alsharq

د. فيصل بن جاسم آل ثاني

عدد المقالات 58

القوة الداخلية

29 أبريل 2013 , 12:00ص

لو رأيتها ربما لم يكن انطباعك الأول عنها هو الاحترام؛ لأنها لم تكن امرأة ذات مظهر جذاب؛ فطولها لا يتجاوز الخمس أقدام إلا قليلا، وهي في نهاية الثلاثين من العمر، وذات بشرة بنية داكنة ولم تكن تقرأ أو تكتب، وكانت الملابس التي ترتديها خشنة وبالية، وعندما تبتسم كان يظهر بوضوح أن ثنيَّتيْها ساقطتان. كانت تعمل في معظم الوقت في وظائف الخدمة في فنادق صغيرة: تمسح الأرضيات، وترتب الغرف، وتطهو. ولكن في ربيع وخريف كل عام تقريبا كانت تختفي من مكان وظيفتها وتعود مفلسة وتبدأ العمل مرة أخرى لتجمع أي قدر صغير تستطيع جمعه من المال. قد لا يحترم كثير من الناس امرأة مثل هذه ولكن هناك أكثر من ثلاثمئة إنسان كانوا يرزحون في قيود العبودية تبعوها بالهروب من جنوب الولايات المتحدة إلى شمالها في سبيل الحرية. لقد أدرك هؤلاء قيمتها واحترموا قدرتها وكذلك فعل كل مناهض للعبودية في نيو إنجلاند ويرجع ذلك لما تمتلكه من رباطة جأش تُمِدها بالشجاة والثبات في المواقف الصعبة ولما تمتلكه من الصلابة النفسية التي تعطيها القوة لتحمل الضغوط الكبيرة وتدفعها لاقتحام المغامرات الخطيرة. كان هذا العام هو 1857 وكان اسم المرأة «هاريت توبمان» غير أنها عندما كانت في الثلاثينيات أصبحت تسمى المحررة بسبب قدرتها على دخول أرض العبودية وإخراج العديد من أفراد قومها من قيود الرق. وفي سن الرابعة والعشرين تحدثت مع زوجها عن الفرار إلى الحرية في الشمال، ولكنه لم يكن ينصت إليها وهددها إن هي حاولت الرحيل فسيعرف كيف يعيدها. ولكنها كانت تقول: «هناك واحد من شيئين لي الحق فيهما: الحرية أو الموت. فإذا لم أحصل على الأول فسأحصل على الأخير، فلن يتمكن إنسان من الإمساك بي حية وسأُقاتل من أجل حريتي طالما كنت أتمتع بالقوة». ورغم أنها أصبحت هي نفسها حرة فقد تعهدت بالعمل على تحرير من يريد ذلك من قومها مع أن مجرد اتخاذ قرار فرار الشخص بمفرده يعتبر شيئا خطيرا يعرض صاحبه لصنوف التعذيب التي قد تنتهي بالموت فكيف بقرار الفرار بالآخرين وتحريرهم؛ فهو قرار يحتاج لقوة قلب ورباطة جأش ومع اتخذته «توبمان» وفي عام 1850 قامت بأول رحلة باعتبارها عضوا ناشطا في شبكة تقوم بمساعدة الراغبين في الحرية. كانت في كل صيف وشتاء تعمل كخادمة لجمع المال الذي يخدم هدفها وفي كل ربيع وخريف تخاطر بحياتها بالذهاب جنوبا والعودة بمزيد من العبيد إلى الحرية. كان عملها شديد الخطورة بحق وكانت تعلم أن العبيد الفارين الذين يعودون ويتم الإمساك بهم سيتعرضون للضرب والتعذيب حتى يبوحوا بمعلومات عن أولئك الذين ساعدوهم؛ لذا فإنها لم تسمح أبداً لأي شخص تقوده بالاستسلام فإذا رأت عبدا مرتعد الفؤاد يريد الاستسلام تقف قوية كالفولاذ وتصوب مسدسا نحو رأسه وتقول: «الموتى لا يروون القصص: إما أن تكمل الطريق وإما أن تموت». وبين عامي 1850 و1860، أرشدت «توبمان» أكثر من ثلاثمئة شخص وأخرجتهم من العبودية، ومنهم العديد من أفراد أسرتها. وفي ذلك الوقت وضع الجنوبيون البيض مكافأة بقيمة 12000 دولار مقابل الإمساك بها وهي ثروة ضخمة في ذلك الوقت. ومع بداية الحرب الأهلية كانت قد أخرجت من العبودية عددا أكبر من الذي أخرجه أي أميركي آخر على مر التاريخ، سواء كان أسود أم أبيض ذكرا أم أنثى. وبسبب قوة شخصيتها وصلابتها ورباطة جأشها في اللحظات الخطرة أصبحت «توبمان» ذات سمعة كبيرة وتأثيرا واسعا يفرضان الاحترام ليس فقط بين العبيد الذين حلموا بكسب حريتهم بل عند الجميع. إن الشخصيات التي حققت إنجازات عظيمة ونجحت في الوصول لأهدافها في الحياة كانت تتميز بصفة مهمة تساعدها على مواجهة الأخطار وتحمل ضغوط الحياة الهائلة وتلك الصفة هي رباطة الجأش والصلابة النفسية ومن دونها ينهار عند أول اختبار صعب يواجهه فطبيعة الحياة أنها تواجهنا بالكثير من المواقف الصعبة والمشكلات العظيمة وتتقلب بين الشدة واليسر والغنى والفقر والمرض والصحة والضعف والقوة، وتلك الصفة تساعدنا لمقاومة تلك التقلبات، فإننا لن نستطيع تحمل صعوبات الحياة ومواجهة مكائد الخصوم والأعداء والصبر على مرارات الظروف الصعبة في سبيل تحقيق أهدافنا دون تحلينا برباطة الجأش والقوة النفسية من الداخل. يقول الشاعر: فإن تسأليني كيف أنتَ فإنّنـي صَبورٌ على ريْب الزمان صليبُ يعزّ علــــيَّ أن تُرى بي كآبةٌ فيَشــــمتُ بـــاغ أو يساءُ حبيبُ وهذا رسول الله -عليه السلام- أثناء هجرته حينما كان مطاردا من الكفار ليقتلوه وقد جعلوا مئة ناقة لمن يدل عليه وكان مختبئا في الغار ومعه صاحبه أبو بكر الذي استشعر هول تلك الحظة وخطرها فقال والله يا رسول الله! لو نظر أحدهم إلى نعله لرآنا، فقال النبي عليه السلام بكل رباطة جأش وهدوء وثقة بربه: يا أبا بكر ما ظنك باثنين الله ثالثهما؛ لا تحزن إن الله معنا.

