آلام غزة والدور المأمول

طلب نور الدين زنكي العون من أمراء الأطراف تقديم العون له لفتح مدينة حارم المعروفة بحصانتها الشديدة ولتحرير أهلها من ظلم الصليبيين، وذلك سنة 559هـ. وكان ممن أرسل إليهم طالباً النجدة فخر الدين أرسلان الأرتقي حاكم حصن كِيفَا في ديار بكر، فلما وصلته الرسالة قال له ندماؤه وخواصه: على أي شيء عزمت؟ فقال: عزمت على القعود، فإن نور الدين قد تحشَّف من كثرة الصوم والصلاة، فهو يلقي بنفسه والناس معه في المهالك، فكلهم وافقه على هذا الرأي. فلما كان من الغد فوجئ الندماء بالأمير فخر الدين وهو يأمر بالنداء في العسكر للتجهز لقتال الغزاة، فقال له ندماؤه: فارقنا بالأمس على حال نراك الآن على ضدها؟ فقال: إن نور الدين قد سلك معي طريقاً إن لم أُنجده خرج أهل بلادي عن طاعتي، وأخرجوا البلاد عن يدي، فإنه كاتب زهادها وعبادها والمنقطعين عن الدنيا، وذكر لهم ما لقي المسلمون من الفرنج وما نالهم من القتل والأسر والنهب، ويستمد منهم الدعاء، ويطلب منهم أن يحرضوا المسلمين على الغزاة فقعد كل واحد من أولئك، ومعه أصحابه وأتباعه، وهم يقرؤون كتاب نور الدين، ويبكون ويلعنونني، ويدعون علي، فلا بد من المسير إليه؛ ثم تجهز هو أيضاً وسار إلى نور الدين بنفسه كما قال ابن الأثير. إن نور الدين زنكي يدرك أن للشعوب فاعلية وتأثيراً أثبتت جدواها عبر التاريخ، وفي عصرنا الحاضر تتأكد هذه الحقيقة خصوصاً بعد الربيع العربي، وما يحدث في غزة اليوم من قصف وتخريب ودمار وقتل للأطفال والنساء وتعد على الكرامة وتدنيس للمقدسات مما يقوم به الصهاينة؛ وهو أمر لا يحتمله الضمير الحي، ولابد للشعوب والقيادات الفكرية في الأمة أن تكون فعالة بكل طريقة ممكنة في نصرة إخواننا في غزة، فإنهم أحق من يشملهم قول الله تعالى: «وَإِنِ اسْتَنْصَرُوكُمْ فِي الدِّينِ فَعَلَيْكُمُ النَّصْرُ»، إن هناك اليوم جريمة إنسانية في غزة تستدعي من كل الشعوب الحرة دفع هذه الجريمة وبذل كل ما تستطيع لرفع المعاناة عن هذا الشعب العربي المظلوم والمحاصر، وذلك بالدعم المادي وبتوفير الدواء للعلاج بالضغط على الحكومات المتراخية والمتخاذلة ليكون موقفها على مستوى الحديث. إن الأمم الحية تفرض إرادتها وتحقق رغباتها وتجبر ممثليها ليكونوا لساناً ناطقاً باسمها، ومعبراً عن آلامها وطموحاتها، وإذا لم نتحرك لرفع المأساة غزة اليوم وهي تئن تحت قصف الطائرات وضربات الصواريخ فأي قضية سننصرها إذا تخلينا عن هذه القضية العادلة المجمع عليها؟ وإنا لنرى كل المؤشرات تدل على نتائج إيجابية تبشرنا بتغير قواعد اللعبة لصالح أهل فلسطين، وانقلاب معادلة القوة إلى درجة من «توازن الرعب» من خلال الفزع والخوف الذي يعانيه اليهود الإسرائيليون بسبب الصواريخ التي تدك مدنهم، ولم تصل المقاومة إلى هذه المكانة إلا بعد أن ضربت أروع الأمثلة في البطولة والفداء والتضحية والعطاء، لقد قاموا بالواجب الذي عليهم، وبقي واجب الأمة لتثبت أنها أمة حرة تؤمن بالقضية الفلسطينية وتقف خلف الشعب الفلسطيني، وتشد من أزره وتداوي جراحه حتى يحقق النصر. إن الشعوب الحية بيدها الكثير لتعمله لو آمنت بنفسها وبعدالة قضيتها بعد إيمانها بالله. يقول الشاعر: هو الكون حي يحب الحياة *** ويحتقر الميت مهما كبر