


عدد المقالات 58
تُعتبر مرحلة الأيوبيين ما بعد «صلاح الدين» من أهم مراحل الصراع بين المشروع الإسلامي والمشروع الصليبي الذي أبى أن يَفتُر أو يستسلم؛ بل شنَّ أربع حملات متتاليةً وشرسة. والحقيقة أن «صلاح الدين الأيوبي» بما تميز به من شخصية قوية وإيمان كبير وعبقرية عسكرية وحنكة سياسية ترك فراغاً كبيراً عجز عن سَدِّه من جاء بعده؛ سواء على مستوى التديُّن أم على المستوييْن السياسي والعسكري، وأما السَّيْر الذي سارته الدولة من بعده والذي تجلى في قوتها العسكرة المقاوِمة ورصيدها الأخلاقي فكان نتيجة قوةِ الدَّفع التي عرفتها الأمة أيام «نور الدين» و»صلاح الدين». وقبل وفاة «صلاح الدين الأيوبي» كانت دولته المترامية الأطراف مقسمة بين أبنائه وإخوانه وكان قد عين ابنه «الأفضل علي» لتولي السلطنة على الجميع؛ إلا أن الملك «الأفضل علي» أساء التصرف وأقبل على اللهو واللعب واحتجب عن الرعية حتى سُمِّي «الملك النوام»، وفوَّض شؤون الدولة لوزيره الجاهل «ضياء الدين الجزري» الذي كان سبب ضياع مُلكه وصراعه مع إخوته ثم استمر الصراع بين الإخوة إلى أن تملك البلاد عمهم الملك «العادل» أخو «صلاح الدين» عام 596هـ. وكان قيام الدولة الأيوبية بعد «صلاح الدين» بشكل أساسي على ثلاثة حكام أقوياء وهم: 1-»الملك العادل»: لقد كان الملكُ «العادل» أقدرَ الموجودين في الساحة السياسية من البيت الأيوبي لما يمتلك من القدرة على الحكم والقيادة والشجاعة والدهاء والحكمة، وقد استطاع فعلاً إعادة تجميع دولة «صلاح الدين» تحت سلطانه وصنع منها دولة قوية استطاعت مواجهة الموجة الجديدة للحملات الصليبية وهي: الحملة الصليبية الرابعة 1 - حملة الأطفال: وذلك أن صبياً فرنسياً يدعى «ستيفن» من مدينة كلويس، رأى رؤية مؤداها؛ أن السيد المسيح عليه السلام؛ أتاه في المنام، وأمره بأن يدعو إلى قيام حملة صليبية إلى بلاد الشام وقد تجمع حوله عشرات الآلاف من الأطفال، وتصور أن البحر سينشق لكي يعبر هو ورفاقه إلى القدس، واتجه الجميع إلى مرسيليا، وهلك الكثيرون من مشقة الطريق، ولما وصلوا إلى البحر لم يجدوه قد انشق، وانتهى الأمر بنقلهم عبر السفن إلى فلسطين ويلاحظ أن تلك الظاهرة الطارئة الجديدة، لم تكن خاصة بالصبية الفرنسيين فقط، بل إنها شملت كذلك الصبية الألمان، إذ أن صبياً يدعى «نيقولا»، ظهر في كولونيا بألمانيا، وتصور أن بإمكانه تحرير بيت المقدس، وجمع حوله الآلاف من الصبية وسلكوا طريقاً إلى إيطالياً من خلال جبال الألب، وقد هلك الكثيرون منهم في الطريق وهناك رأي يقول: إن أولئك الصبية انتهى بهم الأمر بأن بيعوا في أسواق النخاسة في عدد من المدن الإسلامية والواقع: أن حملة الأطفال تحتاج منا إلى وقفة، لأنها من أكثر الحملات الصليبية التي تعكس لنا روح ذلك العصر وطبيعته ومن الجلي البيّن أن الغرب الأوروبي في العصور الوسطى تعاظمت لديه الجوانب الغيبية والرؤى والأحلام وذلك نتاج تدين عاطفي لا يُعطي للعقل أي مساحة فيه إلا القليل النادر، وهكذا نرى أن أَتون الحروب الصليبية زُجَّ فيها بأطفال صغار أبرياء، كانوا جزءاً من الهوس الديني الذي شمل الغرب الأوروبي حينذاك، ودفعوا حياتهم ثمناً لكل ذلك. 2 - حملة قادها «إينوقنتيوس» الثالث 598هـ حيث بدأت القوات الصليبية القدوم من أوروبا إلى عكا التي مازالت بيد الصليبيين وقاعدة لحملاتهم