عدد المقالات 83
هو الإمامُ والمجتهد الكبير، بحر العلوم، وجامع الفنون، وإمام المذهب الظَّاهريِّ وأبرز أعلامه، الفقيه الحافظ، الأديب الوزير، المؤرِّخ الناقد، العالم الموسوعيُّ، صاحب التَّصانيف الباهرة والأقوال الظَّاهرة، أجمعَ أهلِ الأندلس قاطبةً لعلوم الإسلام، وأوسعَهُم معرفةً، مع توسُّعه في علم اللِّسان، ووفور حظِّه من البلاغة، والمعرفة بالسِّيَر والأخبار، الإمام أبو محمَّدٍ عليُّ بن أحمد بن سعيد بن حزمٍ الأندلسيُّ، الشَّهير بابن حزم الظاهري. أولاً: مولده اسمه ونسبه: هو علي بن أحمد بن سعيد بن حزم بن غالب بن صالح بن خلف بن معدان بن سفيان بن يزيد. ولد أبو محمد قبل طلوع الشمس، آخر ليلة الأربعاء آخر يوم من شهر رمضان من سنة (٣٨٤هـ)، وقد كانت ولادته بقرطبة. ويرى معظم من ترجم له أنه فارسي الأصل، وأن جده الأقصى يزيد هو أول من أسلم من أجداده، وأنه مولى ليزيد بن أبي سفيان. ووصف الحافظ الذهبي (رحمه الله) نشأة ابن حزم فقال: «نشأ في تنعم ورفاهية، ورزق ذكاء مفرطاً، وذهناً سيالاً، وكتباً نفيسة كثيرة»، وهذا يحدد العوامل المساعدة لابن حزم على تلقي العلم، من غنىً يتيح له التفرغ لطلب العلم إلى ذكاءٍ متوقد وحافظة قوية، إلى مكتبة ينهل منها. وقد اتجه ابن حزمٍ في بداية أمره إلى دراسة الفقه المالكي، باعتباره المذهب السائد بالأندلس، فقد ثبتَ عنه أنه درس الموطأ على أبي عبد الله بن دحون، فبدأ بدراسته نحو ثلاثة أعوام وبدأ بالمناظرة، ثم انتقل بعد ذلك (رحمه الله) إلى مذهب محمد بن إدريس الشافعيّ، وناضل عن مذهبه وانحرف عن مذهبِ سواه، حتى وسم به ونسب إليه (معجم الأدباء، مرجع سابق، ج4 ص1652). ويبدو أنه وجد في المذهب الشافعي ما يتماشى مع منهجه في تعظيم النصوص، والتمسك بها، فانتقل إليه وتبناهُ. إلا أن هذا الانتقال سرعان ما تبعهُ انتقال آخر إلى المذهب الظاهري، وكان آخِرَ ما استقر عليه في حياته، يقول ياقوت الحموي: «ثم عدل في الآخر إلى قول أصحاب الظاهر مذهب داود بن علي ومن اتبعه من فقهاء الأمصار، فنقّحه ونهجه وجادل عنه ووضع الكتب في بسطه وثبت عليه إلى أن مضى لسبيله» (معجم الأدباء، مرجع سابق، ج4 ص1655). ومن المعروف أن أبا محمد بن حزم كان موسوعي الثقافة، متعدد جوانب المعرفة، فهو الفقيه والأصولي التحرير، وهو المحدث المدقق، وهو المنطقي البارع، وهو اللغوي، وهو الشاعر المجيد، وهو المؤرخ الأمين، وهو التربوي والمربي الدارس لأغوار النفس، والمدرك لحقيقتها بحسب الطاقة البشرية، إلى غير ذلك. وعرف ابن حزم بالمحدث عند مترجميه، فقد وصفه ابن ماكولا بأنه: «حافظاً للحديث مصنفاً فيه» (جذوة المقتبس، للإمام عبد الله الحميدي، ص308). وهو محدث كبير وقد كان من عادته في كتبه نقد الأحاديث التي يرويها بسنده، بذكر الكلام في رواتها، ولا شك أن هناك عدداً لا يستهان به قد تكلم فيه ابن حزم في كتبه جرحاً وتعديلاً، وقد أغرى هذا المعاصرين على جمع الرواة الذين تكلم فيهم ابن حزم، فكان عددهم ثمانين رجلاً، ولا شك أن هذا عدد لا يستهان به لرجل ناقد تكلم فيما يقارب ألف رجل (ابن حزم خلال ألف عام، مرجع سابق، ج4 ص8). - ابن حزم الفقيه: بنى ابن حزم اجتهاده على أصول محددة، قد نص عليها في كتبه في الأصول، وقد اعتمد عليها في كتابه (المحلى)، يقول أبو محمد بن حزم (رحمه الله): «لا يحل لأحد أن يفتي، ولا أن يقضي، ولا أن يعمل في الدين إلا بنص قرآن، أو نص حكم صحيح عن رسول الله، أو إجماع متيقن من أولي أمر منا لا خلاف فيه من أحد منهم». واعتمد ابن حزم، على الكتاب والسنة والإجماع؛ وهو فقيه شديد المراس، ولا شك أن من جاء بعده قد تأثر به، ونسج على منواله، كما أن بعضاً من أهل العلم قد نكب عن طريقه، وأساء الظن به وإن كان الخطب في الخلاف يسيراً، وقد تأثر أئمة أعلام بآراء ابن حزم الفقهية. ومن جوانب نبوغ ابن حزم معرفته بالتاريخ وبحثه فيه، وقد وصفه مترجموه بذلك، يقول الدكتور عبد الكريم خليفة: «أما في مجال التاريخ والأخبار، فابن حزم مؤرخ مبرز، واسع الاطلاع، عميق المعرفة، درس تاريخ مختلف الشعوب في المشرق والمغرب، وكان له إلمام واسع بحوادث الأندلس مما جعل تلميذه الحميدي يروي عنه معظم الحوادث والأخبار في كتابه (جذوة المقتبس)، وهذا يلقي ضوءاً على ثقافته التاريخية، وماله فيها من باع طويل، كما يدل على مقدرته في النقد والتمييز. ولابن حزم معرفة بعلم الأنساب، فقد صنف فيه كتابه «جمهرة أنساب العرب»، وقد قال في مقدمته: فجمعنا في كتابنا هذا تواشج أرحام قبائل العرب، وتفرع بعضها من بعض، وذكرنا من أعيان كل قبيلة مقداراً يكون من وقف عليه خارجاً من الجهل بالأنساب، ومشرفاً على جمهرتها»، وعن أهمية الأنساب يقول (رحمه الله): «فوجب بذلك أن علم النسب علم جليل رفيع، إذ به يكون التعارف (جمهرة أنساب العرب، للإمام ابن حزم، ج1 ص6). وفيما يتعلق بمعرفته بالسيرة النبوية، صنف ابن حزم فيها تصنيفاً، وقد كان كتابه (جوامع السيرة) نموذجاً طريفاً للتأليف في السيرة، وغادر أبو محمد ابن حزم (رحمه الله) إشبيلية إلى قريته (منت ليشم) التي كان يمتلكها ويتردد عليها، وظل بها يمارس التصنيف والتدريس حتى وافته المنية عشية يوم الأحد 28 شعبان 456 هـ /15 يوليو 1063 م (سير أعلام النبلاء، مرجع سابق، ج18 ص211).