استثمار في العباقرة

في ربيع الأول من سنة 41 هـ تنازل الحسن بن علي بن أبي طالب رضي الله عنهما إلى معاوية بن أبي سفيان عن الخلافة, وعلق المؤرخ ابن كثير على هذه الحادثة قائلاً: «وذلك كمال ثلاثين...

صانع الفرق

في العام الثامن للهجرة أرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم سرية في قرابة ثلاثة آلاف فارس إلى البلقاء من أرض الشام لمقاتلة جيش يعد يومئذ أقوى جيوش العالم وأمر عليهم زيد بن حارثة، وقال‏:‏...

صانع الملوك

في يوم من الأيام بحدود 350 قبل الميلاد وقبل غروب الشمس كان فيلسوف الهند الكبير «شاناكيا» -وله أسماء أخرى اشتهر بها مثل «فشنوجوتبا» و «كاوتيليا»- يراقب باهتمام مجموعة من الصبية يلعبون؛ فلفت نظره أن أحد...

للنجاح معنى آخر

كان يُعرف بالفتى المُدَلَّل؛ فكان لا يلبس الثوب الواحد ليومين مُتتاليين، وكان له عِطر يُعرف به بسبب نَشْأته في أحضان أم مُترَفة فعاش في يُسر وسعة. اختار ابن الدار الواسعة السير في طريق الإسلام الشاقة،...

إدارة القلق

في العقد الأخير من القرن التاسع عشر(1890م) كان هناك شاب في العشرين من عمره يعمل لدى شركة «بوفالو فورج» في «بونالو» بنيويورك، وَعُيِّن في قسم آلات تزويد الغاز في مصنع تابع لشركة «بيتسبرج بلايت جلاس»...

صراع المشاريع الخاتمة: المشروع المنشود

جاءت قريش وشكت النبي إلى أبي طالب فكان جوابه عليه السلام لعمه وهم يسمعون: «يا عم، إني أريدهم على كلمة واحدة يقولونها، تدين لهم بها العرب، وتؤدي إليهم بها العجم الجزية»، ففزعوا لكلمته ولقوله، فقالوا:...

صراع المشاريع الحادي عشر: القراءة الواعية للتاريخ

لقد سرنا سوياً في هذه السلسلة التاريخية والفكرية المسماة «صراع المشاريع» برحلة طويلة من الزمن، حيث بدأنا في الحلقة الأولى من نهاية القرن الهجري الثالث إلى أن وقفنا في الحلقة العاشرة عند القرن الثامن الهجري،...

صراع المشاريع عاشراً: نهاية المشروع الصليبي

كان المشروع الصليبي أطولَ المشاريع المعادية للأمة عُمرا وأكثرَها استنزافا لطاقتها وإرهاقا لها، وقد استمر فترة طويلة من الزمن تعاقبت على حربه دولٌ إسلامية كثيرة حتى قدَّر الله سبحانه أن تكون نهاية وجودهم كإمارات وحكام...

صراع المشاريع: الأيوبيون ما بعد صلاح الدين

تُعتبر مرحلة الأيوبيين ما بعد «صلاح الدين» من أهم مراحل الصراع بين المشروع الإسلامي والمشروع الصليبي الذي أبى أن يَفتُر أو يستسلم؛ بل شنَّ أربع حملات متتاليةً وشرسة. والحقيقة أن «صلاح الدين الأيوبي» بما تميز...

صراع المشاريع ثامناً: وقفة تأمل

بوفاة الملك الناصر «صلاح الدين الأيوبي» رحمه الله عام589هـ يكون قد مضى على بدء ملحمة صراع المشاريع مرحلة زمنية كبيرة نسبياً تقارب الثلاثة قرون، وذلك إذا قدَّرنا بداية الصراع بظهور أول دولة للمشروع الباطني وهي...

صراع المشاريع سابعاً: الملك النبيل

يستمرصراع المشاريع ليتجاوز القرون من الزمن، والأمة من حرب إلى حرب، ومن صراع إلى صراع، تسطر ملحمة حضارية حافلة بالانتصارات والهزائم والأفراح والآلام توجتها البطولات التاريخية التي قادتها إلى نصر حضاري قبل أن يكون عسكريا...

صراع المشاريع 6 - قمةُ المجد

قال المؤرخ ابن الأثير: «طالعتُ سير الملوك المتقدمين فلم أر بعد الخلفاء الراشدين وعمر بن عبدالعزيز أحسن سيرة ولا أكثر تحريا للعدل منه، وهو أول من ابتنى دارا للعدل وكان يجلس فيها أربع مرات أسبوعيا...