alsharq

د. فيصل بن جاسم آل ثاني

عدد المقالات 58

سلسلة صراع المشاريع مقدمة تمهيدية

21 نوفمبر 2013 , 12:00ص

مع نهاية القرن الثالث وبداية القرن الرابع هجري كان الجزء العربي من العالم الإسلامي على موعد مع مرحلة من أخطر وأدق مراحل التاريخ السياسي في المنطقة؛ حيث كان مسرحا لصراع قاسٍ بين عدة مشاريع معادية ذات أهداف سياسية وعقدية كبرى لقوى عنيفة رمت بكل ثقلها من أجل الهيمنة على المنطقة سياسيا وعقديا. وقد صاحب هذا الصراع الشرس ارتكاب مجازر وفظائع لا تقل –إن لم تزد- عما نراه يُرتكب اليوم في سوريا والعراق وما سبق ورأيناه في البوسنة والهرسك. ولو أردنا الدخول في التفاصيل قليلاً للتعريف بهذه المشاريع نقول إنها كالتالي: - المشروع الباطني كما سماه الإمام الغزالي (ت:505هـ) في كتابه «فضائح الباطنية»؛ وهو مشروع منفصل عقديا عن الأمة ودخيل عليها؛ حيث يبني عقائده على خليط من مُخلفات الأمم الأخرى ويقوم مشروعه على عداوة الأمة والطعن على رموزها من الصحابة وأمهات المؤمنين، وينحو تأويل كل ما ورد في القرآن تأويلات بعيدة عن المعنى الصحيح ويستبدله بمعاني ضالة ومنكرة. وقد نشأ هذا المشروع نشأة سرية قبل أن يتحول إلى دول مُهيمنة على أجزاء كبيرة من العالم الإسلامي؛ وكان أهم تجلياته دولة القرامطة والدولة الفاطمية العبيدية، وقد مارست هذه الدول أبشع المجازر وأشغلت العالم الإسلامي بنفسه وأوهنت من قوته وهدَّت من حيويته وتماسكه. - المشروع الصليبي الذي دعا إليه وحرض عليه البابا «أوربان الثاني» في أوروبا (1095م) ومن خلاله أثار العداوة ضد الوثنيين (المسلمين) المحتلين لما يراه أماكن مسيحية مقدسة، كما أخذ يثير الأطماع بخيرات الشرق الذي يزخر بالثروات، فاستجاب لدعوته وتحريضه الكثير من ملوك أوروبا؛ فجاءت الحملات الصليبية المتتابعة تحمل معها الموت والخراب لتحتل أجزاء من بلاد الشام وتؤسس فيها دويلات صليبية، وتوجت تلك الحملات باحتلال القدس الشريف. - وأما المشروع الثالث فهو المشروع الوثني المغولي الذي جاء في وقت كانت فيه الأمة مُنهَكة من الصراعات الداخلية مع الباطنيين ومن حربها مع الغزاة الخارجيين (الصليبيين)، وكان هذا المشروع أشرس وأعنف من كل ما سبقه بالقتل والدمار والخراب؛ إذ بلغت أعداد القتلى في البلاد التي احتلها أرقاما قياسية، حتى صار مجرد ذكر اسم المغول يثير الرعب والهلع في طول البلاد الإسلامية وعرضها، وقد بلغ المغول أقصى وحشيتهم في مأساة سقوط بغداد الشهيرة سنة 656هـ. لقد تكالبت القوى المعادية على الأمة الإسلامية في وقت واحد تقريبا؛ في وقت ضعفت فيه الخلافة العباسية وأصبحت أقرب إلى الجثة المحنطة التي لا روح فيها ولا حياة ولا قوة؛ حيث يستنجد بها المسلمون فلا تستطيع أن تُغيثهم أو تدافع عنهم وتحميهم. وإن الناظر إلى واقعنا اليوم في العالم العربي يرى زمانا يتشابه مع تلك المرحلة التاريخية الخطيرة تشابهاً كبيراً يكاد يبلغ حد التطابق؛ فالمشروع الصفوي وعملاؤه في المنطقة الذي كشفت عن وجهه القبيح الثورة السورية، وأسقطت عنه قناع التقية عند جميع المسلمين، وكذبت دعوى المقاومة التي كان يتقمصها؛ حيث ولى ظهره لإسرائيل وتوجه بكل ثقله إلى بلاد الشام لقتل المدنيين والنساء العزل. وأما المشروع الثاني اليوم فهو المشروع الغربي الإسرائيلي الذي يُقطِّع أوصال الأمة ويقمع كل حركة تحرر ونهوض ويفرض سيطرته من خلال مؤسسات دولية عدة. وأما المشروع الثالث وهو المشروع الوثني فأقرب ما يمثله في هذا العصر دولة الصين؛ حيث إنها في صراع محموم مع الزمن لبناء قدراتها الاقتصادية وحتى العسكرية، ويرى الكثير من المفكرين والسياسيين بأنها مرشحة لتكون الدولة العظمى القادمة للعالم. إن قراءة التاريخ ودراسة أحداثه دراسة تحليلية لاستخلاص الدروس والعبر أمر يدل عليه العقل السليم ويدعو إليه القرآن الكريم، فقد قال تعالى مرشداً إلى تدبر مآلات أقوام سابقين: «وَإِنَّكُمْ لَتَمُرُّونَ عَلَيْهِمْ مُصْبِحِينَ وَبِاللَّيْلِ أَفَلَا تَعْقِلُونَ»، وقال سبحانه: «لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِأُولِي الْأَلْبَابِ». هذا ويعتبر مقال اليوم مقدمة لسلسلة متتابعة من المقالات التي ستُفرد لكل مشروع من مشاريع الصراع المذكورة مساحة كافية للحديث عنه والتعريف؛ علما أن موضوعا بهذا الحجم لا يكفي فيه مقال ولا مجموعة مقالات، ولكن ومن باب «ما لا يُدرك كُلّه لا ترك جُلّه» فسلسلة «صراع المشاريع» مجرد محاولة لتقريب الصورة ونشر الوعي من خلال استقراء للماضي واستشراف للأحداث القادمة ومحاولة تقديم تصور وأفكار إيجابية وبناء بهدف توسيع مداركنا وإمدادنا أثناء التعامل مع هذا الواقع. قال الشاعر: اقرأ التاريخَ إذْ فيه العِبر ضلَّ قومٌ ليس يَدرون الخبر

