


عدد المقالات 58
قال المؤرخ ابن الأثير: «طالعتُ سير الملوك المتقدمين فلم أر بعد الخلفاء الراشدين وعمر بن عبدالعزيز أحسن سيرة ولا أكثر تحريا للعدل منه، وهو أول من ابتنى دارا للعدل وكان يجلس فيها أربع مرات أسبوعيا يحضر القاضي والفقهاء فينصف المظلوم من الظالم كائنا من كان؛ وكان القوي والضعيف عنده في الحق سواء؛ فكان يسمع شكوى المظلوم ويتولى كشف ذلك بنفسه ولا يكلِ الأمر لا إلى حاجب ولا إلى أمير، فلا جرم أن سار ذكره في شرق الأرض وغربها». إنه الملك العادل والبطل المجاهد أبوالقاسم نور الدين محمد زنكي ولد سنة 511هـ وهو الابن الثاني لعماد الدين زنكي وكان والده يقدمه على إخوانه ويرى فيه مخايل النجابة. حضر مع أبيه في حصار قلعة جعبر وعندما اغتيل والده ذهب إلى حلب وتملكها وما جاورها في حين حكم أخوه الأكبر سيف الدين الموصل والجزيرة وحمص. بدأ نورالدين مشواره في الحكم بضم الرُّها بعد تمردها ومحاولة الصليبيين استرجاعها مرة أخرى منتهزين غياب عماد الدين عن المشهد وقد أخذوا المدينة واستعصت عليهم قلعتها فاستنجدت الحامية بنورالدين الذي هب لنجدتها وقد استطاع هزيمة القوات الصليبية بقيادة جوسلين الثاني وإخضاعها لحكمه. وبعد عدة محاولات استطاع نورالدين ضم دمشق تحت حكمه ثم شيزر وبعلبك وحران وقلعة جعبر ثم ضم الموصل بعد وفاة أخيه قطب الدين الذي تولى الإمارة بعد أخيه سيف الدين وقد ولى نور الدين سيف الدين ابن قطب الدين إمارة الموصل تحت حكمه. لقد خاض نور الدين معارك بطولية وملاحم خالدة ضد المشروع الصليبي والمشروع الباطني، وذلك بعدما ورث قيادة المشروع الإسلامي. استطاع نور الدين بناء قوة عسكرية في بلاد الشام واجه بها الحملة الصليبية الثانية وبعد فشل هذه الحملة أصبح نورالدين وجها لوجه مع الإمارات الصليبية المعادية المستوطنة في بلاد الشام كإمارة أنطاكيا وإمارة طرابلس فدخل في معارك كبيرة معها وفتح الكثير من القلاع والمدن والحصون واستخلصها من أيدي الصليبيين. وبالتالي استطاع توسيع رقعة دولته التي ظهرت قوية كما استطاع بعد عدة حملات على مصر أن يسيطر عليها ويسقط الدولة الفاطمية التي كانت رأس الحربة في المشروع الباطني ويرجعها إلى حضن الأمة. وفي عام 545 وبالتحالف مع إمبراطور القسطنطينية عموائيل حاصر الصليبيون دمياط واشتدوا بالحصار فأرسل صلاح الدين الأيوبي إلى نور الدين يقول له: «إن تأخرت عن دمياط ملكها الفرنجة وإن سرت إليها خرج المصريون -يقصد بقايا الفاطميين- عن طاعتي ثم ساروا في إثري والفرنجة أمامي فلا يبقى لنا بقية» فقال نورالدين: «والله إني لأستحي أن أبتسم والمسلمون محاصرون بالفرنجة»، فسار نورالدين بجيوشه إلى الإمارات الصليبية ببلاد الشام فأخذ يضربها بهجمات قوية على الحصون والمدن لكي يخفف الضغط عن مصر فنجحت خطته رحمه الله في ذلك. لقد أمضى نورالدين زنكي عمره على صهوة جواده يجاهد في سبيل الله من دون كلل ولا ملل ولم يستسلم للترف وطمع الدنيا مع أنه كان يملك أغلب الشام ومصر والحجاز وشمال العراق بل كان دائما ما يدعو ربه قائلا: «اللهم انصر دينك ولا تنصر محمود؛ مَن الكلب محمود حتى ينتصر، اللهم إنك إن تنصر فَدينك فلا تمْنعهم النصر بسبب محمود وإن كان محمود غير مستحق للنصر». وفي يوم من الأيام رأى وزيره «موفق الدين» في المنام أنه يغسل ثياب الملك نور الدين فأخبره بذلك، فأمره أن يكتب مناشير بوضع المكوس والضرائب عن الشعب وطلب إلى الناس أن يكون في حل مما أخذ منهم وقال: «إنما صرفت ذلك في قتال أعدائكم والذب عن بلادكم ونسائكم وأولادكم» وأمر الوعاظ أن يستحلوا له من التجار كذلك. لقد كان نورالدين زنكي علامة فارقة ليس في زمانه فقط ولكن عبر التاريخ. وهو أفضل تجسيد للمشروع الإسلامي وقمة مجده في تطبيق القيم الإسلامية وإقامة العدل، وقد وفقه الله في كسر الباطنية والقضاء على قوتهم الكبرى كما حطم قوة الصليبيين وأخضعهم وحرر الكثير من البلاد منهم وأسس لدولة العدل والجهاد والسنة. ورغم كل ميزات نورالدين زنكي وبلوغه القمة في الدين والزهد والعبادة والجهاد والإدارة والحكم بالعدل والرحمة إلا أن من أكبر مميزاته عبقريته السياسية فكرا وسلوكا ودهاؤه الكبيرة في إدارة الصراع في ظرف صعب وحساس جدا بين قوى معادية. ورغم انتشار اسمه مسبوقا بلفظ الشهيد على لسان الأمة كلها إلا أنه مات بسبب المرض على فراشه عام 569 وكان عمره 59 عاما. ورثاه الشاعر قائلا: الدين في ظُلم لغيبة نوره والدهر في غمم لفقد أميره ما أكثر المتأسفين لفقد مَن قرَّت نواظِرهم بفقد نظيره
في ربيع الأول من سنة 41 هـ تنازل الحسن بن علي بن أبي طالب رضي الله عنهما إلى معاوية بن أبي سفيان عن الخلافة, وعلق المؤرخ ابن كثير على هذه الحادثة قائلاً: «وذلك كمال ثلاثين...
