


عدد المقالات 58
في العام الثامن للهجرة أرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم سرية في قرابة ثلاثة آلاف فارس إلى البلقاء من أرض الشام لمقاتلة جيش يعد يومئذ أقوى جيوش العالم وأمر عليهم زيد بن حارثة، وقال: إن قتل زيد فجعفر، وإن قتل جعفر فعبدالله بن رواحة، وعقد لهم لواء أبيض، ودفعه إلى زيد بن حارثة. وأوصاهم قائلاً: «اغزوا بسم الله في سبيل الله من كفر بالله لا تغدروا ولا تغلوا ولا تقتلوا وليداً ولا امرأة ولا كبيراً فانياً ولا منعزلاً بصومعة ولا تقطعوا نخلاً ولا شجرة ولا تهدموا بناء». تهيأ الجيش الإسلامي للخروج وحضر الناس يودعونهم قائلين: صحبكم الله بالسلامة، ودفع عنكم، وردكم إلينا صالحين غانمين، فقال عبد الله بن رواحة: لكننـي أسـأل الرحمن مغفــرة وضربـة ذات فرع تقذف الزبـدا أو طعنـة بيـدي حـران مجـهزة بحربة تنفذ الأحشـاء والكبـدا حتى يقـال إذا مروا على جدثي أرشـده الله مـن غـاز وقد رشـدا مضى الجيش إلى الشام حتى نزلوا معان، فبلغهم أن هرقل نزل في البلقاء في مئة ألف وأنه انضم إليه من أماكن مختلفة مئة ألف أخرى، فبلغ تعداد جيشه مائتي ألف مقاتل، يقول أبوهريرة: شهدت مؤتة فرأينا جموعاً كثيرة ورأينا ما لا قبل لأحد به من العدة والسلاح. وفي مؤتة التقى الفريقان وبدأ قتال فيه ثلاثة آلاف رجل يواجهون مئتي ألف وكانت معركة عجيبة ونادرة الوقوع؛ أخذ الراية زيد بن حارثة وجعل يقاتل بضراوة بالغة وبسالة لا نظير لها حتى قتل شهيداً. ثم أخذ الراية جعفر وقاتل قتالاً عظيماً ولما أرهقه القتال اقتحم عن فرسه الشقراء فعقرها، ثم قاتل حتى قطعت يمينه، فأخذ الراية بشماله، ولم يزل بها حتى قطعت شماله، فاحتضنها بعضديه، فلم يزل رافعاً إياها حتى قتل، وأثابه الله بجناحيه جناحين في الجنة، ولذلك سمي بجعفر الطيار. ثم أخذ الراية عبدالله بن رواحة وقاتل بسيفه قتال الأبطال حتى قتل. وعندها اضطرب أمر جيش المسلمين وبات هلاكه كاملاً أمراً حتمياً ومسألة وقت لا غير؛ وفي هذه اللحظة المفصلية الخطيرة بادر رجل باتخاذ موقف إيجابي قلب موازين المعركة كلها وهو ثابت بن أقرم الأنصاري الذي أخذ الراية وصاح قائلاً: يا معشر المسلمين اصطلحوا على رجل منكم تجعلوه أميراً تقاتلون من ورائه، قالوا: أنت. قال: لا ما أنا بفاعل، فاصطلح الناس على خالد بن الوليد وكان أحق الناس بها، فلما أخذ الراية قاتل قتالاً مريراً، يقول خالد: لقد انقطعت في يدي يوم مؤتة تسعة أسياف، فما صبرت في يدي إلا صفيحة يمانية، وفي نفس الوقت الذي تدور فيه رحى الحرب الرهيبة في الشام كان النبي في المدينة النبوية يخبر الناس عن أحداث المعركة، فيقول: أخذ الراية زيد فأصيب، ثم أخذ جعفر فأصيب، ثم أخذ ابن رواحة فأصيب - وعيناه تذرفان - حتى أخذ الراية سيف من سيوف الله، حتى فتح الله عليهم. لما أصبح اليوم الثاني في مؤتة ونظراً للفروق الهائلة بين الجيشين