عدد المقالات 83
اهتمّ عمرُ بنُ عبد العزيز رحمه الله بتفعيل مبدأ الشورى في خلافته، ومن أقواله في الشورى: «إنَّ المشورةَ والمناظرةَ بابُ رحمةٍ، ومفتاحُ بركةٍ، لا يضلُّ معهما رأيٌ، ولا يفقدُ معهما حزم». وكان أول قرارٍ اتخذه عمر بعدما وَلِيَ أمرَ المدينة للوليد بن عبد الملك، يتعلق بتطبيق مبدأ الشورى وجعلهِ أساساً في إمارته، حين دعا فقهاء المدينة وكبار علمائها، وجعل منهم مجلساً استشارياً دائماً (النموذج الإداري والمستخلص من إدارة عمر، محمد القحطاني، ص 285). فعندما جاء الناسُ للسلام على الأمير الجديد بالمدينة وصلى، دعا عشرةً من فقهاء المدينة وهم: عروة بن الزبير، وعبيد الله بن عبد الله بن عتبة، وأبو بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام، وأبو بكر بن سليمان بن أبي خيثمة، وسليمان بن يسار، والقاسم بن محمد، وسالم بن عبد الله بن عمر، وأخوه عبد الله بن عبد الله بن عمر، وعبد الله بن عامر بن ربيعة، وخارجة بن زيد بن ثابت، فدخلوا عليه وجلسوا، فحمد الله وأثنى عليه بما هو أهله، ثم قال: «إني دعوتُكم لأمرٍ تؤجرون عليه، وتكونون فيه أعواناً على الحق، إنّي لا أريدُ أن أقطعَ أمراً إلا برأيكم أو برأي من حضرَ منكم، فإن رأيتُم أحداً يتعدّى، أو بلغكم عن عاملٍ لي ظُلامة فأحرِّج الله على منْ بلغه ذلك إلا أبلغني» (موسوعة فقه عمر بن عبد العزيز، قلعجي ص 548)، فقد أحدثَ عمر بن عبد العزيز مجلساً، حدّد صلاحياته بما يلي: 1 ـ أنهم أصحابُ الحقِّ في تقرير الرأي، وأنَّه لا يقطعُ أمراً إلا برأيهم، وبذلك يكون الأميرُ قد تخلّى عن اختصاصاته إلى هذا المجلس، الذي نسمّيه مجلسَ العشرة. 2 ـ أنّه جعلهم مفتّشين على العمل، ورقباء على تصرّفاته، فإذا ما اتصل بعلمهم أو بعلم أحدهم أنَّ عاملاً ارتكبَ ظلامة، فعليهم أن يبلّغوه، وإلا فقد استعدى الله على كاتم الحق. ونلاحظ كذلك أنّ هذا التدبير قد تضمن أمرين: 1- أنَّ الأميرَ عمر بن عبد العزيز لم يخصِّصُ تعويضاً لمجلس العشرة، لأنّهم كانوا من أصحاب العطاء، وبما أنّهم فقهاء، فما ندبهم إليه داخلٌ في صلب اختصاصهم. 2- أنّ عمر افترض غيابَ أحدهم عن الحضور لعذرٍ من الأعذار، ولهذا لم يشترط في تدبيره حضورهم كلهم، وإنّما قال: «أو برأي مَنْ حضرَ منكم» (نظام الحكم في الشريعة والتاريخ الإسلامي، ظافر القاسمي، 1/562). أن هذا المجلس كان يستشار في جميع الأمور دون استثناء. ونستنتج مِنْ هذا أهمية العلماء الربانيين وعلوَّ مكانتهم، وأنَّه يجبُ على صاحب القرار أن يدنيهم ويقرّبهم منه، ويشاورهم في أمور الرعية، كما أن على العلماء أن يلتفّوا حول الصالح من أصحاب القرار من أجل تحقيق أكبر قدرٍ ممكن من المصالح، وتقليل ما يمكن من المفاسد. وكان خطابه رحمه الله عندما تولّى الخلافةَ الآتي: «»أيها الناس، إنِّي قد ابتليتُ بهذا الأمر، من غيرِ رأيٍ كان منِّي فيه، ولا طلبة له، ولا مشورة مِنَ المسلمين، وإنِّي قد خلعتُ ما في أعناقكم من بيعتي، فاختاروا لأنفسكم»». فصاح الناسُ صيحةً واحدةً: قد اخترناك يا أمير المؤمنين، ورضينا بك، فتوَّل أمرَنا باليُمْنِ والبركة. وبذلك خرج عمرُ من مبدأ توريثِ الولاية، الذي تبنّاه معظم خلفاء بني أمية إلى مبدأ الشورى والانتخاب، ولم يكتفِ عمرُ باختياره ومبايعة الحاضرين له، بل اهتم برأي المسلمين في الأمصار الأخرى ومشورتهم. وقد كتبَ إلى الأمصار الإسلامية فبايعتْ كلَّها، وممن كتب لهم يزيد بن المهلب يطلبُ إليه البيعة بعد أنْ أوضحَ له أنّه في الخلافة ليسَ براغبٍ، فدعا يزيدُ الناس إلى البيعة فبايعوا، وبذلك يتّضح أنّه لم يكتفِ بمشورةِ مَنْ حوله، بل امتدَّ الأمرُ إلى جميع أمصار المسلمين. ونستنتج من موقف عمر هذا ما يلي: 1 ـ أنَّ عمرَ كشف النقابَ عن عدمِ موافقةِ الأصول الشرعية في تولِّي معظمِ الخلفاء الأمويين. 2 ـ حرصَ عمر على تطبيق مبدأ الشورى في أمرٍ يخصُّه هو أولاً، ألا وهو تولّيه الخلافة. 3 ـ أنَّ مَنْ طبَّق مبدأ الشورى في أمرٍ مثل تولي الخلافة حريٌّ بتطبيقه فيما سواه. وقد حرص عمر على إصلاح بطانته لمّا تولى الخلافة، فقرّب إلى مجلسه العلماء وأهل الصلاح، وأقصى عنه أهلَ المصالح الدنيوية، والمنافعَ الخاصة.