في العام الثامن للهجرة أرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم سرية في قرابة ثلاثة آلاف فارس إلى البلقاء من أرض الشام لمقاتلة جيش يعد يومئذ أقوى جيوش العالم وأمر عليهم زيد بن حارثة، وقال:...
في يوم من الأيام بحدود 350 قبل الميلاد وقبل غروب الشمس كان فيلسوف الهند الكبير «شاناكيا» -وله أسماء أخرى اشتهر بها مثل «فشنوجوتبا» و «كاوتيليا»- يراقب باهتمام مجموعة من الصبية يلعبون؛ فلفت نظره أن أحد...
كان يُعرف بالفتى المُدَلَّل؛ فكان لا يلبس الثوب الواحد ليومين مُتتاليين، وكان له عِطر يُعرف به بسبب نَشْأته في أحضان أم مُترَفة فعاش في يُسر وسعة. اختار ابن الدار الواسعة السير في طريق الإسلام الشاقة،...
في العقد الأخير من القرن التاسع عشر(1890م) كان هناك شاب في العشرين من عمره يعمل لدى شركة «بوفالو فورج» في «بونالو» بنيويورك، وَعُيِّن في قسم آلات تزويد الغاز في مصنع تابع لشركة «بيتسبرج بلايت جلاس»...
جاءت قريش وشكت النبي إلى أبي طالب فكان جوابه عليه السلام لعمه وهم يسمعون: «يا عم، إني أريدهم على كلمة واحدة يقولونها، تدين لهم بها العرب، وتؤدي إليهم بها العجم الجزية»، ففزعوا لكلمته ولقوله، فقالوا:...
لقد سرنا سوياً في هذه السلسلة التاريخية والفكرية المسماة «صراع المشاريع» برحلة طويلة من الزمن، حيث بدأنا في الحلقة الأولى من نهاية القرن الهجري الثالث إلى أن وقفنا في الحلقة العاشرة عند القرن الثامن الهجري،...
كان المشروع الصليبي أطولَ المشاريع المعادية للأمة عُمرا وأكثرَها استنزافا لطاقتها وإرهاقا لها، وقد استمر فترة طويلة من الزمن تعاقبت على حربه دولٌ إسلامية كثيرة حتى قدَّر الله سبحانه أن تكون نهاية وجودهم كإمارات وحكام...
تُعتبر مرحلة الأيوبيين ما بعد «صلاح الدين» من أهم مراحل الصراع بين المشروع الإسلامي والمشروع الصليبي الذي أبى أن يَفتُر أو يستسلم؛ بل شنَّ أربع حملات متتاليةً وشرسة. والحقيقة أن «صلاح الدين الأيوبي» بما تميز...
بوفاة الملك الناصر «صلاح الدين الأيوبي» رحمه الله عام589هـ يكون قد مضى على بدء ملحمة صراع المشاريع مرحلة زمنية كبيرة نسبياً تقارب الثلاثة قرون، وذلك إذا قدَّرنا بداية الصراع بظهور أول دولة للمشروع الباطني وهي...
يستمرصراع المشاريع ليتجاوز القرون من الزمن، والأمة من حرب إلى حرب، ومن صراع إلى صراع، تسطر ملحمة حضارية حافلة بالانتصارات والهزائم والأفراح والآلام توجتها البطولات التاريخية التي قادتها إلى نصر حضاري قبل أن يكون عسكريا...
كان للمشروع العظيم الذي أسّسه الوزير الفذُّ نظامُ الملك نتائجُ كبيرة وجبارة؛ أهمُّها الحرص في المناصب الهامة والقيادية على استعمال الأكفاء وأصحاب الديانة, ومن يحمل همَّ قضايا الأمة. وكثمرة لهذا المشروع فقد سطع نجمُ العديد...