alsharq

د. فيصل بن جاسم آل ثاني

عدد المقالات 58

مريم ياسين الحمادي 25 أكتوبر 2025
توجيهات القيادة
فالح بن حسين الهاجري - رئيس التحرير 22 أكتوبر 2025
خطاب صاحب السمو في مجلس الشورى.. خطة عمل وطنية متكاملة

صانع الملوك

15 مايو 2014 , 12:00ص

في يوم من الأيام بحدود 350 قبل الميلاد وقبل غروب الشمس كان فيلسوف الهند الكبير «شاناكيا» -وله أسماء أخرى اشتهر بها مثل «فشنوجوتبا» و «كاوتيليا»- يراقب باهتمام مجموعة من الصبية يلعبون؛ فلفت نظره أن أحد الصبية، بادر باتخاذ دور الملك وأخذ يُصدر الأوامر ويدير الأمور، والصبية الآخرون ينفذون أوامره، لقد ذهل الفيلسوف وهو يرى هذا الصبي يقوم بالدور كما لو أنه ملك حقيقي يمتلك جميع مقومات القائد القوي والحازم. كانت الهند وقتها خاضعة للاحتلال اليوناني بقيادة الإسكندر الأكبر وتعاني من الاضطرابات والفوضى في كثير من المناطق، وفي ظل أوضاع كهذه كان الفيلسوف «شاناكيا» يبحث عمن يملك قدرات وإمكانات قيادية متميزة، يستطيع من خلالها فرض الأمن والاستقرار لإنقاذ البلاد وقيادتها للازدهار والمجد، ومن حسن الحظ أن وجد ضالته في هذا الصبي الموهوب، فضمه إليه ودربه سنوات عديدة، وهو يرى فيه الحلم الجميل للملك القادم والأمل المنشود للأمة. لم يولد الصبي «شاندرا» وفي فمه ملعقة من ذهب، وحتى عندما أتم تدريبه على يد معلمه وتحرك في بداية الأمر لقيادة الأمة لم يكن لديه المال ولا القوة البشرية، ولكن كانت لديه الشخصية القيادية والذكاء المتوقد، إضافة إلى ما تعلمه من أستاذه من القدرة على كسب الناس والتأثير فيهم وجمعهم حوله، خصوصا النخب وأصحاب القدرات المتميزة. بدأ «شاندرا» يجمع الناس ويثير همتهم ويقنعهم بضرورة تكوين جيش يحميهم ويحقق لهم الأمن، وبالفعل استطاع بناء ذلك الجيش ونظمه وسلحه ثم قاده في معركة فاصلة هزم بها الحاكم المستبد «ناندامس» وأخرج به اليونانيين من البنجاب والسند، وكان أول الملوك الشرقيين الذين انفصلوا عن السيطرة اليونانية. بعد ذلك استطاع «شاندرا» أن يوحد البلاد والمجتمع تحت قيادته بعد أن كانت منقسمة ممزقة، وبنى إمبراطورية قوية من خلال حكومة مركزية أسسها وأدارها وفق منظومة فكرية اختار مكوناتها بعناية من الفكر اليوناني ومزجها بمبادئ وأفكار ناضجة اقتبسها من التراث الفكري الهندي بإشراف الفيلسوف «شانكيا» الذي أضاف من عنده مبدأين أساسيين: - الأول اعتماد سياسة عدم التوسع الجغرافي. - الثاني اعتبار البلد الجار المباشر في الحدود المحاذي في الجغرافيا عدوا، بينما يعتبر البلد المجاور للجار من الجهة الأخرى صديقا