


عدد المقالات 58
في ربيع الأول من سنة 41 هـ تنازل الحسن بن علي بن أبي طالب رضي الله عنهما إلى معاوية بن أبي سفيان عن الخلافة, وعلق المؤرخ ابن كثير على هذه الحادثة قائلاً: «وذلك كمال ثلاثين سنة من موت النبي صلى الله عليه وسلم, فإنه توفي في ربيع الأول سنة 11 من الهجرة, وهذا من دلائل نبوة سيدنا محمد صلوات الله وسلامه عليه». يشير إلى حديث حسن الإسناد رواه الترمذي يقول فيه عليه الصلاة والسلام: «الخلافة في أمتي ثلاثون سنة ثم ملك بعد ذلك». وببيعة الحسن أصبحت كل البلاد التي كان يحكمها من قبل كالعراق وفارس وما وراء فارس خاضعة لحكم معاوية. ولم يستعص عليه أحد من الولاة إلا زياد بن أبيه الذي رفض البيعة وتحصن عن معاوية بقلعة سميت فيما بعد بقلعة زياد. وقد عمد معاوية إلى ملاينته وسعى لكسبه قريباً من سنة حتى نجح في ضمه إليه. يقول ابن حزم: «لقد امتنع زياد وهو فقعة القاع (الكمأة) لا نسب له ولا سابقة فما طاقه معاوية إلا بالمداراة ثم استرضاه وولاه». فمن يكون زياد ولماذا داراه معاوية؟ ولد زياد في العام الأول للهجرة وكانت أمه أمة وأبوه مختلف فيه وقد حصل في صغره على تعليم جيد، وكان شديد الذكاء قوي الشخصية، ومن أكثر أهل زمانه بلاغة وقدرات إدارية ودهاء سياسي. كلفه مرة عمر بن الخطاب بمهمة فبرع فيها ثم حضر إلى مجلس عمر ليعلمه بما صنع وكان في المجلس كبار القوم فتكلم زياد بكلام بليغ يسحر الألباب, فقال عمرو بن العاص وكان حاضراً: «لله در هذا الغلام لو كان أبوه قرشياً لساق العرب بعصاه». ولما تولى علي بن أبي طالب الخلافة وليَ له زياد ولاية فارس. وبعد التنازل رفض زياد بيعة معاوية وكانت كل العناصر تغري معاوية استخدام القوة لإخضاعه, منها أنه كان يتمتع بكامل الشرعية بعد أن بايعه الجميع بما فيهم كبار الصحابة كسعد وابن عمر وابن عباس, ومنها أنه كان يمتلك جيشاً قوياً, ومنها أنه كان يحكم أرضا تمتد من المغرب إلى قلعة زياد, ومنها كذلك فكرة أن يجعل زياد عبرة لكل من يتمرد على الدولة, ومنها فكرة أن لا يظهر بصورة الضعيف في بداية خلافته. كان يمكن لهذه العناصر مجتمعة أن تدفع كل أحد باستخدام القوة إلا من يملك فهم ودهاء معاوية الذي كان يملك قدرات سياسية وإدارية بنفس مستوى خالد بن الوليد العسكرية، لذلك عرف أنه في ظرف تاريخي صعب ويواجه تحديات خطيرة جداً وله أعداء يتربصون به، فكان على يقين أنه لن يستطيع أن ينجح في تجاوز هذه التحديات وبناء دولة قوية مرهوبة الجانب إلا باستخدام دهاة الرجال وأصحاب العقول الجبارة ومن هنا كانت أهمية زياد الذي يعرف معاوية جيداً عبقريته ومواهبه الفذة، ولذلك حرص على كسبه إلى جانبه والاستفادة من قدراته في توطين الأمن وتقوية أركان الدولة، فولاه العراق موطن الفتن آنذاك فحكمها زياد بقبضة من حديد وفرض فيها الأمن والاستقرار، وسن فيها القوانين والتنظيمات، وقام بإصلاحات كثيرة حتى أصبحت البلاد التي تحت يده نموذج الاستقرار والتنمية وزاد دخل الولاية أضعافاً مضاعفة, ومن طرائف زياد أنه كان يلزم الناس بنظافة بيوتهم وما حولها واشترى عبيداً فأوكل إليهم تنظيف الطرقات من القاذورات وكانت أول خدمة عمومية للنظافة. كان معاوية من دهاة الرجال ويتميز بفراسة صادقة بين الرجل صاحب المواهب والقدرات الحقيقية وبين المزيف الذي يتشبع بالمواهب والقدرات وهو عار عنها كما يميز العاقل بين انتفاخ الشحم كأثر النعمة وانتفاخ الورم كدليل على المرض. يقول الشاعر: أُعِيذُها نَظَراتٍ مِنْكَ صادِقَةً أن تحسَبَ الشّحمَ فيمن شحمهُ وَرَمُ وقد قيل: إن دهاة ذلك الزمان أربعة هم: معاوية بن أبي سفيان وعمرو بن العاص وزياد بن أبيه والمغيرة بن شعبة. وقد نجح معاوية في توظيف الثلاثة الدهاة تحت إدارته وأكرمهم وأحسن توظيفهم لخدمة أهدافه ولم يكن معاوية ممن يتبع سياسة (مش حالك) ويقبل بالتالي بالاعتماد على أي أحد ولو كان من أصحاب المواهب والقدرات الضعيفة, ولذلك عندما أحسن اختيار من يعتمد عليهم كانت إنجازاته باهرة في زمانه ومعلماً في التميز الإداري والسياسي. وفي العصر الحديث في العالم المتقدم سواءً في إدارة الدول أو الشركات التجارية أو حتى الأندية الرياضية يُقدم أصحاب المواهب والقدرات المتميزة الذين يستطيعون أن يقدموا إضافات عالية في مجالهم لذلك نرى بعض الأندية الرياضية العالمية تدفع مئات الملايين للاعب أو لاعبين وهي تعرف المكاسب المعنوية والمادية التي تربحها من وجودهم في الفريق. يقول جاك ويلش أحد أكبر القياديين الإداريين في أميركا عن سر النجاح الكبير في عمله: «إنني دائماً ما أقوم بتعيين موظفين أكثر ذكاءً مني», ويقول فيلسوف السياسة الكبير ميكافيلي: «إن أهم وسيلة لتقييم ذكاء القائد هي النظر إلى الأشخاص الموجودين حوله».
