alsharq

د. زينب المحمود

عدد المقالات 322

التواب

18 مايو 2025 , 11:45م

«التواب»، اسم مبالغة من التوبة كمًّا ونوعًا؛ فسبحانه يغفر الذنوب جميعًا كمًّا، ويغفر أكبر الذنوب نوعًا. وما أعظم أثره «اسم التوّاب» في النفس! فهو اسم عظيم يدخل الطمأنينة والأمل إلى قلوبنا، اسم يخلصنا من ذنوبنا، وما أكثر ما نجترح ونتعدى من حدود! وما أكثر ما يتلطف بنا الغفور الودود! والهول أننا لا نحصي ما نقارف من الخطايا، وما نجازف به من الإيمان في سبل الدنايا، أحصاه الله ونسيناه، فعسى أن يلهمنا التوبة والإنابة ويهدينا سواء السبيل. إنّ التوبة تعني الرجوع عن المعصية إلى الطاعة، والخروج من الاستحواذ الشيطاني إلى حضيرة العفو الرباني، والله «التواب» هو من ييسر التوبة للعباد؛ فيعودوا أدراجهم عن الفسوق والعصيان والفساد، فيتقبل منهم ويثيبهم. وما أكثر الأدبيات التي تعاطت الثوبة والزهد في الحياة، والعمل لما بعد الممات، واليقظة من الغرور واجتناب الآثام والشرور، والتبلّغ من زاد المعاد والتجهز للقاء رب العباد! وفي ذلك يقول الشاعر: تفكّر في مشيبك والمآبِ ودفنك بعد عـزّك في التــرابِ إذا وافيـت قبــرًا أنـت فيه تقيم به إلى يــوم الحساب وفي أوصال جسمك حين تبقى مقطعـة ممزقة الإهـابِ فلولا القبر صار عليك ستـرًا لأنتنـت الأباطح والـروابي خلقت من التراب فصرت حيًّا وعُلِّمتَ الفصيحَ من الخطاب فطلّق هــذه الدنيـا ثلاثًا وبادر قبـل موتـك بالمتـابِ جميل أن نبادر بالتوبة قبل فوات الأوان، والأجمل أن نحمد الله على إلهامنا التوبة وتوفيقنا إليها، فكل توبة وفق النص القرآني مسبوقة بتوبة إلهية خفية، فقد قال جلّ جلاله: (ثُمَّ تابَ عَلَيْهِمْ لِيِتُوبُوا) (التوبة: 118)، وفي ذلك يقول ابن القيم الجوزية -رحمه الله: «فهو الذي جاد عليه بأن وفقه للتوبة وألهمه إياها، ثم قبلها منه، فتاب عليه أولًا وآخرًا، فتوبة العبد محفوفة بتوبة قبلها عليه من الله إذنًا وتوفيقًا، وتوبة ثانيًا منه عليه قبولًا ورضًا، فله الفضل في التوبة والكرم أولًا وآخرًا لا إله إلا هو». إذًا، فابن القيّم يقسم توبة الله على عبده إلى قسمين؛ سابقة ولاحقة، فأما الأولى فهي توفيق الله للعبد وإلهامه التوبة إلى الله والإقلاع عما هو فيه من خرق الحدود والضلال البعيد، وأما التوبة الأخرى فهي قبول الله توبة عبده، بإسقاط ذنبه، من دون إحباط سالف عمله. وهنا لطيفة أثيرة، مفادها؛ أنَّ المبادرة إلى التوبة والدافعية لا تكون من العبد ذاته، الغارق في شهواته، الممعن في ضلالاته، ولكنها بوخزة للضمير، ونكزة للشعور، تأتيه من الله، فيستشعر من الذنب وحشة، ويشعر في روحه رعشة، فيعود أدراجه، ويتمرغ في عتبات الضراعة، ويركب سكة الطاعة، فإذا صدق الله التوبة، تاب عليه ربه فتقبل عنه الحسنات، وتجاوز عن السيئات، ومحا ما شاء، وأثبت ما شاء، وعنده أم الكتاب. وما أحوجنا جميعًا إلى السعي إلى نيل رضا الله التواب؛ ليلهمنا دائمًا التوبة من الذنب، «فالتائب من الذنب كمن لا ذنب»! فلنسرع قبل أن يطوينا الموت، ويطحننا الفوت، ولنستثمر هذا الشهر الفضيل في التضرّع إلى الله أن يخلّصنا من الذنوب، وأن يستر العيوب، وأن يفرّج الكروب، وأن يطمئن القلوب، إنه ولي ذلك والقادر عليه. @zainabalmahmoud @zalmahmoud@outlook.com

الحقُّ أحقُّ أن يُتّبع

لو تتبعنا اسم «الحق» في كتاب الله عزّ وجلَّ، لوجدناه في عدة مواضع؛ فيقول الحقّ جلَّ وعلا: }ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ{ [الحج: 6]، }يَوْمَئِذٍ يُوَفِّيهِمُ اللَّهُ دِينَهُمُ الْحَقَّ وَيَعْلَمُونَ أَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ الْمُبِينُ{...