يجب التحالف معه. ومن خلال اعتماده هذه المنظومة الفكرية كاستراتيجيه في إدارة الحكم والسياسة إضافة لبنائه جيشا قويا محترفا نجح «شاندرا» في قيادة إمبراطورية كبيرة مترامية الأطراف، وفي كل المراحل التي مر بها كان الفيلسوف «شاناكيا» مصاحبا له مستشارا أمينا وعقلا مفكرا وناصحا مخلصا. لقد صنع «شاناكيا» من الصبي الصغير «شاندرا» ملكا عظيما من أعظم الملوك في تاريخ الهند وأهَّله -من خلال شخصيته القوية وقيادته المحفزة- لتغيير مجتمعه من مجتمع ضعيف مفكك إلى إمبراطورية كبيرة قوية مرهوبة الجانب. إن صناعة الملوك في ذاك الزمان هي أقرب ما يكون إلى صناعة القادة العظام في عصرنا الحديث، وهو عمل عظيم وفن خاص لا يستطيعه ولا يتقنه إلا العظماء الأفذاذ من الرجال الذين استطاعوا أن يترفعوا عن حصر الاهتمام بذواتهم والتمحور حول أشخاصهم ومصالحهم ومكاسبهم الضيقة. إنهم أصحاب شخصيات كبيرة تترفع عن أشياء كثيرة في سبيل هدف سام ومصالح عليا للأمة والمجتمع الذي سيستفيد من وجود القادة المتميزين أكثر من استفادته من شخص واحد يمسك بكل الخيوط ويمنع أو يهمش أو يزهد في كل موهوب وصاحب قدرات متميزة ويعوقه من البروز والتقدم، وهي معالي يعجز الإنسان العادي عن الوصول إلى قمتها. لقد أهدى الفيلسوف «شاناكيا» أمته أعظم هدية بصناعته من الصبي «شاندرا» إمبراطوراً عظيماً، إن صناعة الملوك أو صناعة القادة مهمة خطيرة جدا وصعبة جدا، وعلى الراغب في أن يكون من روادها استحضار الخطوات التالية: 1- البحث والتنقيب عن الشخصيات التي تمتلك مخايل القيادة وأصحاب الومضات الفكرية المتميزة. 2- التقييم الجدي لتلك القدرات بعد التأكد من وجودها فعلا ومعرفة النواقص التي تحتاج إلى تنمية وتكميل. 3- اصطفاء قائد المستقبل وتقديره وكسبه عاطفيا. 4- تأهيله وتطويره من خلال تنميته فكريا وتدريبه على المهارات المتنوعة والصبر عليه ليأخذ وقته الكافي كي ينضج ويكون جاهزا لتحقيق الأهداف المرجوة منه. والناظر في شخصية الرسول عليه الصلاة السلام يذهل من عدد القادة الأفذاذ الذين خلفهم من بعده كأبي بكر وعمر وعثمان وعلي وسعد وخالد وغيرهم كثير، الذين استطاعوا بعد وفاته أن يحملوا مشعل النور إلى أمم الأرض ويفتحوا القلوب قبل البلاد وينشروا الرحمة والهدى والعدل بين العباد ويكونوا مضربا للمثل ونماذج للاقتداء. قال الزهراني: ربَّيْتَ جيلا أبيا مؤمنا يقظا حَسَوا شريعتك الغرَّاء في نَهَمِ فمن أبو بكرٍ قبل الوحي مَنْ عمَرُ ومَنْ عليٌّ ومَن عثمانُ ذو الرحِمِ مِن نهرك العذْبِ يا خير الورى اغترفوا أنت الإمام لأهل الفضل كلهم

