عدد المقالات 83
يقف الإسلام بين الأديان والمذاهب والفلسفات شامخاً متميزاً في هذا المبدأ الذي قرر فيه حرية التدين، فهو يعلنها صريحة لا مواربة فيها ولا التواء، أنه: {لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى لاَ انْفِصَامَ لَهَا وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} [البقرة: 256]. فالإسلام من منطلق الثقة بصدق الدعوة، ورجحان الكفة، وتكامل الرسالة، ووضوح الحجة، وانتصاف العقل، واكتمال الأدلة؛ لا يكره أحداً على الدخول في عقيدته، أو الإيمان بدعوته. (حقوق الإنسان بين التطبيق والضياع، د. محمود عمار، ص298) وفي هذا المبدأ يتجلى تكريم الله للإنسان، واحترام إرادته وفكره ومشاعره، وترك أمره لنفسه فيما يختص بالهدى والضلال في الاعتقاد، وتحميله تبعة عمله وحساب نفسه، وهذه من أخص خصائص التحرر الإنساني، تنكره على الإنسان في القرن العشرين مذاهب متعسفة ونظم مذلة، لا تسمح لهذا الكائن الذي كرمه الله ـ باختياره لعقيدته ـ أن ينطوي ضميره على تصور للحياة ونظمها غير ما تمليه عليه الدولة بشتى أجهزتها التوجيهية، فإما أن يعتنق مذهب الدولة، وإما أن يتعرض للموت بشتى الوسائل والأسباب. إن حرية الاعتقاد هي أول حقوق (الإنسان) التي يثبت له بها وصف إنسان، فالذي يسلب إنساناً حرية الاعتقاد، إنما يسلبه إنسانيته ابتداءً، والإسلام ـ هو أرقى تصور للوجود وللحياة ـ وهو الذي ينادي بأن لا إكراه في الدين، ويمنع أصحابه ـ قبل سواهم ـ من إكراه الناس على هذا الدين، فكيف بالمذاهب والنظم الأرضية القاصرة المتعسفة، وهي لا تسمح لمن يخالفها بالحياة؟ والتعبير ـ في الآية:{لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ} ـ يرد في صورة النفي المطلق نفي الجنس، أي نفس جنس الإكراه ابتداء، فهو يستعبده من عالم الوجود والوقوع، وليس مجرد نهي عن مزاولته، والنهي في صورة النفي ـ والنفي للجنس ـ أعمق إيقاعاً، وآكد دلالة. وصحيح أن الإسلام حارب أعداءه، ورفع السيف في وجه مخالفيه، دفاعاً عن النفس، أو تكسيراً للحدود التي تحول دون وصول الدعوة، وتحطيماً للأقفاص الكبيرة التي سجنت فيها الشعوب، فمنعت التواصل الفكري، ولكنه يقف عند هذا الحد، ولا يتجاوزه، ولا يتدخل في قلوب الناس وعقولهم إلا بالمنطق والإقناع {وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} [النحل: 125]. ويترك بعد ذلك مطلق الحرية في الاختبار والتسليم، وقبول الدعوة، وعدم الإكراه. فيلمس الضمير البشري لمسة توقظه وتشوقه إلى الهدى، وتهديه إلى الطريق، وتبين الإيمان الذي أعلن أن الدعوة أصبحت واضحة، وأنضجت سماتها، وأثبتت رجحان كفتها وغلبة منطقها، وما تمنحه للإدراك البشري من تصور وطمأنينة وسلام، وما تثيره في النفس البشرية من اهتمامات رفيعة ومشاعر نظيفة: {فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى لاَ انْفِصَامَ لَهَا وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} [البقرة: 256]. وما قيمة إسلام أو إيمان يفرض على صاحبه ، فيتظاهر بالقول، ويدعي الموافقة وقلبه مليء بالحقد والعداوة والكيد والتدبير، إن ضرره أكثر من نفعه، وخطره أقوى من خيره، وخوفه أقرب من أمنه. ولما كانت حرية الاعتقاد حقّاً من حقوق الإنسان، وقراراً شخصيّاً يتحمل المرء تبعاته؛ كان القرآن الكريم صريحاً صراحة تامة في مواجهة الناس بهذه الحقيقة ليختاروا بمحض إرادتهم، وترك الباب أمامهم مفتوحاً. ولا يملك أحد الضغط على الناس، أو إكراههم على الإيمان حتى ولو كان الرسول صلى الله عليه وسلم ـ صاحب الدعوة ـ كما في قوله تعالى: {وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لآَمَنَ مَنْ فِي الأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعًا أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ} [يونس: 99]. ومبدأ الإكراه مرفوض من الأصل، ولا يتوقع لأحد يفهم رسالة الإسلام أن يمارسه؛ لأنه يخالف طبيعة الدعوة، ويناقض أهداف الرسالة، ولو شاء ربك لخلق هذا الجنس البشري خلقة أخرى، فجعله لا يعرف إلا طريق الإيمان كالملائكة.