حتى تجمع فيها ما يقرب من 30 ألف مقاتل مؤلفين من المجريين والاسكندنافيين والنمساويين والألمان إضافة للقوات الصليبية التي كانت في بلاد الشام، ولكن الحملات الصليبية اتخذت استراتيجية جديدة باتخاذ البحر طريقاً لها؛ لأنها ترى فيها أماناً أكثر يجعل الجيوش تصل كاملة القوة والعتاد سالمة من أضرار الطريق البرية؛ فتوجهت الحملة لمصر قاصدة دمياط وحاولت اقتحام المدينة مرات عدة إلا أنها كانت تستعصي عليهم، ولكنهم لم ييأسوا وأخيراً وبعد أحوال وأمور لا يتسع لها المقام سقطت دمياط في يد الصليبيين. 2 - «الملك الكامل»: لقد توفي الملك العادل بعد أن بلغه خبر سقوط دمياط بيد الصليبيين، فتحمل المسؤولية من بعده في هذا اللحظة التاريخية الحرجة الملك «الكامل» الذي بذل جهوداً جبارة في الوقوف في وجه الحملة الصليبية الرابعة والصبر على معاناتها وعذاباتها؛ وفي ذلك الوقت قدَّر الله تعالى أن فاض النيل وفتح المصريون السد وقطعوا على الصليبيين خط الرجعة فغرقت أعداد كبيرة من الغزاة وحصل الصلح بطلب من الصليبيين وهو ما تم على أن يغادروا دمياط ويرجعوا من حيث أتوا وهكذا فشلت هذه الحملة. - الحملة السادسة (1228م/625هـ) قاد هذه الحملة الملك الألماني «فريدريك الثاني»، وهي من أغرب الحملات، حيث خرج في حملته محروماً من الكنيسة، وأملاكه تُهاجم من جند البابا، وكان الملك «الكامل» الأيوبي استدعاه ووعده بالقدس إن هو نصره على أخيه الملك المعظم؛ وقد مات الملك المعظم قبل حدوث أي معركة مع أخيه ولكن للأسف سلم «الكامل» بيت المقدس سِلما لفريديريك الثاني بعد أن خرب أسوارها. 3 - الملك الصالح نجم الدين أيوب: وفي عاما م635هـ توفي «الكامل» وحدث خلاف بين أبنائه إلى أن استقر الحكم للملك «الصالح نجم الدين أيوب» الذي يعتبر من أشجع حكام الأيوبيين، وكان عصره أخطر عصور الدولة الإسلامية حيث شهد توغل المغول إلى الأرض الإسلامية كما شهد الحملة الصليبية السابعة بقيادة وكان أهم أسبابها استعادة الملك الصالح أيوب للقدس وطبرية وعسقلان فصعقت الممالك الصليبية بالشام وأصبحت مهددة بخطر الضياع، وكانت هذه الحملة بقيادة ملك فرنسا «لويس التاسع» الذي قصد مصر فسيطر على دمياط ثم المنصورة وتوجه إلى القاهرة، وفي هذه اللحظات الحرجة توفي الملك الصالح أيوب بسبب المرض وعمره 44 سنة. فكتمت زوجته شجرة الدر الخبر وأخرجت وثيقة تعين ابنه «توران شاه» قائداً عاماً للجيوش ونائباً للسلطان، وفي ملحمة عسكرية كبرى انتصر المسلمون ودمروا القوات الصليبية وأسروا «لويس التاسع» وفشلت الحملة السابعة، وهكذا توقفت الحملات الصليبية من أوروبا على بلاد الشام عام 1250م. ولكن «توران شاه» الذي تولى الأمر كان فاسقاً جاهلاً أثار عليه المماليك فقتلوه لتتولى الحكم شجرة الدر وبقتله انتهت فعلياً الدولة الأيوبية، وبدأ عصر المماليك. لقد أسهم الأيوبيون بعد صلاح الدين بجهود ضخمة للدفاع عن الأمة والجهاد في سبيل الله، واستطاعوا بكل شجاعة الوقوف أمام الصليبيين وإفشال حملاتهم، ولكن رغم كل ذلك يجب أن نقول: إنه بعد صلاح الدين الأيوبي انحدر الجانب الديني والأخلاقي في الحكام وضعف البُعد الرسالي والتمسك بالقيم، وتحولوا إلى ملوك كثر بينَهم النزاع والحروب ولم يقدموا مشروعاً حضارياً تجديدياً لانغماس الكثير منهم في الشهوات والترف وموالاة النصارى من أجل مكاسب رخيصة.
