


عدد المقالات 58
كان «أوسكار وايلد» صاحب إمكانيات عظيمة، إذ كان شاعراً، وكاتباً مسرحياً، وقصاصاً، وناقداً. ولد وايلد عام 1854، وحصل على كثير من المنح، وتلقى تعليمه في أفضل المدارس البريطانية. وتفوق في اللغة اليونانية، وحصل على الميدالية الذهبية من جامعة ترنيتي تقديراً لدراساته. وحصل على جائزة نيودجيت، وتم تكريمه بجامعة أكسفورد. وذاعت شهرة مسرحياته، وجنى منها مالاً وفيراً، وكان مصدر فخر لندن. وبدت موهبته غير محدودة بزمان، ولذلك وصفت «كارين كينيون» وهي كاتبة بمجلة بريتيش هيريتاج «وايلد» قائلة إنه «أكبر كُتَّابنا جدارة بالاستشهاد به» بعد شكسبير. كانت مواهب أوسكار تؤهله ليكون مثل شكسبير، ولكنه فشل في تحقيق النجاح. وآثر أن ينتقل إلى الحضيض، وصدق الشاعر: وَلَم أَرَ في عُيوبِ الناسِ شَيئاً كَنَقصِ القادِرينَ عَلى التَمامِ لقد كان أوسكار في نهاية حياته محطماً حزيناً، فعيشه المستهتر واللامسؤول أودى به إلى السجن، وفي السجن ألف رواية حياته، وكان مما قال فيها: «لا بد أن أعترف بأنني دمرت نفسي، وأن العظيم أو الدنيء على حد سواء لا يدمره سوى صنيع يده. لقد كنت رجلاً ينظر إليه كرمز لفن وثقافة عصره، ولقد صرحت لنفسي بهذا في فجر رجولتي، وحملت عصري على إدراك هذه الحقيقة فيما بعد. وقليل من الناس هم الذين يصلون إلى مثل هذا المنصب في حياتهم، فلقد شعرت بقدري وجعلت الآخرين يستشعرونه، ولقد حباني الله بكل شيء تقريباً، ولكني لم أتحمل المسؤولية، وتركت نفسي أسيرة إغواء نوبات الطمأنينة الحمقاء، وأحطت نفسي بالطبائع الأكثر خسة، والعقول الأكثر وضاعة، وطاب لي أن أضيع شبابي، وانتقلت عمداً إلى الحضيض، وكنت أسعى للمتعة حيث كانت وانتهت، ونسيت أن كل فعل بسيط في اليوم العادي إما يشكل شخصية إيجابية للمرء وإما يهدمها، وأن ما فعله المرء في الخفاء، إن عاجلاً أو آجلاً، سيصرخ المرء بسببه في العلن، ولم أعد قائد سفينة نفسي فتخليت عن مسؤوليتي، وسمحت للمتعة أن تسيطر علي، وانتهى بي الأمر في مستنقع الخزي، ولم يعد أمامي سوى خيار واحد الآن، ألا وهو التواضع». ولو كان أوسكار يقرأ القرآن لقرأ قوله تعالى: «أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ»، (آل عمران/165). لقد أوتي «أوسكار وايلد» من قبل نفسه، وحين استشعر المصير الذي انتهى إليه بسبب إهماله مسؤوليته وتفريطه في أيامه كان الأوان قد فات، كان قد فقد عائلته وثروته واحترامه لذاته، وفقد رغبته في العيش، ومات مفلساً محطماً عن عمر يناهز السادسة والأربعين. إن ثمة فجوة مؤلمة بين امتلاك الإنسان إمكانيات عظيمة وبين تمكنه فعلاً من عيش حياة العظمة والمساهمة الإيجابية في الحياة، فجوة بين تقيد الإنسان بالمشاكل والتحديات الكبيرة التي تواجهه في مكان عمله، وبين تطوير القوة الداخلية والأخلاقية التي تمكنه من التحرر من تلك المشاكل وتمنحه قوة متميزة لحلها. وبما أن الناس بطبيعتهم يميلون إلى الكسل فإن تطوير ذواتهم أو تحسينها يمثل معركة صعبة بالنسبة للكثيرين، وبالتالي فهذا ما يسبب مصاعب في طريق كل نجاح، لأن على الذي يريد أن يسود الآخرين أن يكون سيد نفسه أولاً، من نفسه البداية فإن أول وأفضل انتصاراتك -كما يقول «أفلاطون»- هو أن تقهر ذاتك. وعند قراءتنا لحياة القادة العظماء نجد أن أول نصر أحرزوه كان على أنفسهم، وذلك من خلال سيطرتهم على أهوائهم وشهواتهم وعدم استسلامهم للفوضى، وقدرتهم على حسن إدارة ذواتهم بشكل صحيح، ولذلك استطاعوا أن يكونوا قادة عظماء.
