عدد المقالات 83
إن الصبر هو أساس كل خُلقٍ جميل، ودافع التنزه عن كلِّ خُلُقٍ رذيل، وهو حبس النفس على ما تكره، وعلى خلاف مرادها، طلباً لرضا الله وثوابه، وإن الصيام امتناع عن الأكل والشرب وسائر المفطرات والشهوات، من طلوع الفجر إلى غروب الشمس، فالصائم بهذه الحالة يمتنع عن ملذاته وشهواته ويقهر نفسه ويكبح نزواته، فهو بذلك يصبر ويصابر على هذا الامتناع ويكابد مصارعة شهواته ونزواته، فالنفس بطبيعتها ميالة إلى ما تشتهيه وتهواه، فمنعها عن مطالبها صعب وشاق، ولكن العبد إذا تحلى بالصبر المطلوب وبالتقوى اللازمة واستطاع قهرها والتغلب عليها أفلح ونجا، وعاش لذة الإيمان. ومن هنا كانت فضيلة الصبر هي أساس الصيام وجوهره. فرمضان شهر الصبر على الأوامر والطاعات، الصبر على الصيام والقيام والذكر، والعمل باستمرار على تزكية وإصلاح النفس، وإن المداومة على الطاعة بمختلف أشكالها يستلزم الصبر، ومنها المداومة على صلاة التراويح والتهجد والمناجاة، فرمضان مدرسة عظيمة في الصبر، يستلهم منه العباد كثيراً من العبر والدروس النافعة التي تربي النفوس وتقوِّمها في شهرها هذا وبقية عمرها، ولذلك وصف النبي الكريم ﷺ شهر رمضان بشهر الصبر، فقد روى الإمام النسائي من حديث أبي هريرة (رضي الله عنه) أن النبي ﷺ قال: ((شهرُ الصبرِ، وثلاثةُ أيامٍ من كلِّ شهرٍ، صومُ الدهرِ)). فالصبر هو أول الفضائل والعبادات التي يعلمها هذا الشهر العظيم للمسلم، إذ يوطن الصائم نفسه على اجتناب ما يحب ويرغب حتى يصبح الصبر لديه ملكةً وصفة ملازمة، وقد أمر الله تعالى بالصبر وأثنى على الصابرين، وأخبر أن لهم المنازل العالية والكرامات الغالية في آيات كثيرة، قال تعالى: ﴿ وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلَّا عَلَى الْخَاشِعِينَ﴾ [البقرة: 45]. وبشر الله تعالى الصابرين بأنهم يوفون أجورهم بغير حساب قال تعالى: ﴿ قُلْ يَا عِبَادِ الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا رَبَّكُمْ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا فِي هَٰذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةٌ وَأَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةٌ إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُم بِغَيْرِ حِسَابٍ﴾ [الزمر: 10]. وإن للصبر ثلاثة أنواع: صبر على طاعة الله، وصبر عن محارم الله، وصبر على أقدار الله المؤلمة، وتجتمع هذه الثلاثة كلها في الصوم، فإن فيه صبراً على طاعة الله بالمداومة والإكثار من الصلاة وتلاوة القرآن، وصبراً عما حرم الله على الصائم من الشهوات، وصبراً على ما يحصل للصائم نتيجة ذلك من ألم الجوع والعطش، وضعف النفس والبدن. والصوم لذلك يضاعَفُ أجره مضاعفةً خاصةً، ذلك أن الله - عز وجل - يتولى جزاء الصائمين، فقد ثبت في الصحيحين عن أبي هريرة (رضي الله عنه) عن النبي ﷺ قال: ((قالَ اللَّهُ: كُلُّ عَمَلِ ابْنِ آدَمَ له، إلَّا الصِّيَامَ؛ فإنَّه لي، وأَنَا أجْزِي به، والصِّيَامُ جُنَّةٌ، وإذَا كانَ يَوْمُ صَوْمِ أحَدِكُمْ فلا يَرْفُثْ ولَا يَصْخَبْ، فإنْ سَابَّهُ أحَدٌ أوْ قَاتَلَهُ، فَلْيَقُلْ: إنِّي امْرُؤٌ صَائِمٌ. والذي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بيَدِهِ، لَخُلُوفُ فَمِ الصَّائِمِ أطْيَبُ عِنْدَ اللَّهِ مِن رِيحِ المِسْكِ. لِلصَّائِمِ فَرْحَتَانِ يَفْرَحُهُمَا: إذَا أفْطَرَ فَرِحَ، وإذَا لَقِيَ رَبَّهُ فَرِحَ بصَوْمِهِ)). ولا شك أن طاعة الله تعالى وتنفيذ أوامره تحتاج إلى الصبر عليها؛ لأن منها ما تستثقله النفس وتتهرب منه، بسبب الكسل عن الصلاة، أو بسبب البخل عن الزكاة، أو بسبب ضعف النفس أمام شهواتها، ولذلك فكل عبادة لله سبحانه وتعالى تحتاج إلى عزيمة وصبر. إن رمضان المبارك يستلزم الصبر ويعلمنا ويعودنا على الصبر، فليكن لنا منه أوفرُ الحظِّ والنصيب، وليكن زاداً لنا فيما نستقبله من أعمارنا، ويذكرنا بنعم الله تعالى الجسيمة وآلائه العديدة التي أنعم بها عليك، فلنجاهد أنفسنا ولنصبرها على طاعة الله.