إن الله تعالى أظهر في سيرة أحسن الملوك -ذي القرنين- (1)، مفاهيم حضارية وجعل في سيرته دروسًا لكل من أراد أن يحكم بالحق والعدل من الحكام في الناس، فأرشد القرآن الكريم عباده إلى ركائز الحضارة...
تسلم سليمان عليه السلام قيادة الدولة القوية التي أسست على الإيمان والتوحيد وتقوى الله تعالى، لقد أوتي سليمان عليه السلام الملك الواسع والسلطان العظيم، بحيث لم يؤت أحد مثلما أوتي، ولكنه أعطى قبل ذلك عطاء...
اهتم عماد الدين زنكي بالجيش اهتماماً كبيراً، وبرز هذا الاهتمام في شكل ووظيفة الدواوين التي كانت تختص بشؤون الجيش والعسكر، وأيضاً في طرق وأساليب عماد الدين زنكي في إدارة المؤسسة العسكرية. 1 ـ الجيش: كانت...
أراد الصِّدِّيق ـ رضي الله عنه ـ أن ينفِّذَ السياسة التي رسمها لدولته، واتَّخذ من الصَّحابة الكرام أعواناً يساعدونه على ذلك، فجعل أبا عبيدة بن الجراح أمين هذه الأمَّة (وزير الماليَّة) فأسند إليه شؤون بيت...
يقف الإسلام بين الأديان والمذاهب والفلسفات شامخاً متميزاً في هذا المبدأ الذي قرر فيه حرية التدين، فهو يعلنها صريحة لا مواربة فيها ولا التواء، أنه: {لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ فَمَنْ...
إذا كانت الفرقة هي طريق الانحطاط والضعف، فإن الوحدة هي سبيل الارتقاء وتبوؤ المكانة الفاضلة من جديد. إن اتحاد الأمة الإسلامية على أسس ديننا العظيم أمل كل المسلمين الصادقين في كل مكان، ذلك أن الإسلام...
ذكر أهل العلم بالتَّواريخ والسِّيَر أنَّ أبا بكرٍ شهد مع النبيِّ (ﷺ) بدراً، والمشاهد كلَّها، ولم يفته منها مشهدٌ، وثبت مع رسول الله يوم أحدٍ حين انهزم الناسُ، ودفع إليه النبيُّ رايته العظمى يوم تبوك،...
بين القرآن الكريم أن داود عليه السلام كان مجاهداً في جيش طالوت، وممن نجحوا في الامتحان العسير الذي قرّر رئيس الجيش أن يخوضه جميع جنوده فسقط من سقط وعبر من عبر، فقد رفع داود عليه...
كان من صفات الصِّدِّيق التي تميَّز بها: الجرأة، والشَّجاعة، فقد كان لا يهاب أحداً في الحقِّ، ولا تأخذه لومة لائم في نصرة دين الله، والعمل له، والدفاع عن رسوله (ﷺ)، فعن عروة بن الزُّبير، قال:...
اسم «الواحد» هو اسم من أسماء الله الحسنى التي تدل على تفرده سبحانه وتعالى بالوحدانية، فهو الواحد الذي لا ثاني له، ولا مثيل ولا نظير، وهو الواحد في ألوهيته، فلا معبود بحق سواه، وهو الواحد...
هو الإمامُ والمجتهد الكبير، بحر العلوم، وجامع الفنون، وإمام المذهب الظَّاهريِّ وأبرز أعلامه، الفقيه الحافظ، الأديب الوزير، المؤرِّخ الناقد، العالم الموسوعيُّ، صاحب التَّصانيف الباهرة والأقوال الظَّاهرة، أجمعَ أهلِ الأندلس قاطبةً لعلوم الإسلام، وأوسعَهُم معرفةً، مع...
إن الله سبحانه وتعالى هو الملك المطلق، الذي لا يُشارك في ملكه أحد، ولا يُعازز في سلطانه مُعَازِزٌ. هو الذي بيده مقاليد السماوات والأرض، يُدبر الأمرَ كله، ويقضي في خلقه بما يشاء، لا رادَّ لقضائه،...