تويتر.. بين القمع.. والشفافية.. والتأجيج

صامت يوم أمس السبت 28-1-2012 أعداد كبيرة من المغردين عن موقع التواصل الاجتماعي تويتر وعن الكلام المباح، احتجاجاً على إعلان الشركة عن نظام جديد يسمح لها بحجب تغريدة معينة لا توافق هوى الأنظمة التي تحكم دول العالم التي ينتمي إليها أولئك المغردون. تقول مديرة مؤسسة «International Freedom of Expression at the Electronic Frontier» التي تكتب بشكل منتظم عن حرية التعبير والسياسة والإنترنت.. الشركة شرحت عبر مدونتها: «نحن لم نستخدم هذه الخاصية حتى الآن، ولكن إذا وعندما يطلب منا حجب تغريدة في بلد معين، سنحاول إخبار المستخدم صاحب التغريدة، وسنقوم بوضع علامة واضحة تدل على المحتوى المحجوبhttp://chillingeffects.org/twitter في إطار تلك الشفافية، قمنا بتوسيع شراكتنا مع موقع، بما يسهل العثور على الإشعارات المتعلقة بتويتر». هي إذا -أي جيليان- تعزو «إعلان» تويتر عن هذه الخطوة «للشفافية» التي تتعامل بها شركة تويتر العملاقة مع منتسبيها، مدللة في السياق ذاته باتخاذ «google» نفس الخطوة الشفافة مبينة أن «فيس بوك» لا يتمتع بالشفافية ذاتها، أي أنها تخبرنا أن الرقابة طبيعية، وكان بإمكانها أن تظل مستترة، إلا أن أريحية تويتر في التعامل هي من أعلن عنها وكشف الغطاء، أي –أيضاً– كأننا نعترض على الإعلان والشفافية في التعامل وكشف نية العمل بالحجب وليس على صلب نظام الحجب والتعاون البوليسي مع الدول الذي نجده مستجداً!! غير مقنع ما تقوله جيليان دفاعاً عن خطوة تويتر وإرشاداً للمَخرج منها حيث تقول: «لنكن واضحين، هذه رقابة، ليس هناك طريقة للالتفاف حول ذلك، ولكن لنكن واقعيين تويتر ليس فوق القانون، كل شركة تستضيف محتوى تم إنتاجه من قبل المستخدمين حصلت على أمر قضائي أو طلب حكومي لإزالة بعض المحتوى خلال فترة أو أخرى، رأينا كيف أن «غوغل» تضمنت مثل هذه الأوامر في تقريرها حول الشفافية، بعض الشركات الأخرى كانت أقل صراحة، على أية حال شركة تويتر كان أمامها خياران في حال طلب منها ذلك: عدم الامتثال وهذا يعني المخاطرة بالحجب من جانب الحكومة المعترضة، أو الامتثال (أي فرض الرقابة)، وإذا كان لهم تمثيل في البلد المعني فلا خيار عندهم إذا اختارت الشركة أن تمتثل لطلبات الحكومة وفرض رقابة على المحتوى، هناك عدد من الخطوات التي يمكن للشركة أن تتخذها للتخفيف من أثر هذه الرقابة، والأهم من ذلك بالطبع هو الشفافية، وهو الأمر الذي وعد به تويتر، غوغل أيضاً كانت شفافة بخصوص الرقابة (أما في حالة فيس بوك فإن الأمر لم يكن كذلك) قرار تويتر لتحديد الموقع الجغرافي كان ذكياً بالمقارنة مع الحجب في كل مكان» نظراً لأنه يمكن للمستخدم تغيير مكانه أو موقعه بنفسه. المشكلة أن درجة الممنوعات والمسموحات تختلف تفاوتاً لدى الدول، والمأساة أن من الدول من يضيق صدرها عن كل تعبير، فهل ستنقاد تويتر لهذا النوع من الدول والحكومات؟!! المسألة المهمة الأخرى أن اعتقادنا بضلوع الأيدي العربية القامعة في الأمر تحاول جيليان تفنيده قائلة: «الكثير ممن يؤمنون بنظرية المؤامرة يعتقدون أن هذه الخطوة هي بسبب حصول الأمير الوليد بن طلال على حصة في الشركة...»، ونتساءل لِم لَم تبرز سياسة تويتر الشفافة إلا حينما حل عليها العرب شركاء؟!! أنا ممن يميلون للاعتقاد بربط الدخول العربي بموضوع نظام الحجب المستجد، وأقول إن صح هذا الاعتقاد فإنها المرة الأولى التي يحكم فيها العرب إعلاماً غربياً بطريقة قامعة واضحة، بل وبمنهجية تخطيطية ذكية مقلدة للنهج الغربي اللامباشر ومُحْتَمية بغطائه وعباءته نازعة منه تبريراته المساندة لها، نعم يستطيع المال فعل الكثير. عموما ما زال الوقت مبكراً للتنبؤ بأي أمر، ومن ضمن ما يصعب التنبؤ به مدى نجوع حل تغيير اسم البلد في حماية تغريدات المغرد إن طُبق نظام الحجب المزمع تطبيقه هذا!! صوم المغردين كان رسالة أراد المستخدمون إيصالها لتويتر التي خاب الظن بها، كما يخيب بشخص تؤمن بكماله ومثاليته وروعته، وتضفي عليه هالة من نور وإعجاب لتكتشف ذات يوم أنه مجرد إنسان عادي بلا كثير فروق عن غيره، ناقص كغيره، ولكنك أنت الذي لم تلحظ ذلك بعينيك المعجبتين اللتين لم تريا سوى المحاسن، هذه الرسالة تقول استقيمي يا تويتر على حالك القديم القويم كيلا تخسري مغرديك ويحلّقوا باحثين عن الحرية على أشجار أجمل وأظل وأورف منك، فالفضاء واسع والعالم كبير والعقول خصبة لن تعقم عن إنجاب وسائل اتصال أرحب وأثرى. كانت مقاطعة الأمس رسالة لتويتر وللمدبرين العرب للقمع بليل غاشم، ألاّ تعولوا على رضوخ المواطن العربي «لإدمانه» موقعكم، فباستطاعته مداواة نفسه والإقلاع عن الإدمان حين يلزم الأمر، ولكنكم لن تستطيعوا مداواة خسارتكم لفقده، فكروا وانظروا ما أنتم مختارون، كسب المواطن العربي، أم الخسارة بالمضي في طريق اتباع سياسة القمع العربي؟!! http://sehla-alsaad.blogspot.com/ ?