إن الله تعالى أظهر في سيرة أحسن الملوك -ذي القرنين- (1)، مفاهيم حضارية وجعل في سيرته دروسًا لكل من أراد أن يحكم بالحق والعدل من الحكام في الناس، فأرشد القرآن الكريم عباده إلى ركائز الحضارة...
تسلم سليمان عليه السلام قيادة الدولة القوية التي أسست على الإيمان والتوحيد وتقوى الله تعالى، لقد أوتي سليمان عليه السلام الملك الواسع والسلطان العظيم، بحيث لم يؤت أحد مثلما أوتي، ولكنه أعطى قبل ذلك عطاء...
اهتم عماد الدين زنكي بالجيش اهتماماً كبيراً، وبرز هذا الاهتمام في شكل ووظيفة الدواوين التي كانت تختص بشؤون الجيش والعسكر، وأيضاً في طرق وأساليب عماد الدين زنكي في إدارة المؤسسة العسكرية. 1 ـ الجيش: كانت...
أراد الصِّدِّيق ـ رضي الله عنه ـ أن ينفِّذَ السياسة التي رسمها لدولته، واتَّخذ من الصَّحابة الكرام أعواناً يساعدونه على ذلك، فجعل أبا عبيدة بن الجراح أمين هذه الأمَّة (وزير الماليَّة) فأسند إليه شؤون بيت...
يقف الإسلام بين الأديان والمذاهب والفلسفات شامخاً متميزاً في هذا المبدأ الذي قرر فيه حرية التدين، فهو يعلنها صريحة لا مواربة فيها ولا التواء، أنه: {لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ فَمَنْ...
إذا كانت الفرقة هي طريق الانحطاط والضعف، فإن الوحدة هي سبيل الارتقاء وتبوؤ المكانة الفاضلة من جديد. إن اتحاد الأمة الإسلامية على أسس ديننا العظيم أمل كل المسلمين الصادقين في كل مكان، ذلك أن الإسلام...
اهتمّ عمرُ بنُ عبد العزيز رحمه الله بتفعيل مبدأ الشورى في خلافته، ومن أقواله في الشورى: «إنَّ المشورةَ والمناظرةَ بابُ رحمةٍ، ومفتاحُ بركةٍ، لا يضلُّ معهما رأيٌ، ولا يفقدُ معهما حزم». وكان أول قرارٍ اتخذه...
ذكر أهل العلم بالتَّواريخ والسِّيَر أنَّ أبا بكرٍ شهد مع النبيِّ (ﷺ) بدراً، والمشاهد كلَّها، ولم يفته منها مشهدٌ، وثبت مع رسول الله يوم أحدٍ حين انهزم الناسُ، ودفع إليه النبيُّ رايته العظمى يوم تبوك،...
بين القرآن الكريم أن داود عليه السلام كان مجاهداً في جيش طالوت، وممن نجحوا في الامتحان العسير الذي قرّر رئيس الجيش أن يخوضه جميع جنوده فسقط من سقط وعبر من عبر، فقد رفع داود عليه...
كان من صفات الصِّدِّيق التي تميَّز بها: الجرأة، والشَّجاعة، فقد كان لا يهاب أحداً في الحقِّ، ولا تأخذه لومة لائم في نصرة دين الله، والعمل له، والدفاع عن رسوله (ﷺ)، فعن عروة بن الزُّبير، قال:...
اسم «الواحد» هو اسم من أسماء الله الحسنى التي تدل على تفرده سبحانه وتعالى بالوحدانية، فهو الواحد الذي لا ثاني له، ولا مثيل ولا نظير، وهو الواحد في ألوهيته، فلا معبود بحق سواه، وهو الواحد...
إن الله سبحانه وتعالى هو الملك المطلق، الذي لا يُشارك في ملكه أحد، ولا يُعازز في سلطانه مُعَازِزٌ. هو الذي بيده مقاليد السماوات والأرض، يُدبر الأمرَ كله، ويقضي في خلقه بما يشاء، لا رادَّ لقضائه،...