في ربيع الأول من سنة 41 هـ تنازل الحسن بن علي بن أبي طالب رضي الله عنهما إلى معاوية بن أبي سفيان عن الخلافة, وعلق المؤرخ ابن كثير على هذه الحادثة قائلاً: «وذلك كمال ثلاثين...
في العام الثامن للهجرة أرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم سرية في قرابة ثلاثة آلاف فارس إلى البلقاء من أرض الشام لمقاتلة جيش يعد يومئذ أقوى جيوش العالم وأمر عليهم زيد بن حارثة، وقال:...
في يوم من الأيام بحدود 350 قبل الميلاد وقبل غروب الشمس كان فيلسوف الهند الكبير «شاناكيا» -وله أسماء أخرى اشتهر بها مثل «فشنوجوتبا» و «كاوتيليا»- يراقب باهتمام مجموعة من الصبية يلعبون؛ فلفت نظره أن أحد...
كان يُعرف بالفتى المُدَلَّل؛ فكان لا يلبس الثوب الواحد ليومين مُتتاليين، وكان له عِطر يُعرف به بسبب نَشْأته في أحضان أم مُترَفة فعاش في يُسر وسعة. اختار ابن الدار الواسعة السير في طريق الإسلام الشاقة،...
في العقد الأخير من القرن التاسع عشر(1890م) كان هناك شاب في العشرين من عمره يعمل لدى شركة «بوفالو فورج» في «بونالو» بنيويورك، وَعُيِّن في قسم آلات تزويد الغاز في مصنع تابع لشركة «بيتسبرج بلايت جلاس»...
جاءت قريش وشكت النبي إلى أبي طالب فكان جوابه عليه السلام لعمه وهم يسمعون: «يا عم، إني أريدهم على كلمة واحدة يقولونها، تدين لهم بها العرب، وتؤدي إليهم بها العجم الجزية»، ففزعوا لكلمته ولقوله، فقالوا:...
لقد سرنا سوياً في هذه السلسلة التاريخية والفكرية المسماة «صراع المشاريع» برحلة طويلة من الزمن، حيث بدأنا في الحلقة الأولى من نهاية القرن الهجري الثالث إلى أن وقفنا في الحلقة العاشرة عند القرن الثامن الهجري،...
كان المشروع الصليبي أطولَ المشاريع المعادية للأمة عُمرا وأكثرَها استنزافا لطاقتها وإرهاقا لها، وقد استمر فترة طويلة من الزمن تعاقبت على حربه دولٌ إسلامية كثيرة حتى قدَّر الله سبحانه أن تكون نهاية وجودهم كإمارات وحكام...
تُعتبر مرحلة الأيوبيين ما بعد «صلاح الدين» من أهم مراحل الصراع بين المشروع الإسلامي والمشروع الصليبي الذي أبى أن يَفتُر أو يستسلم؛ بل شنَّ أربع حملات متتاليةً وشرسة. والحقيقة أن «صلاح الدين الأيوبي» بما تميز...
بوفاة الملك الناصر «صلاح الدين الأيوبي» رحمه الله عام589هـ يكون قد مضى على بدء ملحمة صراع المشاريع مرحلة زمنية كبيرة نسبياً تقارب الثلاثة قرون، وذلك إذا قدَّرنا بداية الصراع بظهور أول دولة للمشروع الباطني وهي...
يستمرصراع المشاريع ليتجاوز القرون من الزمن، والأمة من حرب إلى حرب، ومن صراع إلى صراع، تسطر ملحمة حضارية حافلة بالانتصارات والهزائم والأفراح والآلام توجتها البطولات التاريخية التي قادتها إلى نصر حضاري قبل أن يكون عسكريا...
قال المؤرخ ابن الأثير: «طالعتُ سير الملوك المتقدمين فلم أر بعد الخلفاء الراشدين وعمر بن عبدالعزيز أحسن سيرة ولا أكثر تحريا للعدل منه، وهو أول من ابتنى دارا للعدل وكان يجلس فيها أربع مرات أسبوعيا...