alsharq

د. علي محمد الصلابي

عدد المقالات 83

«مشاركة نساء المسلمين في معركة أُحدٍ»

27 ديسمبر 2024 , 12:10ص

كانت غزوة أحدٍ أوَّل معركة في الإسلام تشارك فيها نساءُ المسلمين، وقد ظهرت بطولاتُ الـنِّساء، وصدق إيمانهنَّ في هذه المعركـة، فقد خرجن لكي يسقين العطشى ويداوين الجرحى، ومنهنَّ مَنْ قامت بردِّ ضربات المشركين المُوَجَّهة للرَّسول (ﷺ)، وممَّن شاركن في غزوة أحدٍ: أمُّ المؤمنين عائشة بنت أبي بكر الصِّدِّيق، وأمُّ عمارة، وحَمْنَة بنت جَحْشٍ الأسديَّة، وأمُّ سَلِيط، وأمُّ سُلَيْم، ونسوةٌ من الأنصار. [مسلم (1809 و1810 و1811)]. قال ثعلبة بن أبي مالكٍ رضي الله عنه: إنَّ عمر بن الخطاب قَسَمَ مُرُوطاً بين نساءٍ من نساء أهل المدينة، فبقي منها مِرطٌ جيِّدٌ، فقال له بعض مَنْ عنده: يا أمير المؤمنين! أعطِ هذا بنت رسول الله الَّتي عندك - يريدون أمَّ كلثوم بنتَ عليٍّ - فقال عمر رضي الله عنه: أم سَليط أحقُّ به. وأمُّ سليط من نساء الأنصار مِمَّن بايع رسولَ الله (ﷺ). قال عمر: فإنها كانت تُزْفِرُ – أي: تحمل القرب مملوءة بالماء - لنا القِرَبَ يوم أُحدٍ. [البخاري (2881، 4071)]. وعن أنسٍ رضي الله عنه قال: «لـمَّا كان يوم أُحدٍ، انهزمَ النَّاسُ عن النَّبيِّ (ﷺ)، ولقد رأيت عائشة بنت أبي بكرٍ، وأمَّ سُلَيم، وإنَّهما لمشمِّرتان، أرى خَدَمَ سُوقِهنَّ تَنْقُزَانِ القِرَبَ – أي: تحملان وتقفزان بها وثباً - على متونهما، ثمَّ تُفْرغَانِهِ في أفواه القوم، ثمَّ ترجعان، فتملأنها، ثمَّ تجيئان، فتُفرغَانه في أفواه القوم» [البخاري (2880)]. وقال كعب بن مالكٍ رضي الله عنه: «رأيتُ أمَّ سُلَيم بنت ملحان، وعائشة، على ظهورهما القِرَبُ، يحملانها يوم أُحدٍ، وكانت حَمْنَةُ بنت جحشٍ تسقي العطشى، وتداوي الجرحى، وكانت أمُّ أيمن تسقي الجرحى». وعن أنسِ بن مالكٍ رضي الله عنه قال: كان رسولُ الله (ﷺ) يغزو بأمِّ سُلَيم، ونسوةٍ من الأنصار معه؛ إذا غزا، فيسقين الماءَ، ويداوين الجرحى. [مسلم (1810)]. وأخرج عبد الرَّزاق عن الزُّهريِّ: كان النِّساء يشهدن مع النَّبيِّ (ﷺ) المشاهد، ويسقين المقاتلة، ويداوين الجرحى (فتح الباري ، شرح حديث رقم:2880). وعن الرُّبيِّع بنت مُعَوِّذٍ، قالت: كنَّا مع النَّبيِّ (ﷺ) نسقي القوم، ونداوي الجرحى، ونردُّ القتلى إلى المدينة. [البخاري (2882)]. وفي روايةٍ: كنَّا نغزو مع النَّبيِّ (ﷺ)، فنسقي القوم ونخدمُهم، ونردُّ الجرحى، والقتلى إلى المدينة. [البخاري (2883)]. ولم تقاتل المشركين يوم أُحدٍ إلا أمُّ عُمارة نُسَيبة المازنيَّة رضي الله عنها، وهذا ضَمْرَةُ بن سعيدٍ يحدث عن جدَّته، وكانت قد شهدت أُحداً تسقي الماء، قالت: سمعت النَّبيَّ (ﷺ) يقول: لَمُقَامُ نُسَيْبة بنتِ كعبٍ اليوم خيرٌ من مُقام فلانٍ وفلان، وكان يراها تُقاتل يومئذٍ أشدَّ القتال، وإنَّها لحاجزةٌ ثوبها على وسطها، حتَّى