اعتمد خالد بن الوليد في خطته على الحرب النفسية، حيث أمر عدداً من الفرسان بإثارة الغبار خلف الجيش، وأن تعلو أصواتهم بالتكبير والتهليل وكذلك قام بتبديل الرايات وغير أوضاع الجيش، فعبأه من جديد، وجعل مقدمته ساقه، وميمنته ميسرة، والعكس بالعكس، فلما رآهم الأعداء أنكروا حالهم، وقالوا : جاءهم مدد، فرعبوا، وبعد أن تراءى الجيشان، هجم خالد بن الوليد على الروم وقاتل حتى وصلوا إلى خيمة قائد الروم ثم أمر بانسحاب الجيش بطريقة منظمة، وأخذ يتأخر بالمسلمين قليلاً قليلاً، مع حفظ نظام جيشه، فلم يلاحقهم الرومان ظناً منهم أنهم يخدعونهم ويحاولون القيام بمكيدة ترمي بهم في الصحراء، فلم يتبعوا خالداً حتى أتم انسحابه بنجاح ثم عاد بالجيش إلى المدينة. عندما تذكر معركة مؤتة بأحداثها الرهيبة ومواقفها الفاصلة يركز الناس في أحاديثهم عن شجاعة القادة وإيمانهم القوي، أو عن بطولة خالد وعبقريته العسكرية التي حولت الإبادة الجماعية إلى نصر في ظل خلل كبير في موازين القوى وهي كلها أمور عالية القيمة تستحق كل تقدير وإشادة واقتداء، ولكن الحدث المفصلي الذي غير سير المعركة بشكل كلي وغفلة أغلب الباحثين هي المبادرة الإيجابية التي قام بها ثابت بن أقرم حين أخذ الراية والكل مشغول بالقتال الفردي بعد مقتل الأمراء الثلاثة وغياب التوجيه وافتقاد الجيش لوحدته وتماسكه بعد افتقاده قيادته؛ ولولا إيجابية ثابت واتخاذ مبادرة مهمة في لحظات خطيرة صنعت الفرق في سير المعركة، حيث استلم بموجبها خالد بن الوليد زمام القيادة لاستمرت المعركة على هذا المنوال ولأبيد الجيش الإسلامي كاملاً. إن المبادرة الإيجابية بطبيعتها وعلى أي مستوى دائماً ما تصنع الفرق وتغير اتجاه الأحداث وتصنع المستحيل، إنها تصنع الفرق بين النجاح والفشل وبين القمة والقاع بين التميز والأداء المتواضع بين الثراء والفقر بين المجد والخمول بين الإنجاز والعجز والمبادرة والتسويف والكسل. إن حياتك تكون ملكاً لك تستمتع بها كما تريد وفي مستوى النجاحات التي تطمح إليها عندما تقرر أن تحياها بناء على روح المبادرة الإيجابية، بينما تكون ملكاً للآخرين عندما تلتزم بالسلبية وعدم فعل شيء. إن من أهم صفات الناجحين والشخصيات القيادة الذين عاشوا حياة مفعمة بالنجاح والإثارة وتركوا بعدهم في الحياة بصمة إنجاز وذكرى جميلة هو استيعابهم للفارق الكبير الذي تصنعه المبادرة الإيجابية، فأداروا حياتهم بناء على هذا الأساس، أما من يعيش حياته وفق سياسية الانتظار فقط والفرص تمر أمام عينه، وهو عاجز عن استغلالها فربما سيضطر للانتظار للأبد بدون فائدة تذكر. يقول «نابليون هل»: إن أكثر من 500 شخصية من أهم الشخصيات نجاحاً في الولايات المتحدة أخبروني أن نجاحاتهم الكبيرة كانت بعد خطوة واحدة من الإحباط الذي تعرضوا له والذي لم يحطم عندهم روح المبادرة الإيجابية التي دفعتهم لمواصلة بذل الجهد بجدية وإرادة فولاذية.
