


عدد المقالات 58
يستمرصراع المشاريع ليتجاوز القرون من الزمن، والأمة من حرب إلى حرب، ومن صراع إلى صراع، تسطر ملحمة حضارية حافلة بالانتصارات والهزائم والأفراح والآلام توجتها البطولات التاريخية التي قادتها إلى نصر حضاري قبل أن يكون عسكريا في النهاية. وفي حلقة جديدة من حلقات صراع المشاريع تولى الراية بطلنا الذي سجل التاريخ اسمه بأحرف من نور على صفحات الشرف. فبعد وفاة الملك الشهيد العادل نور الدين زنكي، تولى المسؤولية التاريخية والشرعية الملك الناصر صلاح الدين الأيوبي الذي توجه من مصر إلى الشام المنفرط عقدها بعد وفاة نور الدين، فأخذ صلاح الدين يعيد ضم مدنها وحصونها ابتداء من دمشق، فضم أغلب الشام ثم توجه لضرب الحشاشين الذين حاولوا قتله أكثر من مرة، فدمر حصونهم وضيق عليهم، ثم أبرم اتفاقا معهم على ألا يناصروا الصليبيين في حروبهم ضده، فاستطاع بذلك إضعافهم وأوجز حاجزا بينهم وبين الصليبيين. ويحسب لصلاح الدين قبل توليه الملك إنهاء الخلافة الفاطمية في مصر وإرجاعها لحضن السنة، حيث استطاع القضاء على كل مؤامرات وكيد أقوى قوة في المشرق الباطني للقضاء عليه وقتله، وفي نفس إطار القضاء على الدولة الصليحية الباطنية حيث أرسل أخاه توران شاه إلى اليمن للقضاء على الدولة الصليحية الباطنية عام 569، وبالقضاء على الدولة الفاطمية والصليحية وإنهاك الحشاشين استطاع صلاح الدين إضعاف المشروع الباطني إلى حد كبير وحرم الصليبيين من حليف مهم. وفي إطار الصراع مع المشروع الصليبي عقد صلاح الدين صلحا مع مملكة أنطاكيا كي يحيدها ويفتت الصف الصليبي، ثم توجه همه لتوحيد الشام وشمال العراق مع مصر تحت سلطة دولة واحدة، حرص فيها على إقامة العدل بين أبنائها وإسقاط الضرائب والمكوس، كما حرص على إنشاء الكثير من المدارس والمستشفيات والجسور والمعالم العمرانية، وكانت سياسته مع الرعية تتسم بالرحمة، وبهذا استطاع بناء جبهة موحدة وقوية داخل دولته. وفي عام 583 زادت فيه الصراعات بين الصليبيين بشكل كبير لدرجة أن أمير طرابلس "ريمنود الثالث" راسل صلاح الدين واتفق معه على تسليمه طبريا وتعهد بعدم محاربته. فأتاح ذلك لصلاح الدين التجهز لمعركة حطين الحاسمة، والتي كانت من أعظم المعارك الإسلامية وأصعبها، فحقق الجيش الإسلامي فيها نصرا تاريخيا كبيرا. وقبل التوجه لفتح القدس رأى صلاح الدين ضرورة تحرير الساحل الشامي أولا لذلك توجه إلى عكا ففتحها، ثم فتح نابلس وحيفا والناصرة، ثم بيروت وعسقلان وغزة، حتى أتم فتح أغلب الساحل الشامي باستثناء طرابلس وصور. وفي رجب من عام 583 توجه صلاح الدين إلى القدس فاتحا لكنها أبدت مقاومة شرسة، فحاصرها حتى تم الصلح على أن تسلم القدس للمسلمين نظير فدية يدفعها الصليبيون ليحفظوا حياتهم. أثار سقوط مدينة القدس حالة من الهلع في أوروبا وارتجت لهذا الخبر رجةً عظيمة توجت بانطلاق حملة صليبية جديدة يقودها ملك ألمانيا "فريدريش" وملك فرنسا "فليب أغسطس" وملك إنجلترا "رتشارد قلب الأسد". وفي عام 587 اشتبكت هذه الجيوش مع جيوش صلاح الدين، وكانت المعارك بينهم سجالا لم يستطع أحد الطرفين أن يقضي على الآخر، فآل الأمر بعقد صلح عرف بصلح الرملة الذي كان نتيجة مراحل شاقة من المحادثات فكان من أهم نتائجها بقاء القدس بيد المسلمين وأن تنحصر مملكة القدس في الشريط الساحلي بين يافا وصور. لقد ضرب صلاح الدين نموذجا حضاريا في مكارم الأخلاق والتسامح والرحمة مع الأسرى والمستضعفين والوفاء بالعهود، كما هي أخلاق الإسلام فكان ذلك مثار إعجاب ودهشة للأوروبيين عبر التاريخ إلى يومنا الحاضر. ففي بعض الحالات كمثال تضرع بعض النصارى إلى صلاح الدين ليسمح لهم بالبقاء داخل بيت المقدس بعد أدائهم الفدية المقررة عليهم وتعهدوا له ألا يزعجوا أحدا فوافق صلاح الدين، وبالتالي أصبح لهم وعليهم ما للمسلمين وعليهم من حقوق وواجبات، وذلك عكس ما كان فعله الصليبيون عند دخولهم لبيت المقدس حيث سفكوا الدماء حتى غاصت فيها أرجل خيولهم. يقول أحد مؤرخي الفرنجة المعاصرين لتلك الحقبة "ستيفن رنسيمان": "الواقع أن المسلمين الظافرين اشتهروا