


عدد المقالات 328
عميقاً في الجاهلية الأُولى، حيث عقر دار الجاهلية، وغَيابة جُبِّها، ومتاهة غسقِها، بعيداً إلى الوراء، حيث لا وراء للشعر الفصيح إلا قليلاً، يصوّرُ لنا امرؤ القيس بمنظاره الجلي مشاهد خاصّة، فيقرّبُها إِلى متناول أَعيننا حتى نراها، وإلى مدى أَسماعنا حتى نسمعَها، وإلى أُفق جوارحِنا حتى نتحسسَها، ويشتبه علينا؛ أَحَضَرْنا هذه المشاهد أَم حضَرَتْنا. في المكان القصي الذي اعتزل فيه الشاعرُ قومَه. وكما هو مسمًى في قصيدتِه «دارة جُلجُل»، يقيم امرؤ القيس مأدبة للعذارى فيعقر مطيّته، ويقتربُ منظاره الفصيح أكثر ليناظر العذارى وهنّ يأتدمْنَ من لحمها وشحمها، فيقول: فظلّ العذارى يرتمين بلحمِها وشحمٍ كهدّابِ الدِّمَقْسِ المُفَتّلِ من قرأَ هذه الكلماتِ، فقد حضَر تلك المأدبة بما فيها، ورأَى شحم الذبيحة المترهلِ كأَنه الحريرُ المنسدلُ، فما أَقربَ هذا المشهدَ من ذاك! وما أَشبهَ هذه الصورة بتلك! وقليلٌ من العدسات الفصيحة ما يمكنُها التقريبُ إلى هذا الحد، إلا إن كان الشاعر ذاته يريدُ تصويرَ مشهدٍ آخرَ للأُسودِ التي أَغرقها السيلُ المنحدر: كأَن السباعَ فيه غرقى عشيّة بأَرجائه القصوى أَنابيشُ عُنصُلِ عندما أَقلعت السماءُ، وبلَعَت الأَرضُ، وغِيضَ الماءُ، بقيت جيفُ بعضِ الأُسود مرمية في جوانب الوادي، كأَنها غراسُ البصلِ البرية المقتلعة من جذورها، ولعل الأَسدَ، باللُّبْدَة حول رأسهِ وقد غشيَهُ الماءُ، أَقربُ ما يكونُ صورة إِلى غرسة عنصلٍ مقتلعةٍ، وقد نفشتْ جذورُها المليئة بالأَتربة كرأس الأَسد. الجاهلية بعيدة عنا بُعدَ القمر، والمنظارُ المتاح هو الشاعر وأَدواته اللغوية والبلاغية، فهناك منظارٌ مُشوّشٌ، وهناك منظارٌ يرينا ملامحَ القمرِ بواحاً. فلينظر أَحدنا بأَي منظار ينظر إلى مفردات عصره، وقيمه وواقعه، لعل ذلك يصوّب كثيراً من الأُمور، ويغيّر كثيراً من الوقائع تغييراً يعود بالنفع على الفرد نفسه وعلى مجتمعه.
في هذه الأيام، يتوسل المسلمون في مشارق الأرض ومغاربها باسم الله الغالب؛ ليرد عنهم كيد الكائدين، وغيظ المعتدين، وكل حقد ظاهر ودفين. فالأمة منذ حين تمر بمخاض القيام والانتفاض، ولهذا القيام تكاليفه الوافية من الخوف...
كلّنا ندعو الله عزّ وجلّ باسميه «السميع والبصير»، ومؤكَّدٌ أنَّنا كلَّما ذكرناه بهما سبحانه، قَفَزَ إلى ذاكرتنا وألسنتنا قوله تعالى: «لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيْرُ» (الشورى: 11)، ولكن هناك فرق بين من يقولها مستشعرًا...
لم يُنصر نبي أو عبد من عباد الله إلا بيقينه بالله وحده، وبإدراكه المطلق أن الأمر كلّه بيد الله، وأنّ الله تبارك وتعالى هو الغَالب القَاهر أبدًا، لا يَمْلك أحدٌ أنْ يردَّ ما قَضَى، أو...
كلّنا نسمع باسم الله «الستير»، وكلّنا نردده في كثير من الحالات، لكن هل علمنا حقيقته وغاية تسمية الله به؟ وما علاقته بالمجتمعات وسلمها وأمانها؟ وماذا لو استحضرنا هذا الاسم في جوانب حياتنا المختلفة؟ إنّ مدارسة...
كلٌّ منا يمضي نحو قدره، وكل منا يختار طريقه التي ارتضتها نفسه له، فإن خيرًا فخير، وإن شرًا فشر، والبشر في إطار القدر قسمان، قسم هو الأعلى بقربه من الله وإطاعته، وقسم هو الأسفل ببعده...
إنّ كمال غِنى الله سبحانه وتعالى عظيم؛ لا يحدّ ملكه حدّ، ولا يحصيه أحد، إنساً كان أو جنًا أو ملكاً، أو ما دون ذلك. ولو أن الخلق جميعًا، أولهم وآخرهم، وإنسهم وجنهم، سألوه، فأعطى كل...
لو تتبعنا اسم «الحق» في كتاب الله عزّ وجلَّ، لوجدناه في عدة مواضع؛ فيقول الحقّ جلَّ وعلا: }ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ{ [الحج: 6]، }يَوْمَئِذٍ يُوَفِّيهِمُ اللَّهُ دِينَهُمُ الْحَقَّ وَيَعْلَمُونَ أَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ الْمُبِينُ{...
مَنْ مِنّا لا يحمد الله إن أَصابته سراء؟ ومن منّا لا يشكره سبحانه إنّ أظلته أفياء نعمة؟ هذا حال من يردّ الفضل إلى صاحبه، ويهب الثناء لمن هو أهل له. وهل تفكّرتم يومًا في اسم...
هل شعرت يومًا بعظيم أفياء الله عليك فبادرت بحمده؟ وهل وقعتَ في ابتلاء ونجوتَ منه، فحدثتك نفسك بضرورة حمد الله؟ وهل أبصرت حينًا مصائب غيرك، فنبض قلبك بحمد الله الذي عافاك مما ابتلى به سواك؟...
معلوم أنّ العبد هو الذي يتوب من ذنبه ومما اقترفته نفسه ويداه وجوارحه، لكن هل هذه التوبة تؤتى لأيّ إنسان؟ أم أنّها منحة إلهية يختصّ بها من يستحق من عباده؟ حقيقة إنّ توبة الله على...
لا شكَّ في أنّ مَن يقرأ كلمة «خليفة» أو يسمعها، يتذكر قول الله تعالى: ﴿وَإِذ قَالَ رَبُّكَ لِلمَلَاـئِكَةِ إِنِّی جَاعِل فِی الأرض خَلِیفَة ﴾ [البقرة: 30]، وكذلك يتذكر منصب الخلافة في الإسلام. لكن هل حاول...
كان إمام الدعاة الشيخ محمد متولي الشعراوي - رحمه الله - أكثر الناس تداولًا وتناولًا لاسم الله الحق، وكان إذا أراد استحضار آية كريمة وإدراجها في سياق تفسيره العرفاني النوراني المعروف بالخواطر، قال: «يقول الحق...