


عدد المقالات 58
كان المشروع الصليبي أطولَ المشاريع المعادية للأمة عُمرا وأكثرَها استنزافا لطاقتها وإرهاقا لها، وقد استمر فترة طويلة من الزمن تعاقبت على حربه دولٌ إسلامية كثيرة حتى قدَّر الله سبحانه أن تكون نهاية وجودهم كإمارات وحكام على يد المماليك كما سنرى. والمماليك لقب يُطلق على رقيق آسيوي من الترك الجراكسة موطنهم الأصلي بلاد «القبجاق» في حوض نهر الفولغا شمال البحر الأسود شرق القوقاز، وقد أكثر سلاطين الدولة الأيوبية ثم دولةُ المماليك في بداية أمرها من شراء هؤلاء المماليك لدعم القوة الحربية بعد تنشئتهم على الإسلام وتربيتهم على الفروسية والطاعة. وكانت بداية الدولة المملوكية عام 648هـ بعد مقتل آخر السلاطين الأيوبيين «توران شاه» وتولِّي «شجر الدر» السَّلطنة والتي لم تستطع البقاء أكثر من 80 يوما لرفض المزاج العام حكم امرأة للبلاد، فاضطرت للزواج من أحد كبار المماليك وهو «عز الدين أيبك» وتنازلت له عن الحكم. وبعد مقتل «شجر الدر» و «عز الدين أيبك» آل ملك السلطنة المملوكية في الشام ومصر إلى «المظفر قطز» والذي على يديه كانت هزيمة المغول القاصمة في معركة «عين جالوت» الشهيرة، إلَّا أنه قتل بعد المعركة، ولم تُتح له فرصة قتال الصليبيين. فآل الأمر من بعده إلى «الظاهر بيبرس» والذي قضى السنوات الخمس الأولى من حكمه في توطيد دعائم الدولة، فبنى أبراج ومنائر المراقبة على أطراف البلاد لربطها بالقاهرة ولمتابعة تحركات العدو، واهتم بوضع نظام بريد مُتطور وسريع فكانت الرسائل تُنقل من دمشق إلى القاهرة ذهابا وإيابا في ثلاثة أيام، كما قام بردم مصب نهر النيل عند دمياط بصخور كبيرة لمنع الصليبيين من استغلاله فيما لو فكروا في الغزو. وفي الجانب العسكري دعم الجيش بأربعين ألف مقاتل وبأسطول بحري يتكون من خمسين سفينة. وقد برزت حنكة «بيبرس» السياسية بعقده صلحا وتحالفا مع كل من «ميخائيل الثامن» إمبراطور بيزنطة و «بركة خان» زعيم المغول و «عز الدين كيكاوس» سلطان سلاجقة الروم، ثم أرسل وفدا إلى أوروبا برئاسة «ابن واصل» لعقد مُعاهدات صلح مع ملوكها. وفي عام663هـ بدأ « الظاهر بيبرس» حربه الشاملة ضد الصليبيين لاسترداد الساحل الشامي، فأخذ «قيسارية» بعد حصار استمر ستة أيام ثم «أرسوف» وبعدها بعام استولى على أخطر القلاع الصليبية وهي قلعة «صفد» مركز فرسان الداوودية الأشداء وقتل جميع من وجد منهم فيها. وفي عام 666هـ حرر «يافا» ثم حاصر أنطاكيا برا وبحرا وبعد قتال مرير أسقط إمارتها، فأصابت هذه الإنجازات الصليبيين بالهلع، وفي عام 669هـ قاد حملة حرر بها حصن الأكراد وحصن «عكا»، ثم توجه نحو طرابلس فحاصرها إلَّا أنه اضطر لقبول عرض الصلح لإفشال تحالف صليبي مغولي كان في طور الإعداد. وورث مسؤولية التحرير من بعده الملك «المنصور قلاوون» الذي تابع سياسة «الظاهر بيبرس» في عقد المعاهدات مع الصليبيين فصالح إمبراطور بيزنطة وبعض الدول الأوروبية، وفي عام684هـ بدأ حرب التحرير بالاستيلاء على حصن «المرقب» معقل فرسان «الاسبتارية» وفي عام 688هـ سار إلى طرابلس بجيش ضخم بلغ 40 ألف فارس تُسانده آلات الحصار فحاصرها 43 يوما ثم فتحها وكان فتحا عظيما. وتولى الحكم من بعده ابنه الملك «الأشرف خليل» فواصل مسيرة التحرير حيث حاصر «عكا» عام690 هـ بحملة كبيرة واستمر الحصار شهرا ونصف الشهر؛ حيث كانت «عكا» أحد أهم معاقل الصليبيين في الشام قوة ورجالا فحقق نصرا عظيما، ثم توجه لتحرير جميع المدن الساحلية المتبقية بيد الصليبيين، وتُعدُّ معركة «عكا» هذه آخر المعارك الفاصلة في الحروب الصليبية التي شهدها الشرق الإسلامي. ومن بعدها تولى المُلك أخوه الملك «الناصر محمد بن قلاوون» الذي استمرت على يده سلسلة الانتصارات والفتوحات التي سار عليها أسلافه من «الظاهر بيبرس» إلى «الأشرف خليل»، وتوج مسيرتهم بتحريره لجزيرة «أرواد» التي تعتبر آخر معاقل الصليبيين فوق الأرض العربية الإسلامية وذلك عام 702هـ. وختاما وبعدما سرنا سويا