جُرِحَتْ ثلاثة عشرَ جرحاً، فلـمَّا حضرتها الوفاة كنت فيمن غسَّلها، فعددت جراحها جُرْحاً جُرْحاً، فوجدتها ثلاثة عشر جرحاً. وقد علَّق الأستاذ حسين الباكريُّ على مشاركة نُسَيبة بنت كعب في القتال، فقال: «وخروج المرأة للقتال مع الرِّجال لم يثبت في ذلك منه شيءٌ غيرُ قصَّة نُسَيبة؛ وقتال نسيبة إنَّما كان اضطراريّـاً؛ حين رأت: أنَّ رسول الله (ﷺ) أصبح في خطرٍ حين انكشف عنه النَّاس، فأمُّ عُمارة إذاً كانت في موقفٍ أصبح حَمْلُ السِّلاح فيه واجباً على مَنْ يقدر على حمله؛ رجلاً كان أو امرأةً» (الباكري، 1980، ص 254). وعلَّق الدُّكتور أكرم ضياء العمري على الآثار الدَّالة على مشاركة النِّساء في أحدٍ بقوله: «وهذه الآثار تدلُّ على جواز الانتفاع بالنِّساء عند الضَّرورة، لمداوة الجرحى وخدمتهم؛ إذا أُمِنَتْ فتنتهُنَّ مع لزومهنَّ السِّتر والصِّيانة، ولهنَّ أن يُدافعْنَ عن أنفسهن بالقتال؛ إذا تعرَّض لهنَّ الأعداء، مع أنَّ الجهاد فرضٌ على الرِّجال وحدهم، إلا إذا داهم العدوُّ ديار المسلمين، فيجب قتاله من الجميع رجالاً ونساء» )العمري، 1992، ص 2/391). وأمَّا الأستاذ محمَّد أحمد باشميل؛ فقد قال: «وقد كانت معركة أُحدٍ أوَّل معركةٍ في الإسلام قاتلت فيها المرأة المسلمة المشركين، ومن الثَّابت: أنَّ امرأةً واحدةً فقط اشتركت في هذه المعركة، وهي تدافع عن رسول الله (ﷺ)، كما أنَّه من الثَّابت أيضاً: أنَّ المرأة الَّتي اشتركت في معركة أحدٍ لم تخرج بقصد القتال، فهي لم تكن مجنَّدةً فيها كالرِّجال؛ وإنَّما خرجت لتنظر ما يصنع النَّاس لتقوم بأيَّة مساعدةٍ يمكنها القيام بها للمسلمين؛ كإغاثة الجرحى بالماء، وما شابه ذلك، يضاف إلى هذا أنَّ هذه المرأة الَّتي خاضت معركة أُحدٍ، هي امرأةٌ قد تخطَّت سِنَّ الشَّباب، كما أنَّها لم تخرج إلى المعركة إلاَّ مع زوجها وابنيها، الَّذين كانوا من الجند الَّذين قاتلوا في المعركة، يضاف إلى هذا الرَّصيد الهائل؛ الَّذي لديها من المناعة الخُلقيَّة والتَّربية الدِّينيَّة، فلا يقاس على هذه الصَّحابية الجليلة، مجنَّدات هذا الزَّمان، الَّلائي يرتدين لباس الميدان، وعنصر الإغراء، والفتنة هو أهمُّ عنصرٍ يتميَّزن به، ويحرصن على إظهاره للرِّجال؛ فأين الثَّرَى مِنَ الثُّرَيَّا؟! كذلك رجال ذلك العصر لا يقاس عليهم أحدٌ من رجال هذا الزَّمان، من ناحية الشَّهامة، والاستقامة، والعفَّة والرُّجولة، فكلُّ المحاربين الَّذين اشتركت معهم المرأة في معركة أُحدٍ، كانوا صفوة الأمَّة الإسلاميَّة، ورمز نبلها وشهامتها، وعنوان رجولتها واستقامتها، فلا يصحُّ مطلقاً جعل اشتراك تلك المرأة في معركة أُحدٍ قاعدةً تقاس عليها (من النَّاحية الشَّرعيَّة) إباحة تجنيد المرأة في هذا العصر، لتقاتل بجانب الرَّجل (كعنصر أساسٍ من عناصر الجيش) فالقياس في هذه الحالة قياسٌ مع الفارق، وهو قياسٌ باطلٌ قطعاً»