إِلهٌ حميد

مَنْ مِنّا لا يحمد الله إن أَصابته سراء؟ ومن منّا لا يشكره سبحانه إنّ أظلته أفياء نعمة؟ هذا حال من يردّ الفضل إلى صاحبه، ويهب الثناء لمن هو أهل له. وهل تفكّرتم يومًا في اسم...

لربنا حامدون

هل شعرت يومًا بعظيم أفياء الله عليك فبادرت بحمده؟ وهل وقعتَ في ابتلاء ونجوتَ منه، فحدثتك نفسك بضرورة حمد الله؟ وهل أبصرت حينًا مصائب غيرك، فنبض قلبك بحمد الله الذي عافاك مما ابتلى به سواك؟...

لا تقنطوا...

معلوم أنّ العبد هو الذي يتوب من ذنبه ومما اقترفته نفسه ويداه وجوارحه، لكن هل هذه التوبة تؤتى لأيّ إنسان؟ أم أنّها منحة إلهية يختصّ بها من يستحق من عباده؟ حقيقة إنّ توبة الله على...

خليفة

لا شكَّ في أنّ مَن يقرأ كلمة «خليفة» أو يسمعها، يتذكر قول الله تعالى: ﴿وَإِذ قَالَ رَبُّكَ لِلمَلَاـئِكَةِ إِنِّی جَاعِل فِی الأرض خَلِیفَة ﴾ [البقرة: 30]، وكذلك يتذكر منصب الخلافة في الإسلام. لكن هل حاول...

ومضةٌ لغويةٌ: الحقّ

كان إمام الدعاة الشيخ محمد متولي الشعراوي - رحمه الله - أكثر الناس تداولًا وتناولًا لاسم الله الحق، وكان إذا أراد استحضار آية كريمة وإدراجها في سياق تفسيره العرفاني النوراني المعروف بالخواطر، قال: «يقول الحق...

قابضٌ باسط

إنّ أسماء الله تعالى ماثلة في أفعاله، وظاهرة في مشيئته، ولكن لا يمكن أن يدرك ذلك إلا مؤمن بالله، وجودًا، وتحكُّمًا، وتسييرًا لكون لا يعلم كنهه إلا خالقه جلّ في علاه، ومن بديع أفعاله الماثلة...

من فِقه النّصر

إنَّ خيرَ بداية نتفقّه فيها بالنصر، أن نتذكّر أن الناصر اسم من أسماء الله، وهو اسم كريم متاخم وملازم لاسم الغالب، والنصرة من الله هي تعدية الغَلبة لفريق، فيقهر فريقًا آخر ويغلبه، وهي العون والمدد،...

أغوار المعاني

إنّ اللغة العربية لغة غنية بمعانيها ومبانيها، وإنّ سبر أغوار معانيها لا يناله إلا متبصر واعٍ، حصيف فصيح، وهذا ما جعل القرآن الكريم الذي نزل بلسان عربيّ مبين، بليغًا غزيرًا في دلالاته، معجزًا في بيانه....

رزقٌ مقسوم

كثيرٌ من الخلق يعتقد أن الرزق يأتي بسبب ذكاء المرء ودهائه، فهل هذا الاعتقاد صحيح؟ وهل الغنى حكر على الأذكياء من الناس؟ في الحقيقة، لا دخل لذكاء ولا غباء في قبض الأرزاق وبسطها، فهي من...

من درر الحكمة

تُشْتَقُ كَلِمَةُ الحِكْمَةِ مِنْ الجَذْرِ «حَكَمَ» الذي يَقْتَضِي مَعْنى الْمَنْعَ، وَبِهِ قَالَ عُلَمَاءُ اللُّغَةِ وَسَاقُوا عَلَيْهِ الأَدِلَّةَ وَالْبَرَاهِينَ مِنْ دَوَاوِينِ الأَوَّلِينَ، أَصْحَابِ اللِّسَانِ الْعَرَبِيِّ الْمُبِينِ، ثُمَّ مِنْ هَذَا الْمَعْنَى الأَوَّلِيِّ تَتَفَرَّعُ بَقِيَّةُ الْمَعَانِي، فَتَتَغَيَّرُ وَتَتَحَوَّرُ،...

خالق خلاّق

معلوم أنّ لله عزّ وجل صفات وأسماء له فيها الفردانية المطلقة، إذ لا يمكن أن تنسب إلى مخلوق من مخلوقاته في معناها الاصطلاحي، ومنها لفظا الخالق والخلّاق بالتعريف. لكن هناك بعض أسمائه ما يشتق منها...