بالاستقامة والإنسانية، فبينما كان الفرنج، ومنذ ثمان وثمانين سنة، يخوضون في دماء ضحاياهم (المسلمين)، لم تتعرض إلى الآن دار من دور المسيحيين للنهب، ولم يحل بأحد من الأشخاص مكروه، إذ صار رجال الشرطة، بناء على أوامر صلاح الدين، يطوفون بالشوارع والأبواب يمنعون كل اعتداء يقع على المسيحيين". ويذكر المؤرخون أنه أقبل نساء الفرنج اللاتي افتدين أنفسهن، وقد امتلأت عيونهن بالدموع، فسألن صلاح الدين أين يكون مصيرهن بعد أن لقي أزواجهن أو آباؤهن مصرعهم أو وقعوا في الأسر، فأجابهن بأن وعد بإطلاق سراح كل من في الأسر من أزواجهن، وبذل للأرامل منهن واليتامى من خزانته العطايا كل بحسب حالته. والواقع أن رحمته وعطفه كانا على نقيض أفعال الغزاة المسيحيين في الحملة الصليبية الأولى. وأصدق وصف وتعبير عن أخلاق الإسلام الحضارية التي تمثلها صلاح الدين الحضارية قول الشاعر: ملكنا فكان العفو منا سجيةً فلما ملكتم سال بالدم أبطح وحللتم قتل الأسارى وطالما غدونا على الأسرى نعف ونصفح فحسبكم هذا التفاوت بيننا وكل إناء بالذي فيه ينضح
في ربيع الأول من سنة 41 هـ تنازل الحسن بن علي بن أبي طالب رضي الله عنهما إلى معاوية بن أبي سفيان عن الخلافة, وعلق المؤرخ ابن كثير على هذه الحادثة قائلاً: «وذلك كمال ثلاثين...
في العام الثامن للهجرة أرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم سرية في قرابة ثلاثة آلاف فارس إلى البلقاء من أرض الشام لمقاتلة جيش يعد يومئذ أقوى جيوش العالم وأمر عليهم زيد بن حارثة، وقال:...
في يوم من الأيام بحدود 350 قبل الميلاد وقبل غروب الشمس كان فيلسوف الهند الكبير «شاناكيا» -وله أسماء أخرى اشتهر بها مثل «فشنوجوتبا» و «كاوتيليا»- يراقب باهتمام مجموعة من الصبية يلعبون؛ فلفت نظره أن أحد...
كان يُعرف بالفتى المُدَلَّل؛ فكان لا يلبس الثوب الواحد ليومين مُتتاليين، وكان له عِطر يُعرف به بسبب نَشْأته في أحضان أم مُترَفة فعاش في يُسر وسعة. اختار ابن الدار الواسعة السير في طريق الإسلام الشاقة،...
في العقد الأخير من القرن التاسع عشر(1890م) كان هناك شاب في العشرين من عمره يعمل لدى شركة «بوفالو فورج» في «بونالو» بنيويورك، وَعُيِّن في قسم آلات تزويد الغاز في مصنع تابع لشركة «بيتسبرج بلايت جلاس»...
جاءت قريش وشكت النبي إلى أبي طالب فكان جوابه عليه السلام لعمه وهم يسمعون: «يا عم، إني أريدهم على كلمة واحدة يقولونها، تدين لهم بها العرب، وتؤدي إليهم بها العجم الجزية»، ففزعوا لكلمته ولقوله، فقالوا:...
لقد سرنا سوياً في هذه السلسلة التاريخية والفكرية المسماة «صراع المشاريع» برحلة طويلة من الزمن، حيث بدأنا في الحلقة الأولى من نهاية القرن الهجري الثالث إلى أن وقفنا في الحلقة العاشرة عند القرن الثامن الهجري،...
كان المشروع الصليبي أطولَ المشاريع المعادية للأمة عُمرا وأكثرَها استنزافا لطاقتها وإرهاقا لها، وقد استمر فترة طويلة من الزمن تعاقبت على حربه دولٌ إسلامية كثيرة حتى قدَّر الله سبحانه أن تكون نهاية وجودهم كإمارات وحكام...
تُعتبر مرحلة الأيوبيين ما بعد «صلاح الدين» من أهم مراحل الصراع بين المشروع الإسلامي والمشروع الصليبي الذي أبى أن يَفتُر أو يستسلم؛ بل شنَّ أربع حملات متتاليةً وشرسة. والحقيقة أن «صلاح الدين الأيوبي» بما تميز...
بوفاة الملك الناصر «صلاح الدين الأيوبي» رحمه الله عام589هـ يكون قد مضى على بدء ملحمة صراع المشاريع مرحلة زمنية كبيرة نسبياً تقارب الثلاثة قرون، وذلك إذا قدَّرنا بداية الصراع بظهور أول دولة للمشروع الباطني وهي...
قال المؤرخ ابن الأثير: «طالعتُ سير الملوك المتقدمين فلم أر بعد الخلفاء الراشدين وعمر بن عبدالعزيز أحسن سيرة ولا أكثر تحريا للعدل منه، وهو أول من ابتنى دارا للعدل وكان يجلس فيها أربع مرات أسبوعيا...
كان للمشروع العظيم الذي أسّسه الوزير الفذُّ نظامُ الملك نتائجُ كبيرة وجبارة؛ أهمُّها الحرص في المناصب الهامة والقيادية على استعمال الأكفاء وأصحاب الديانة, ومن يحمل همَّ قضايا الأمة. وكثمرة لهذا المشروع فقد سطع نجمُ العديد...