إن الله تعالى أظهر في سيرة أحسن الملوك -ذي القرنين- (1)، مفاهيم حضارية وجعل في سيرته دروسًا لكل من أراد أن يحكم بالحق والعدل من الحكام في الناس، فأرشد القرآن الكريم عباده إلى ركائز الحضارة...
تسلم سليمان عليه السلام قيادة الدولة القوية التي أسست على الإيمان والتوحيد وتقوى الله تعالى، لقد أوتي سليمان عليه السلام الملك الواسع والسلطان العظيم، بحيث لم يؤت أحد مثلما أوتي، ولكنه أعطى قبل ذلك عطاء...
اهتم عماد الدين زنكي بالجيش اهتماماً كبيراً، وبرز هذا الاهتمام في شكل ووظيفة الدواوين التي كانت تختص بشؤون الجيش والعسكر، وأيضاً في طرق وأساليب عماد الدين زنكي في إدارة المؤسسة العسكرية. 1 ـ الجيش: كانت...
أراد الصِّدِّيق ـ رضي الله عنه ـ أن ينفِّذَ السياسة التي رسمها لدولته، واتَّخذ من الصَّحابة الكرام أعواناً يساعدونه على ذلك، فجعل أبا عبيدة بن الجراح أمين هذه الأمَّة (وزير الماليَّة) فأسند إليه شؤون بيت...
يقف الإسلام بين الأديان والمذاهب والفلسفات شامخاً متميزاً في هذا المبدأ الذي قرر فيه حرية التدين، فهو يعلنها صريحة لا مواربة فيها ولا التواء، أنه: {لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ فَمَنْ...
إذا كانت الفرقة هي طريق الانحطاط والضعف، فإن الوحدة هي سبيل الارتقاء وتبوؤ المكانة الفاضلة من جديد. إن اتحاد الأمة الإسلامية على أسس ديننا العظيم أمل كل المسلمين الصادقين في كل مكان، ذلك أن الإسلام...
اهتمّ عمرُ بنُ عبد العزيز رحمه الله بتفعيل مبدأ الشورى في خلافته، ومن أقواله في الشورى: «إنَّ المشورةَ والمناظرةَ بابُ رحمةٍ، ومفتاحُ بركةٍ، لا يضلُّ معهما رأيٌ، ولا يفقدُ معهما حزم». وكان أول قرارٍ اتخذه...
ذكر أهل العلم بالتَّواريخ والسِّيَر أنَّ أبا بكرٍ شهد مع النبيِّ (ﷺ) بدراً، والمشاهد كلَّها، ولم يفته منها مشهدٌ، وثبت مع رسول الله يوم أحدٍ حين انهزم الناسُ، ودفع إليه النبيُّ رايته العظمى يوم تبوك،...
بين القرآن الكريم أن داود عليه السلام كان مجاهداً في جيش طالوت، وممن نجحوا في الامتحان العسير الذي قرّر رئيس الجيش أن يخوضه جميع جنوده فسقط من سقط وعبر من عبر، فقد رفع داود عليه...
كان من صفات الصِّدِّيق التي تميَّز بها: الجرأة، والشَّجاعة، فقد كان لا يهاب أحداً في الحقِّ، ولا تأخذه لومة لائم في نصرة دين الله، والعمل له، والدفاع عن رسوله (ﷺ)، فعن عروة بن الزُّبير، قال:...
اسم «الواحد» هو اسم من أسماء الله الحسنى التي تدل على تفرده سبحانه وتعالى بالوحدانية، فهو الواحد الذي لا ثاني له، ولا مثيل ولا نظير، وهو الواحد في ألوهيته، فلا معبود بحق سواه، وهو الواحد...
هو الإمامُ والمجتهد الكبير، بحر العلوم، وجامع الفنون، وإمام المذهب الظَّاهريِّ وأبرز أعلامه، الفقيه الحافظ، الأديب الوزير، المؤرِّخ الناقد، العالم الموسوعيُّ، صاحب التَّصانيف الباهرة والأقوال الظَّاهرة، أجمعَ أهلِ الأندلس قاطبةً لعلوم الإسلام، وأوسعَهُم معرفةً، مع...