استثمار في العباقرة

في ربيع الأول من سنة 41 هـ تنازل الحسن بن علي بن أبي طالب رضي الله عنهما إلى معاوية بن أبي سفيان عن الخلافة, وعلق المؤرخ ابن كثير على هذه الحادثة قائلاً: «وذلك كمال ثلاثين...

صانع الفرق

في العام الثامن للهجرة أرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم سرية في قرابة ثلاثة آلاف فارس إلى البلقاء من أرض الشام لمقاتلة جيش يعد يومئذ أقوى جيوش العالم وأمر عليهم زيد بن حارثة، وقال‏:‏...

صانع الملوك

في يوم من الأيام بحدود 350 قبل الميلاد وقبل غروب الشمس كان فيلسوف الهند الكبير «شاناكيا» -وله أسماء أخرى اشتهر بها مثل «فشنوجوتبا» و «كاوتيليا»- يراقب باهتمام مجموعة من الصبية يلعبون؛ فلفت نظره أن أحد...

للنجاح معنى آخر

كان يُعرف بالفتى المُدَلَّل؛ فكان لا يلبس الثوب الواحد ليومين مُتتاليين، وكان له عِطر يُعرف به بسبب نَشْأته في أحضان أم مُترَفة فعاش في يُسر وسعة. اختار ابن الدار الواسعة السير في طريق الإسلام الشاقة،...

إدارة القلق

في العقد الأخير من القرن التاسع عشر(1890م) كان هناك شاب في العشرين من عمره يعمل لدى شركة «بوفالو فورج» في «بونالو» بنيويورك، وَعُيِّن في قسم آلات تزويد الغاز في مصنع تابع لشركة «بيتسبرج بلايت جلاس»...

صراع المشاريع الخاتمة: المشروع المنشود

جاءت قريش وشكت النبي إلى أبي طالب فكان جوابه عليه السلام لعمه وهم يسمعون: «يا عم، إني أريدهم على كلمة واحدة يقولونها، تدين لهم بها العرب، وتؤدي إليهم بها العجم الجزية»، ففزعوا لكلمته ولقوله، فقالوا:...

صراع المشاريع الحادي عشر: القراءة الواعية للتاريخ

لقد سرنا سوياً في هذه السلسلة التاريخية والفكرية المسماة «صراع المشاريع» برحلة طويلة من الزمن، حيث بدأنا في الحلقة الأولى من نهاية القرن الهجري الثالث إلى أن وقفنا في الحلقة العاشرة عند القرن الثامن الهجري،...

صراع المشاريع عاشراً: نهاية المشروع الصليبي

كان المشروع الصليبي أطولَ المشاريع المعادية للأمة عُمرا وأكثرَها استنزافا لطاقتها وإرهاقا لها، وقد استمر فترة طويلة من الزمن تعاقبت على حربه دولٌ إسلامية كثيرة حتى قدَّر الله سبحانه أن تكون نهاية وجودهم كإمارات وحكام...

صراع المشاريع: الأيوبيون ما بعد صلاح الدين

تُعتبر مرحلة الأيوبيين ما بعد «صلاح الدين» من أهم مراحل الصراع بين المشروع الإسلامي والمشروع الصليبي الذي أبى أن يَفتُر أو يستسلم؛ بل شنَّ أربع حملات متتاليةً وشرسة. والحقيقة أن «صلاح الدين الأيوبي» بما تميز...

صراع المشاريع ثامناً: وقفة تأمل

بوفاة الملك الناصر «صلاح الدين الأيوبي» رحمه الله عام589هـ يكون قد مضى على بدء ملحمة صراع المشاريع مرحلة زمنية كبيرة نسبياً تقارب الثلاثة قرون، وذلك إذا قدَّرنا بداية الصراع بظهور أول دولة للمشروع الباطني وهي...

صراع المشاريع سابعاً: الملك النبيل

يستمرصراع المشاريع ليتجاوز القرون من الزمن، والأمة من حرب إلى حرب، ومن صراع إلى صراع، تسطر ملحمة حضارية حافلة بالانتصارات والهزائم والأفراح والآلام توجتها البطولات التاريخية التي قادتها إلى نصر حضاري قبل أن يكون عسكريا...

صراع المشاريع 6 - قمةُ المجد

قال المؤرخ ابن الأثير: «طالعتُ سير الملوك المتقدمين فلم أر بعد الخلفاء الراشدين وعمر بن عبدالعزيز أحسن سيرة ولا أكثر تحريا للعدل منه، وهو أول من ابتنى دارا للعدل وكان يجلس فيها أربع مرات أسبوعيا...