عدد المقالات 83
كان من صفات الصِّدِّيق التي تميَّز بها: الجرأة، والشَّجاعة، فقد كان لا يهاب أحداً في الحقِّ، ولا تأخذه لومة لائم في نصرة دين الله، والعمل له، والدفاع عن رسوله (ﷺ)، فعن عروة بن الزُّبير، قال: سألت ابن عمرو بن العاص بأن يخبرني بأشدِّ شيءٍ صنعه المشركون بالنبيِّ (ﷺ)، فقال: بينما النبيُّ (ﷺ) يُصلِّي في حجر الكعبة، إذ أقبل عُقْبَة بن أبي مُعَيْطٍ فوضع ثوبه في عنقه، فخنقه خنقاً شديداً، فأقبل أبو بكر حتى أخذ بمنكبيه، ودفعه عن النبيِّ (ﷺ) وقال: ﴿أَتَقْتُلُونَ رَجُلاً أَنْ يَقُولَ رَبِّيَ اللَّهُ﴾ [غافر: 28] (البخاري، رقم: 3856). وفي رواية أنسٍ ـ رضي الله عنه ـ أنَّه قال: لقد ضربوا رسول الله (ﷺ) مرَّةً حتى غُشي عليه، فقام أبو بكر ـ رضي الله عنه ـ فجعل ينادي: ويلكم! أتقتلون رجلاً أن يقول ربي الله (العدوي، 1995، ص 37)؟!. وفي حديث أسماء: فأتى الصَّريخ إلى أبي بكرٍ، فقال: أدرك صاحبك، قالت: فخرج من عندنا وله غدائر أربع، وهو يقول: ويلكم، أتقتلون رجلاً أنْ يقول ربي الله؟! فلهوا عنه، وأقبلوا على أبي بكر، فرجع إلينا أبو بكرٍ، فجعل لا يمسُّ شيئاً من غدائره إلا رجع معه (ابن تيمية، ص 3/4) (فتح الباري، ص 7/169). وأمّا في حديث عليِّ بن أبي طالبٍ ـ رضي الله عنه ـ فقد قام خطيباً، وقال: يا أيُّها الناس! من أشجع الناس؟ فقالوا: أنت يا أميرَ المؤمنين! فقال: أمّا إنِّي ما بارزني أحدٌ إلا انتصفت منه، ولكن هو أبو بكر، إنّا جعلنا لرسول الله (ﷺ) عريشاً، فقلنا: من يكون مع رسول الله (ﷺ) لئلا يهوي عليه أحدٌ من المشركين؟ فوالله ما دنا منه أحدٌ إلا أبو بكر شاهراً بالسَّيف على رأس رسول الله (ﷺ)، لا يهوي إليه أحدٌ إلا أهوى إليه! فهذا أشجع النَّاس. قال: ولقد رأيت رسول الله، وأخذته قريشٌ، فهذا يحاذه، وهذا تلتلة، ويقولون: أنت جعلت الآلهة إلـهاً واحداً، فوالله ما دنا منه أحدٌ إلا أبو بكرٍ، يضرب، ويجاهد هذا، ويتتل هذا، وهو يقول: ويلكم أتقتلون رجلاً أن يقول ربي الله؟! ثمَّ رفع عليٌّ بردةً كانت عليه، فبكى حتّى اخضلَّت لحيته، ثمَّ قال: أنشُدكم الله: أمؤمن آل فرعون خيرٌ أم هو؟ فسكت القوم، فقال عليٌّ: فوالله لساعة من أبي بكرٍ خيرٌ من ملء الأرض من مؤمن آل فرعون! ذاك رجلٌ يكتم إيمانه، وهذا رجلٌ أعلن إيمانه (ابن كثير، 1988، ص3/ 271-272). هذه صورةٌ مشرقةٌ تبيِّن طبيعة الصِّراع بين الحقِّ والباطل، والهُدى والضَّلال، والإيمان والكفر، وتوضِّح ما تحمَّله الصِّدِّيق من الألم والعذاب في سبيل الله تعالى، كما تعطي ملامح واضحةً عن شخصيته الفذَّة، وشجاعته النادرة التي شهد له بها الإمامُ عليٌّ ـ رضي الله عنه ـ في خلافته؛ أي: بعد عقودٍ من الزَّمن، وقد تأثَّر عليٌّ ـ رضي الله عنه ـ حتى بكى، وأبكى. إنَّ الصِّدِّيق ـ رضي الله عنه ـ أوَّلُ من أُوذي في سبيل الله بعد رسول الله (ﷺ)، وأوَّل من دافع عن رسول الله، وأوَّل من دعا إلى الله (ابن قاسم، 1996، ص 29-32)، وكان الذِّراع اليمنى لرسول الله (ﷺ)، وتفرَّغ للدَّعوة، وملازمة رسول الله، وإعانته على من يدخلون الدَّعوة في تربيتهم، وتعليمهم، وإكرامهم، فهذا أبو ذرٍّ ـ رضي الله عنه ـ يقص لنا حديثه عن إسلامه؛ ففيه: (... فقال أبو بكرٍ: ائذَن لي يا رسول الله في طعامه الليلة، وأنه أطعمه من زبيب الطائف (اليحيى، 1996، ص 156). وهكذا كان الصِّدِّيق في وقوفه مع رسول الله يستهين بالخطر على نفسه، ولا يستهين بخطرٍ يصيب النبيَّ (ﷺ) قلَّ أو كثر حيثما رآه واستطاع أن يذود عنه العادين عليه، وإنَّه ليراهم آخذين بتلابيبه فيدخل بينهم وبينه، وهو يصيح بهم: ويلكم ﴿أَتَقْتُلُونَ رَجُلاً أَنْ يَقُولَ رَبِّيَ اللَّهُ﴾ [غافر: 28] فينصرفون عن النبيِّ وينحون عليه يضربونه، ويجذبونه من شعره، فلا يدعونه إلاَّ وهو صديع) (العقاد، ص 87).