فقه القيادة وأبعاده الحضارية في قصة ذي القرنين

إن الله تعالى أظهر في سيرة أحسن الملوك -ذي القرنين- (1)، مفاهيم حضارية وجعل في سيرته دروسًا لكل من أراد أن يحكم بالحق والعدل من الحكام في الناس، فأرشد القرآن الكريم عباده إلى ركائز الحضارة...

سليمان عليه السلام ... التمكين المؤيَّد بالوحي والعلم والحكمة

تسلم سليمان عليه السلام قيادة الدولة القوية التي أسست على الإيمان والتوحيد وتقوى الله تعالى، لقد أوتي سليمان عليه السلام الملك الواسع والسلطان العظيم، بحيث لم يؤت أحد مثلما أوتي، ولكنه أعطى قبل ذلك عطاء...

التنظيم والانضباط في دولة الزنكيين

اهتم عماد الدين زنكي بالجيش اهتماماً كبيراً، وبرز هذا الاهتمام في شكل ووظيفة الدواوين التي كانت تختص بشؤون الجيش والعسكر، وأيضاً في طرق وأساليب عماد الدين زنكي في إدارة المؤسسة العسكرية. 1 ـ الجيش: كانت...

إدارة الشؤون الداخليَّة في خلافة أبو بكر الصديق

أراد الصِّدِّيق ـ رضي الله عنه ـ أن ينفِّذَ السياسة التي رسمها لدولته، واتَّخذ من الصَّحابة الكرام أعواناً يساعدونه على ذلك، فجعل أبا عبيدة بن الجراح أمين هذه الأمَّة (وزير الماليَّة) فأسند إليه شؤون بيت...

حريـة الاعتـقـاد بين الإسلام وغيره من العقائد والمذاهب

يقف الإسلام بين الأديان والمذاهب والفلسفات شامخاً متميزاً في هذا المبدأ الذي قرر فيه حرية التدين، فهو يعلنها صريحة لا مواربة فيها ولا التواء، أنه: {لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ فَمَنْ...

«الأخذ بأسباب الوحدة والاتحاد والاجتماع»

إذا كانت الفرقة هي طريق الانحطاط والضعف، فإن الوحدة هي سبيل الارتقاء وتبوؤ المكانة الفاضلة من جديد. إن اتحاد الأمة الإسلامية على أسس ديننا العظيم أمل كل المسلمين الصادقين في كل مكان، ذلك أن الإسلام...

الشورى في دولة الفاروق

اهتمّ عمرُ بنُ عبد العزيز رحمه الله بتفعيل مبدأ الشورى في خلافته، ومن أقواله في الشورى: «إنَّ المشورةَ والمناظرةَ بابُ رحمةٍ، ومفتاحُ بركةٍ، لا يضلُّ معهما رأيٌ، ولا يفقدُ معهما حزم». وكان أول قرارٍ اتخذه...

أبو بكر الصديق في «بدر الكبرى»

ذكر أهل العلم بالتَّواريخ والسِّيَر أنَّ أبا بكرٍ شهد مع النبيِّ (ﷺ) بدراً، والمشاهد كلَّها، ولم يفته منها مشهدٌ، وثبت مع رسول الله يوم أحدٍ حين انهزم الناسُ، ودفع إليه النبيُّ رايته العظمى يوم تبوك،...

الأخلاق القيادية في شخصية داود عليه السلام

بين القرآن الكريم أن داود عليه السلام كان مجاهداً في جيش طالوت، وممن نجحوا في الامتحان العسير الذي قرّر رئيس الجيش أن يخوضه جميع جنوده فسقط من سقط وعبر من عبر، فقد رفع داود عليه...

دفاع أبي بكر الصديق -- عن النبي ﷺ

كان من صفات الصِّدِّيق التي تميَّز بها: الجرأة، والشَّجاعة، فقد كان لا يهاب أحداً في الحقِّ، ولا تأخذه لومة لائم في نصرة دين الله، والعمل له، والدفاع عن رسوله (ﷺ)، فعن عروة بن الزُّبير، قال:...

«الواحد»

اسم «الواحد» هو اسم من أسماء الله الحسنى التي تدل على تفرده سبحانه وتعالى بالوحدانية، فهو الواحد الذي لا ثاني له، ولا مثيل ولا نظير، وهو الواحد في ألوهيته، فلا معبود بحق سواه، وهو الواحد...

نماذج علمائية ملهمة ابن حزم «إمام أهل الأندلس»

هو الإمامُ والمجتهد الكبير، بحر العلوم، وجامع الفنون، وإمام المذهب الظَّاهريِّ وأبرز أعلامه، الفقيه الحافظ، الأديب الوزير، المؤرِّخ الناقد، العالم الموسوعيُّ، صاحب التَّصانيف الباهرة والأقوال الظَّاهرة، أجمعَ أهلِ الأندلس قاطبةً لعلوم الإسلام، وأوسعَهُم معرفةً، مع...