في ربيع الأول من سنة 41 هـ تنازل الحسن بن علي بن أبي طالب رضي الله عنهما إلى معاوية بن أبي سفيان عن الخلافة, وعلق المؤرخ ابن كثير على هذه الحادثة قائلاً: «وذلك كمال ثلاثين...
في العام الثامن للهجرة أرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم سرية في قرابة ثلاثة آلاف فارس إلى البلقاء من أرض الشام لمقاتلة جيش يعد يومئذ أقوى جيوش العالم وأمر عليهم زيد بن حارثة، وقال:...
في يوم من الأيام بحدود 350 قبل الميلاد وقبل غروب الشمس كان فيلسوف الهند الكبير «شاناكيا» -وله أسماء أخرى اشتهر بها مثل «فشنوجوتبا» و «كاوتيليا»- يراقب باهتمام مجموعة من الصبية يلعبون؛ فلفت نظره أن أحد...
كان يُعرف بالفتى المُدَلَّل؛ فكان لا يلبس الثوب الواحد ليومين مُتتاليين، وكان له عِطر يُعرف به بسبب نَشْأته في أحضان أم مُترَفة فعاش في يُسر وسعة. اختار ابن الدار الواسعة السير في طريق الإسلام الشاقة،...
في العقد الأخير من القرن التاسع عشر(1890م) كان هناك شاب في العشرين من عمره يعمل لدى شركة «بوفالو فورج» في «بونالو» بنيويورك، وَعُيِّن في قسم آلات تزويد الغاز في مصنع تابع لشركة «بيتسبرج بلايت جلاس»...
جاءت قريش وشكت النبي إلى أبي طالب فكان جوابه عليه السلام لعمه وهم يسمعون: «يا عم، إني أريدهم على كلمة واحدة يقولونها، تدين لهم بها العرب، وتؤدي إليهم بها العجم الجزية»، ففزعوا لكلمته ولقوله، فقالوا:...
لقد سرنا سوياً في هذه السلسلة التاريخية والفكرية المسماة «صراع المشاريع» برحلة طويلة من الزمن، حيث بدأنا في الحلقة الأولى من نهاية القرن الهجري الثالث إلى أن وقفنا في الحلقة العاشرة عند القرن الثامن الهجري،...
كان المشروع الصليبي أطولَ المشاريع المعادية للأمة عُمرا وأكثرَها استنزافا لطاقتها وإرهاقا لها، وقد استمر فترة طويلة من الزمن تعاقبت على حربه دولٌ إسلامية كثيرة حتى قدَّر الله سبحانه أن تكون نهاية وجودهم كإمارات وحكام...
بوفاة الملك الناصر «صلاح الدين الأيوبي» رحمه الله عام589هـ يكون قد مضى على بدء ملحمة صراع المشاريع مرحلة زمنية كبيرة نسبياً تقارب الثلاثة قرون، وذلك إذا قدَّرنا بداية الصراع بظهور أول دولة للمشروع الباطني وهي...
يستمرصراع المشاريع ليتجاوز القرون من الزمن، والأمة من حرب إلى حرب، ومن صراع إلى صراع، تسطر ملحمة حضارية حافلة بالانتصارات والهزائم والأفراح والآلام توجتها البطولات التاريخية التي قادتها إلى نصر حضاري قبل أن يكون عسكريا...
قال المؤرخ ابن الأثير: «طالعتُ سير الملوك المتقدمين فلم أر بعد الخلفاء الراشدين وعمر بن عبدالعزيز أحسن سيرة ولا أكثر تحريا للعدل منه، وهو أول من ابتنى دارا للعدل وكان يجلس فيها أربع مرات أسبوعيا...
كان للمشروع العظيم الذي أسّسه الوزير الفذُّ نظامُ الملك نتائجُ كبيرة وجبارة؛ أهمُّها الحرص في المناصب الهامة والقيادية على استعمال الأكفاء وأصحاب الديانة, ومن يحمل همَّ قضايا الأمة. وكثمرة لهذا المشروع فقد سطع نجمُ العديد...