في العام الثامن للهجرة أرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم سرية في قرابة ثلاثة آلاف فارس إلى البلقاء من أرض الشام لمقاتلة جيش يعد يومئذ أقوى جيوش العالم وأمر عليهم زيد بن حارثة، وقال:...
في يوم من الأيام بحدود 350 قبل الميلاد وقبل غروب الشمس كان فيلسوف الهند الكبير «شاناكيا» -وله أسماء أخرى اشتهر بها مثل «فشنوجوتبا» و «كاوتيليا»- يراقب باهتمام مجموعة من الصبية يلعبون؛ فلفت نظره أن أحد...
كان يُعرف بالفتى المُدَلَّل؛ فكان لا يلبس الثوب الواحد ليومين مُتتاليين، وكان له عِطر يُعرف به بسبب نَشْأته في أحضان أم مُترَفة فعاش في يُسر وسعة. اختار ابن الدار الواسعة السير في طريق الإسلام الشاقة،...
في العقد الأخير من القرن التاسع عشر(1890م) كان هناك شاب في العشرين من عمره يعمل لدى شركة «بوفالو فورج» في «بونالو» بنيويورك، وَعُيِّن في قسم آلات تزويد الغاز في مصنع تابع لشركة «بيتسبرج بلايت جلاس»...
جاءت قريش وشكت النبي إلى أبي طالب فكان جوابه عليه السلام لعمه وهم يسمعون: «يا عم، إني أريدهم على كلمة واحدة يقولونها، تدين لهم بها العرب، وتؤدي إليهم بها العجم الجزية»، ففزعوا لكلمته ولقوله، فقالوا:...
لقد سرنا سوياً في هذه السلسلة التاريخية والفكرية المسماة «صراع المشاريع» برحلة طويلة من الزمن، حيث بدأنا في الحلقة الأولى من نهاية القرن الهجري الثالث إلى أن وقفنا في الحلقة العاشرة عند القرن الثامن الهجري،...
كان المشروع الصليبي أطولَ المشاريع المعادية للأمة عُمرا وأكثرَها استنزافا لطاقتها وإرهاقا لها، وقد استمر فترة طويلة من الزمن تعاقبت على حربه دولٌ إسلامية كثيرة حتى قدَّر الله سبحانه أن تكون نهاية وجودهم كإمارات وحكام...
تُعتبر مرحلة الأيوبيين ما بعد «صلاح الدين» من أهم مراحل الصراع بين المشروع الإسلامي والمشروع الصليبي الذي أبى أن يَفتُر أو يستسلم؛ بل شنَّ أربع حملات متتاليةً وشرسة. والحقيقة أن «صلاح الدين الأيوبي» بما تميز...
بوفاة الملك الناصر «صلاح الدين الأيوبي» رحمه الله عام589هـ يكون قد مضى على بدء ملحمة صراع المشاريع مرحلة زمنية كبيرة نسبياً تقارب الثلاثة قرون، وذلك إذا قدَّرنا بداية الصراع بظهور أول دولة للمشروع الباطني وهي...
يستمرصراع المشاريع ليتجاوز القرون من الزمن، والأمة من حرب إلى حرب، ومن صراع إلى صراع، تسطر ملحمة حضارية حافلة بالانتصارات والهزائم والأفراح والآلام توجتها البطولات التاريخية التي قادتها إلى نصر حضاري قبل أن يكون عسكريا...
قال المؤرخ ابن الأثير: «طالعتُ سير الملوك المتقدمين فلم أر بعد الخلفاء الراشدين وعمر بن عبدالعزيز أحسن سيرة ولا أكثر تحريا للعدل منه، وهو أول من ابتنى دارا للعدل وكان يجلس فيها أربع مرات أسبوعيا...
كان للمشروع العظيم الذي أسّسه الوزير الفذُّ نظامُ الملك نتائجُ كبيرة وجبارة؛ أهمُّها الحرص في المناصب الهامة والقيادية على استعمال الأكفاء وأصحاب الديانة, ومن يحمل همَّ قضايا الأمة. وكثمرة لهذا المشروع فقد سطع نجمُ العديد...