسمع باسم الله «الستير»، وكلّنا نردده في كثير من الحالات، لكن هل علمنا حقيقته وغاية تسمية الله به؟ وما علاقته بالمجتمعات وسلمها وأمانها؟ وماذا لو استحضرنا هذا الاسم في جوانب حياتنا المختلفة؟ إنّ مدارسة...

رغم المكر.. قطر ستبقى حرة

كلٌّ منا يمضي نحو قدره، وكل منا يختار طريقه التي ارتضتها نفسه له، فإن خيرًا فخير، وإن شرًا فشر، والبشر في إطار القدر قسمان، قسم هو الأعلى بقربه من الله وإطاعته، وقسم هو الأسفل ببعده...

كمال غناه

إنّ كمال غِنى الله سبحانه وتعالى عظيم؛ لا يحدّ ملكه حدّ، ولا يحصيه أحد، إنساً كان أو جنًا أو ملكاً، أو ما دون ذلك. ولو أن الخلق جميعًا، أولهم وآخرهم، وإنسهم وجنهم، سألوه، فأعطى كل...

الحقُّ أحقُّ أن يُتّبع

لو تتبعنا اسم «الحق» في كتاب الله عزّ وجلَّ، لوجدناه في عدة مواضع؛ فيقول الحقّ جلَّ وعلا: }ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ{ [الحج: 6]، }يَوْمَئِذٍ يُوَفِّيهِمُ اللَّهُ دِينَهُمُ الْحَقَّ وَيَعْلَمُونَ أَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ الْمُبِينُ{...

إِلهٌ حميد

مَنْ مِنّا لا يحمد الله إن أَصابته سراء؟ ومن منّا لا يشكره سبحانه إنّ أظلته أفياء نعمة؟ هذا حال من يردّ الفضل إلى صاحبه، ويهب الثناء لمن هو أهل له. وهل تفكّرتم يومًا في اسم...

لربنا حامدون

هل شعرت يومًا بعظيم أفياء الله عليك فبادرت بحمده؟ وهل وقعتَ في ابتلاء ونجوتَ منه، فحدثتك نفسك بضرورة حمد الله؟ وهل أبصرت حينًا مصائب غيرك، فنبض قلبك بحمد الله الذي عافاك مما ابتلى به سواك؟...

لا تقنطوا...

معلوم أنّ العبد هو الذي يتوب من ذنبه ومما اقترفته نفسه ويداه وجوارحه، لكن هل هذه التوبة تؤتى لأيّ إنسان؟ أم أنّها منحة إلهية يختصّ بها من يستحق من عباده؟ حقيقة إنّ توبة الله على...

خليفة

لا شكَّ في أنّ مَن يقرأ كلمة «خليفة» أو يسمعها، يتذكر قول الله تعالى: ﴿وَإِذ قَالَ رَبُّكَ لِلمَلَاـئِكَةِ إِنِّی جَاعِل فِی الأرض خَلِیفَة ﴾ [البقرة: 30]، وكذلك يتذكر منصب الخلافة في الإسلام. لكن هل حاول...

ومضةٌ لغويةٌ: الحقّ

كان إمام الدعاة الشيخ محمد متولي الشعراوي - رحمه الله - أكثر الناس تداولًا وتناولًا لاسم الله الحق، وكان إذا أراد استحضار آية كريمة وإدراجها في سياق تفسيره العرفاني النوراني المعروف بالخواطر، قال: «يقول الحق...