استثمار في العباقرة

في ربيع الأول من سنة 41 هـ تنازل الحسن بن علي بن أبي طالب رضي الله عنهما إلى معاوية بن أبي سفيان عن الخلافة, وعلق المؤرخ ابن كثير على هذه الحادثة قائلاً: «وذلك كمال ثلاثين...

صانع الفرق

في العام الثامن للهجرة أرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم سرية في قرابة ثلاثة آلاف فارس إلى البلقاء من أرض الشام لمقاتلة جيش يعد يومئذ أقوى جيوش العالم وأمر عليهم زيد بن حارثة، وقال‏:‏...

للنجاح معنى آخر

كان يُعرف بالفتى المُدَلَّل؛ فكان لا يلبس الثوب الواحد ليومين مُتتاليين، وكان له عِطر يُعرف به بسبب نَشْأته في أحضان أم مُترَفة فعاش في يُسر وسعة. اختار ابن الدار الواسعة السير في طريق الإسلام الشاقة،...

إدارة القلق

في العقد الأخير من القرن التاسع عشر(1890م) كان هناك شاب في العشرين من عمره يعمل لدى شركة «بوفالو فورج» في «بونالو» بنيويورك، وَعُيِّن في قسم آلات تزويد الغاز في مصنع تابع لشركة «بيتسبرج بلايت جلاس»...

صراع المشاريع الخاتمة: المشروع المنشود

جاءت قريش وشكت النبي إلى أبي طالب فكان جوابه عليه السلام لعمه وهم يسمعون: «يا عم، إني أريدهم على كلمة واحدة يقولونها، تدين لهم بها العرب، وتؤدي إليهم بها العجم الجزية»، ففزعوا لكلمته ولقوله، فقالوا:...

صراع المشاريع الحادي عشر: القراءة الواعية للتاريخ

لقد سرنا سوياً في هذه السلسلة التاريخية والفكرية المسماة «صراع المشاريع» برحلة طويلة من الزمن، حيث بدأنا في الحلقة الأولى من نهاية القرن الهجري الثالث إلى أن وقفنا في الحلقة العاشرة عند القرن الثامن الهجري،...

صراع المشاريع عاشراً: نهاية المشروع الصليبي

كان المشروع الصليبي أطولَ المشاريع المعادية للأمة عُمرا وأكثرَها استنزافا لطاقتها وإرهاقا لها، وقد استمر فترة طويلة من الزمن تعاقبت على حربه دولٌ إسلامية كثيرة حتى قدَّر الله سبحانه أن تكون نهاية وجودهم كإمارات وحكام...

صراع المشاريع: الأيوبيون ما بعد صلاح الدين

تُعتبر مرحلة الأيوبيين ما بعد «صلاح الدين» من أهم مراحل الصراع بين المشروع الإسلامي والمشروع الصليبي الذي أبى أن يَفتُر أو يستسلم؛ بل شنَّ أربع حملات متتاليةً وشرسة. والحقيقة أن «صلاح الدين الأيوبي» بما تميز...

صراع المشاريع ثامناً: وقفة تأمل

بوفاة الملك الناصر «صلاح الدين الأيوبي» رحمه الله عام589هـ يكون قد مضى على بدء ملحمة صراع المشاريع مرحلة زمنية كبيرة نسبياً تقارب الثلاثة قرون، وذلك إذا قدَّرنا بداية الصراع بظهور أول دولة للمشروع الباطني وهي...

صراع المشاريع سابعاً: الملك النبيل

يستمرصراع المشاريع ليتجاوز القرون من الزمن، والأمة من حرب إلى حرب، ومن صراع إلى صراع، تسطر ملحمة حضارية حافلة بالانتصارات والهزائم والأفراح والآلام توجتها البطولات التاريخية التي قادتها إلى نصر حضاري قبل أن يكون عسكريا...

صراع المشاريع 6 - قمةُ المجد

قال المؤرخ ابن الأثير: «طالعتُ سير الملوك المتقدمين فلم أر بعد الخلفاء الراشدين وعمر بن عبدالعزيز أحسن سيرة ولا أكثر تحريا للعدل منه، وهو أول من ابتنى دارا للعدل وكان يجلس فيها أربع مرات أسبوعيا...

صراع المشاريع خامساً: بداية الصدام الإسلامي الصليبي

كان للمشروع العظيم الذي أسّسه الوزير الفذُّ نظامُ الملك نتائجُ كبيرة وجبارة؛ أهمُّها الحرص في المناصب الهامة والقيادية على استعمال الأكفاء وأصحاب الديانة, ومن يحمل همَّ قضايا الأمة. وكثمرة لهذا المشروع فقد سطع نجمُ العديد...