الابتكار الحكومي وإدارته

تلقيت الاسبوع الماضي دعوة للمشاركة كمتحدث ضمن برنامج قادة الابتكار الحكومي المُنظمة من قِبلِ كلٍ من ديوان الخدمة المدنية و التطوير الحكومي، و مجلس قطر للبحوث والتطوير والابتكار. حيث ضم البرنامج ممثلي من عدة جهات حكومية معنيين بالابتكار داخل المؤسسات الحكومية. حينما تلقيت الدعوة تأملت المواضيع المتناولة في البرنامج، فتناولت الابتكار الحكومي من منظور القطاع الخاص. وبعد التجربة قررت التطرق للابتكار الحكومي في سلسلة جديدة تتكون من ثلاثة اجزاء وهي كالتالي: -الإطار العام لإدارة الابتكار -الآليات المساعدة لإدارة الابتكار -دور القطاع العام في إدارة الابتكار وعليه سأتناول في مقال اليوم الجزء الاول من سلسلة الابتكار الحكومي وهو الاطار العام لادارة الابتكار. حينما نتحدث عن الابتكار فنحن نتحدث عن شيء جديد. مما يعني اننا لا نمتلك تجربة سابقة له. ففي اي شيء جديد نحن نجهل الوقت، نجهل التكاليف، نجهل جدوى الفكرة وآثارها، نجهل، نجهل نجهل. فالاسئلة غير المجابة اكثر بكثير من الاسئلة المجابة. وهناك فرق جوهري بين ادارة مشروع وبين ادارة تجربة شيء جديد. لذلك الادارة باستراتيجية التوسع المرحلي كإطار امر في غاية الاهمية في ادارة الابتكار. فإدارة التوسع المرحلي قائمة على فكرة الادارة في طور مراحل مختلفة. وقد يتم تقسيم المراحل على النحو التالي: مرحلة اثبات المفاهيم (Prof of concept)، مرحلة المشروع التجريبي (Pilot)، ومن ثم التوسع (Scale). والانتقال من مرحلة الى مرحلة اخرى يكون قائما على عاملين اساسيين الا وهما الوقت ونطاق العمل (Scope). ففي مرحلة اثبات المفاهيم (Prof of Concept) يكون التركيز على اثبات حقيقة عمل الفكرة من عدمها. فتكون في حيز قصير من الوقت وتقام في معزل من البيئة المستهدفة. تليها مرحلة المشروع التجريبي (Pilot) تقام على فترة زمنية اوسع ويتم تطبيقها في تجربة محاكية للبيئة المستهدفة. وتليها مرحلة التوسع في التنفيذ (Scale) والتي تنفذ على فترات زمنية موسعة وتكون في البيئة الحقيقية. لو تأملنا المراحل الثلاث السابقة وتطورها يمكننا تشبيهها بمنحنى ينمو بشكل طردي بين الوقت ونطاق العمل. وذلك لان كل مرحلة ونتائجها تخدم المرحلة التي تليها. وعليه يتم التحقق من الافكار وايجاد الاجوبة المطلوبة من خلال التنفيذ الميداني باستراتيجية التوسع المرحلي لاختبار الافكار. بالمثال يتضح الجواب، ففي قطاع التعليم على سبيل المثال قمنا بإدارة الابتكار من خلال ادراج ممارسات تقدمية للقطاع نفسه. ففي سنة 2015 كنا نبحث فكرة ادراج تقنيات التصنيع الرقمي في البيئة التعليمية. كان امراً جديداً، كنا نتحدث عن تقنية حديثة، تتطلب تأهيلا، تتطلب محتوى، النتائج غير واضحة لعدم وجود تجارب سابقة مماثلة. لذلك قمنا باستخدام استراتيجية التوسع المرحلي لاختبار الفكرة في قطاع التعليم. فقمنا بالتحقق من المفاهيم (Prof of Concept) ضمن مدرسة واحدة فقط. واستغرق الامر شهرين. وأتت النتائج معززة للتوجه. مما قادنا للانتقال لمرحلة المشروع التجريبي (Pilot) وكان ذلك من خلال اطلاق مسابقة صانع والتي ضمت اربع مدارس على مدار 6 اشهر. شارك خلالها 8 معلمين و64 طالبا. وكانت النتائج معززة للنمو. اليوم وبعد 6 سنوات من الاطلاق نحن في مرحلة التوسع (Scale) حيث تغطي المسابقة 44 مدرسة، 85 معلما و338 طالبا وطالبة. وأصبحت فكرة تنفيذ ممارسات تقدمية حول التصنيع الرقمي في قطاع التعليم نموذج يحتذى به لادارة الابتكار في قطاع التعليم. وجود اطار عام الادارة الابتكار ضمن المؤسسات الحكومية سيساهم بشكل كبير في توفير منصة لاختبار الافكار وامتحانها بشكل عملي ميداني مدروس. بالاضافة الى بناء ثقافة ومهارات اختبار الافكار الجديدة. لكن هذا الاطار يحتاج الى ادوات وآليات مساعدة له وهذا ما سأتناوله في المقال المقبل ان شاء الله.