إن الله تعالى أظهر في سيرة أحسن الملوك -ذي القرنين- (1)، مفاهيم حضارية وجعل في سيرته دروسًا لكل من أراد أن يحكم بالحق والعدل من الحكام في الناس، فأرشد القرآن الكريم عباده إلى ركائز الحضارة...
تسلم سليمان عليه السلام قيادة الدولة القوية التي أسست على الإيمان والتوحيد وتقوى الله تعالى، لقد أوتي سليمان عليه السلام الملك الواسع والسلطان العظيم، بحيث لم يؤت أحد مثلما أوتي، ولكنه أعطى قبل ذلك عطاء...
اهتم عماد الدين زنكي بالجيش اهتماماً كبيراً، وبرز هذا الاهتمام في شكل ووظيفة الدواوين التي كانت تختص بشؤون الجيش والعسكر، وأيضاً في طرق وأساليب عماد الدين زنكي في إدارة المؤسسة العسكرية. 1 ـ الجيش: كانت...
أراد الصِّدِّيق ـ رضي الله عنه ـ أن ينفِّذَ السياسة التي رسمها لدولته، واتَّخذ من الصَّحابة الكرام أعواناً يساعدونه على ذلك، فجعل أبا عبيدة بن الجراح أمين هذه الأمَّة (وزير الماليَّة) فأسند إليه شؤون بيت...
يقف الإسلام بين الأديان والمذاهب والفلسفات شامخاً متميزاً في هذا المبدأ الذي قرر فيه حرية التدين، فهو يعلنها صريحة لا مواربة فيها ولا التواء، أنه: {لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ فَمَنْ...
إذا كانت الفرقة هي طريق الانحطاط والضعف، فإن الوحدة هي سبيل الارتقاء وتبوؤ المكانة الفاضلة من جديد. إن اتحاد الأمة الإسلامية على أسس ديننا العظيم أمل كل المسلمين الصادقين في كل مكان، ذلك أن الإسلام...
اهتمّ عمرُ بنُ عبد العزيز رحمه الله بتفعيل مبدأ الشورى في خلافته، ومن أقواله في الشورى: «إنَّ المشورةَ والمناظرةَ بابُ رحمةٍ، ومفتاحُ بركةٍ، لا يضلُّ معهما رأيٌ، ولا يفقدُ معهما حزم». وكان أول قرارٍ اتخذه...
ذكر أهل العلم بالتَّواريخ والسِّيَر أنَّ أبا بكرٍ شهد مع النبيِّ (ﷺ) بدراً، والمشاهد كلَّها، ولم يفته منها مشهدٌ، وثبت مع رسول الله يوم أحدٍ حين انهزم الناسُ، ودفع إليه النبيُّ رايته العظمى يوم تبوك،...
بين القرآن الكريم أن داود عليه السلام كان مجاهداً في جيش طالوت، وممن نجحوا في الامتحان العسير الذي قرّر رئيس الجيش أن يخوضه جميع جنوده فسقط من سقط وعبر من عبر، فقد رفع داود عليه...
اسم «الواحد» هو اسم من أسماء الله الحسنى التي تدل على تفرده سبحانه وتعالى بالوحدانية، فهو الواحد الذي لا ثاني له، ولا مثيل ولا نظير، وهو الواحد في ألوهيته، فلا معبود بحق سواه، وهو الواحد...
هو الإمامُ والمجتهد الكبير، بحر العلوم، وجامع الفنون، وإمام المذهب الظَّاهريِّ وأبرز أعلامه، الفقيه الحافظ، الأديب الوزير، المؤرِّخ الناقد، العالم الموسوعيُّ، صاحب التَّصانيف الباهرة والأقوال الظَّاهرة، أجمعَ أهلِ الأندلس قاطبةً لعلوم الإسلام، وأوسعَهُم معرفةً، مع...
إن الله سبحانه وتعالى هو الملك المطلق، الذي لا يُشارك في ملكه أحد، ولا يُعازز في سلطانه مُعَازِزٌ. هو الذي بيده مقاليد السماوات والأرض، يُدبر الأمرَ كله، ويقضي في خلقه بما يشاء، لا رادَّ لقضائه،...