في ربيع الأول من سنة 41 هـ تنازل الحسن بن علي بن أبي طالب رضي الله عنهما إلى معاوية بن أبي سفيان عن الخلافة, وعلق المؤرخ ابن كثير على هذه الحادثة قائلاً: «وذلك كمال ثلاثين...
في يوم من الأيام بحدود 350 قبل الميلاد وقبل غروب الشمس كان فيلسوف الهند الكبير «شاناكيا» -وله أسماء أخرى اشتهر بها مثل «فشنوجوتبا» و «كاوتيليا»- يراقب باهتمام مجموعة من الصبية يلعبون؛ فلفت نظره أن أحد...
كان يُعرف بالفتى المُدَلَّل؛ فكان لا يلبس الثوب الواحد ليومين مُتتاليين، وكان له عِطر يُعرف به بسبب نَشْأته في أحضان أم مُترَفة فعاش في يُسر وسعة. اختار ابن الدار الواسعة السير في طريق الإسلام الشاقة،...
في العقد الأخير من القرن التاسع عشر(1890م) كان هناك شاب في العشرين من عمره يعمل لدى شركة «بوفالو فورج» في «بونالو» بنيويورك، وَعُيِّن في قسم آلات تزويد الغاز في مصنع تابع لشركة «بيتسبرج بلايت جلاس»...
جاءت قريش وشكت النبي إلى أبي طالب فكان جوابه عليه السلام لعمه وهم يسمعون: «يا عم، إني أريدهم على كلمة واحدة يقولونها، تدين لهم بها العرب، وتؤدي إليهم بها العجم الجزية»، ففزعوا لكلمته ولقوله، فقالوا:...
لقد سرنا سوياً في هذه السلسلة التاريخية والفكرية المسماة «صراع المشاريع» برحلة طويلة من الزمن، حيث بدأنا في الحلقة الأولى من نهاية القرن الهجري الثالث إلى أن وقفنا في الحلقة العاشرة عند القرن الثامن الهجري،...
كان المشروع الصليبي أطولَ المشاريع المعادية للأمة عُمرا وأكثرَها استنزافا لطاقتها وإرهاقا لها، وقد استمر فترة طويلة من الزمن تعاقبت على حربه دولٌ إسلامية كثيرة حتى قدَّر الله سبحانه أن تكون نهاية وجودهم كإمارات وحكام...
تُعتبر مرحلة الأيوبيين ما بعد «صلاح الدين» من أهم مراحل الصراع بين المشروع الإسلامي والمشروع الصليبي الذي أبى أن يَفتُر أو يستسلم؛ بل شنَّ أربع حملات متتاليةً وشرسة. والحقيقة أن «صلاح الدين الأيوبي» بما تميز...
بوفاة الملك الناصر «صلاح الدين الأيوبي» رحمه الله عام589هـ يكون قد مضى على بدء ملحمة صراع المشاريع مرحلة زمنية كبيرة نسبياً تقارب الثلاثة قرون، وذلك إذا قدَّرنا بداية الصراع بظهور أول دولة للمشروع الباطني وهي...
يستمرصراع المشاريع ليتجاوز القرون من الزمن، والأمة من حرب إلى حرب، ومن صراع إلى صراع، تسطر ملحمة حضارية حافلة بالانتصارات والهزائم والأفراح والآلام توجتها البطولات التاريخية التي قادتها إلى نصر حضاري قبل أن يكون عسكريا...
قال المؤرخ ابن الأثير: «طالعتُ سير الملوك المتقدمين فلم أر بعد الخلفاء الراشدين وعمر بن عبدالعزيز أحسن سيرة ولا أكثر تحريا للعدل منه، وهو أول من ابتنى دارا للعدل وكان يجلس فيها أربع مرات أسبوعيا...
كان للمشروع العظيم الذي أسّسه الوزير الفذُّ نظامُ الملك نتائجُ كبيرة وجبارة؛ أهمُّها الحرص في المناصب الهامة والقيادية على استعمال الأكفاء وأصحاب الديانة, ومن يحمل همَّ قضايا الأمة. وكثمرة لهذا المشروع فقد سطع نجمُ العديد...