في دروب صراع المشاريع وتعرفنا على بدايات كل مشروع وامتداداته وشاهدنا الجهود العظيمة والتضحيات الكبيرة التي قامت بها شخصيات تاريخية حملت هم أمة الإسلام حتى النصر واستحقت بذلك أن تسطر أسماءها بأحرف من نور على صفحات الشرف من كتاب التاريخ؛ أمثال عبقري الشرق الوزير نظام الملك والسلاطين السلاجقة من بعده وعماد الدين زنكي وابنه البطل الفذ نور الدين الشهيد وصلاح الدين الأيوبي وبعض سلاطين الدولة الأيوبية وكذلك الأبطال الكبار من المماليك أمثال «قطز» و «بيبرس» وغيرهم. والجدير بالتأمل أن كل هؤلاء ليسوا عربا ولكنهم كانوا يحملون أرواحا طاهرة محبة لله ورسوله، تحملوا تضحيات كبيرة في سبيل الله وحققوا للأمة انتصارات ونحسبهم ممن يصدق عليهم قوله تعالى: {مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا}. وهم أحق الناس بقول الشاعر: أُولَئِكَ آبَائي، فَجِئْني بمِثْلِهِم إذا جَمَعَتْنا يا جَرِيرُ المَجَامِعُ
في ربيع الأول من سنة 41 هـ تنازل الحسن بن علي بن أبي طالب رضي الله عنهما إلى معاوية بن أبي سفيان عن الخلافة, وعلق المؤرخ ابن كثير على هذه الحادثة قائلاً: «وذلك كمال ثلاثين...
في العام الثامن للهجرة أرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم سرية في قرابة ثلاثة آلاف فارس إلى البلقاء من أرض الشام لمقاتلة جيش يعد يومئذ أقوى جيوش العالم وأمر عليهم زيد بن حارثة، وقال:...
في يوم من الأيام بحدود 350 قبل الميلاد وقبل غروب الشمس كان فيلسوف الهند الكبير «شاناكيا» -وله أسماء أخرى اشتهر بها مثل «فشنوجوتبا» و «كاوتيليا»- يراقب باهتمام مجموعة من الصبية يلعبون؛ فلفت نظره أن أحد...
كان يُعرف بالفتى المُدَلَّل؛ فكان لا يلبس الثوب الواحد ليومين مُتتاليين، وكان له عِطر يُعرف به بسبب نَشْأته في أحضان أم مُترَفة فعاش في يُسر وسعة. اختار ابن الدار الواسعة السير في طريق الإسلام الشاقة،...
في العقد الأخير من القرن التاسع عشر(1890م) كان هناك شاب في العشرين من عمره يعمل لدى شركة «بوفالو فورج» في «بونالو» بنيويورك، وَعُيِّن في قسم آلات تزويد الغاز في مصنع تابع لشركة «بيتسبرج بلايت جلاس»...
جاءت قريش وشكت النبي إلى أبي طالب فكان جوابه عليه السلام لعمه وهم يسمعون: «يا عم، إني أريدهم على كلمة واحدة يقولونها، تدين لهم بها العرب، وتؤدي إليهم بها العجم الجزية»، ففزعوا لكلمته ولقوله، فقالوا:...
لقد سرنا سوياً في هذه السلسلة التاريخية والفكرية المسماة «صراع المشاريع» برحلة طويلة من الزمن، حيث بدأنا في الحلقة الأولى من نهاية القرن الهجري الثالث إلى أن وقفنا في الحلقة العاشرة عند القرن الثامن الهجري،...
تُعتبر مرحلة الأيوبيين ما بعد «صلاح الدين» من أهم مراحل الصراع بين المشروع الإسلامي والمشروع الصليبي الذي أبى أن يَفتُر أو يستسلم؛ بل شنَّ أربع حملات متتاليةً وشرسة. والحقيقة أن «صلاح الدين الأيوبي» بما تميز...
بوفاة الملك الناصر «صلاح الدين الأيوبي» رحمه الله عام589هـ يكون قد مضى على بدء ملحمة صراع المشاريع مرحلة زمنية كبيرة نسبياً تقارب الثلاثة قرون، وذلك إذا قدَّرنا بداية الصراع بظهور أول دولة للمشروع الباطني وهي...
يستمرصراع المشاريع ليتجاوز القرون من الزمن، والأمة من حرب إلى حرب، ومن صراع إلى صراع، تسطر ملحمة حضارية حافلة بالانتصارات والهزائم والأفراح والآلام توجتها البطولات التاريخية التي قادتها إلى نصر حضاري قبل أن يكون عسكريا...
قال المؤرخ ابن الأثير: «طالعتُ سير الملوك المتقدمين فلم أر بعد الخلفاء الراشدين وعمر بن عبدالعزيز أحسن سيرة ولا أكثر تحريا للعدل منه، وهو أول من ابتنى دارا للعدل وكان يجلس فيها أربع مرات أسبوعيا...
كان للمشروع العظيم الذي أسّسه الوزير الفذُّ نظامُ الملك نتائجُ كبيرة وجبارة؛ أهمُّها الحرص في المناصب الهامة والقيادية على استعمال الأكفاء وأصحاب الديانة, ومن يحمل همَّ قضايا الأمة. وكثمرة لهذا المشروع فقد سطع نجمُ العديد...