إن الله تعالى أظهر في سيرة أحسن الملوك -ذي القرنين- (1)، مفاهيم حضارية وجعل في سيرته دروسًا لكل من أراد أن يحكم بالحق والعدل من الحكام في الناس، فأرشد القرآن الكريم عباده إلى ركائز الحضارة...
تسلم سليمان عليه السلام قيادة الدولة القوية التي أسست على الإيمان والتوحيد وتقوى الله تعالى، لقد أوتي سليمان عليه السلام الملك الواسع والسلطان العظيم، بحيث لم يؤت أحد مثلما أوتي، ولكنه أعطى قبل ذلك عطاء...
اهتم عماد الدين زنكي بالجيش اهتماماً كبيراً، وبرز هذا الاهتمام في شكل ووظيفة الدواوين التي كانت تختص بشؤون الجيش والعسكر، وأيضاً في طرق وأساليب عماد الدين زنكي في إدارة المؤسسة العسكرية. 1 ـ الجيش: كانت...
أراد الصِّدِّيق ـ رضي الله عنه ـ أن ينفِّذَ السياسة التي رسمها لدولته، واتَّخذ من الصَّحابة الكرام أعواناً يساعدونه على ذلك، فجعل أبا عبيدة بن الجراح أمين هذه الأمَّة (وزير الماليَّة) فأسند إليه شؤون بيت...
إذا كانت الفرقة هي طريق الانحطاط والضعف، فإن الوحدة هي سبيل الارتقاء وتبوؤ المكانة الفاضلة من جديد. إن اتحاد الأمة الإسلامية على أسس ديننا العظيم أمل كل المسلمين الصادقين في كل مكان، ذلك أن الإسلام...
اهتمّ عمرُ بنُ عبد العزيز رحمه الله بتفعيل مبدأ الشورى في خلافته، ومن أقواله في الشورى: «إنَّ المشورةَ والمناظرةَ بابُ رحمةٍ، ومفتاحُ بركةٍ، لا يضلُّ معهما رأيٌ، ولا يفقدُ معهما حزم». وكان أول قرارٍ اتخذه...
ذكر أهل العلم بالتَّواريخ والسِّيَر أنَّ أبا بكرٍ شهد مع النبيِّ (ﷺ) بدراً، والمشاهد كلَّها، ولم يفته منها مشهدٌ، وثبت مع رسول الله يوم أحدٍ حين انهزم الناسُ، ودفع إليه النبيُّ رايته العظمى يوم تبوك،...
بين القرآن الكريم أن داود عليه السلام كان مجاهداً في جيش طالوت، وممن نجحوا في الامتحان العسير الذي قرّر رئيس الجيش أن يخوضه جميع جنوده فسقط من سقط وعبر من عبر، فقد رفع داود عليه...
كان من صفات الصِّدِّيق التي تميَّز بها: الجرأة، والشَّجاعة، فقد كان لا يهاب أحداً في الحقِّ، ولا تأخذه لومة لائم في نصرة دين الله، والعمل له، والدفاع عن رسوله (ﷺ)، فعن عروة بن الزُّبير، قال:...
اسم «الواحد» هو اسم من أسماء الله الحسنى التي تدل على تفرده سبحانه وتعالى بالوحدانية، فهو الواحد الذي لا ثاني له، ولا مثيل ولا نظير، وهو الواحد في ألوهيته، فلا معبود بحق سواه، وهو الواحد...
هو الإمامُ والمجتهد الكبير، بحر العلوم، وجامع الفنون، وإمام المذهب الظَّاهريِّ وأبرز أعلامه، الفقيه الحافظ، الأديب الوزير، المؤرِّخ الناقد، العالم الموسوعيُّ، صاحب التَّصانيف الباهرة والأقوال الظَّاهرة، أجمعَ أهلِ الأندلس قاطبةً لعلوم الإسلام، وأوسعَهُم معرفةً، مع...
إن الله سبحانه وتعالى هو الملك المطلق، الذي لا يُشارك في ملكه أحد، ولا يُعازز في سلطانه مُعَازِزٌ. هو الذي بيده مقاليد السماوات والأرض، يُدبر الأمرَ كله، ويقضي في خلقه بما يشاء، لا رادَّ لقضائه،...