alsharq

د. محمد عياش الكبيسي

عدد المقالات 336

المسلمون في الغرب.. حضور في الشارع وغياب في المشروع (1 - 2)

25 سبتمبر 2012 , 12:00ص

من غرفة صغيرة في أحد فنادق مدينة مالمو السويدية أكتب هذه المقالة بعد جولة أوربية حاولت من خلالها أن أتعرف على حال المسلمين في أوربا ،وقد أتاحت لي هذه الجولة أن ألتقي أنماطا مختلفة من الجاليات الإسلامية المنتشرة في أغلب الأصقاع الأوربية ،فقد التقيت الإسلاميين وغير الإسلاميين ،كما التقيت النخب الثقافية والمستويات الأخرى وخاصة فئة الشباب ومن مختلف الأقطار العربية والإسلامية. تكونت عندي صورة جديدة ربما تختلف عن تلك الصورة التي ارتسمت في ذهني من خلال القراءات البعيدة أو من خلال متابعة بعض التقارير الإعلامية. أشعر الآن بعظم المسؤولية وخطورة الأمر وأنا أتناول هذا الموضوع الشائك والمعقد والذي يمكن أن يكون في يوم ما أحد أهم الرافعات الكبرى لمشاريعنا الإصلاحية الواعدة خاصة ونحن نعيش حالة الربيع العربي أو الإسلامي. في الشارع الأوربي تجد المظاهر الإسلامية بلا عناء ،وربما تجد أيضا المدارس الإسلامية والمطاعم الإسلامية ..الخ والمسلمون يتحركون بحرية وأمان أكثر بكثير مما لو كانوا في بلادهم ،ويتنقلون بين العواصم الكبرى بكل الوسائل المتاحة دون الحاجة لحمل جواز السفر أو بطاقة الإثبات. التمييز العنصري هنا ممنوع وكذلك التمييز الديني أو الطائفي ،فالذي يحصل على الجنسية اليوم يتساوى مع ابن البلاد الأصيل في كل الحقوق والواجبات ،وأذكر هنا نموذجا فيه أكثر من دلالة حيث التقيت عراقيا تمكن من الحصول على الجنسية السويدية قبيل الغزو الأمريكي للعراق ،وحين ذهب لزيارة أهله في محافظة الأنبار ألقت القوات الأمريكية القبض عليه بتهمة الإرهاب! لكن حكومة السويد بدأت تضغط بكل الوسائل حتى تم الإفراج عنه ،وهو الآن يعيش في السويد بدون عمل لكن براتب يفوق راتب الدكتور بحسب قوله! جانب آخر من المشهد لا بد من الإشارة إليه وهو أن الكثير من الأوربيين لم يعودوا مرتبطين بالهوية المسيحية لا من قريب ولا من بعيد ،ولذلك لا تفاجأ حينما تسمع أو تقرأ إعلانا عن بيع كنيسة !وقد حصل هذا بالفعل وتحولت بعض الكنائس إلى مساجد ،منها كنيسة بيعت بأقل من ثلاثة آلاف دولار ويبدو أنها كانت عبئا على رعاتها ،مع أني أدعو إلى إعادة النظر في ظاهرة تحويل الكنائس إلى مساجد لأن هذا قد يكون مستفزا للهوية المسيحية ،ومن الأفضل تحويلها إلى مدرسة أو متجر أو أي شيء آخر لا يذكرهم بتاريخ الكنيسة لأن هذا له آثاره السلبية الخطيرة لو استيقظت الهوية المسيحية بشكل من الأشكال ،لاسيما أن هناك من بعض المتعصبين دينيا وهم أقل من القليل يحاولون بكل جهدهم إحياء الهوية المسيحية من خلال تضخيم العدو الخارجي التقليدي»الإسلام»ومن هنا ندرك الدافع الأساس لنشر الرسوم أو الأفلام التي تستفز المسلمين في دينهم ومقدساتهم ،حيث سيستفيد هؤلاء المتعصبون من ردة فعل المسلمين والتي تكون في الغالب غير مدروسة ولا محسوبة من أجل نفخ الروح في الهوية المسيحية التي تعيش لحظات النزع الأخير في كثير من المجتمعات الغربية . في خطبة الجمعة وبحضور حشد هائل من المصلين كنت أقول:هناك فرق بين حرية التعبير وحرية العدوان ،والقانون يجب أن لا يحمي حرية العدوان ،والفيلم الأمريكي هو عدوان صارخ على ديننا وأمتنا، لكن علينا كمسلمين أن لا نقع في فخ التعميم فنعلن العداء لكل الشعوب الغربية ،فقام أحد الشباب المتحمسين وقال:يجب أن ندوس رؤوس الأمريكان والسويديين وكل الكفرة بأحذيتنا!وربما نسي هذا الشاب أنه بعد أيام سيستلم راتبه الشهري من هؤلاء الكفرة، لكن الأخطر من هذا أن مثل هذه الشطحات تمثل وقودا رخيصا للتيارات الدينية المتعصبة وكذلك للأحزاب القومية اليمينية ذات النزعة العنصرية أو الشوفينية. هناك ملحوظة أخرى وهي ملحوظة مزدوجة فحين يتم تسويق مثل هذه التصريحات للمجتمعات الأوربية على أنها تمثل الرأي العام للمسلمين يقوم بعض الخطباء وربما الكتاب أيضا عندنا بجمع المقولات المعادية للإسلام وتسويقها للشارع الإسلامي على أنها المخططات العدائية التي يضمرها الغرب لنا بحكوماته ومجتمعاته ،وكل هذه التعميمات لا يستفيد منها إلا أولئك المتطرفون. مع أن المسلمين يشكلون نسبا لا بأس بها في هذه المجتمعات إلا أن دورهم في صناعة القرار السياسي لا يكاد يذكر مع أن الأبواب مفتوحة رسميا ومجتمعيا للمشاركة، فالمسلمون هنا يستطيعون أن يكونوا بيضة القبان في ترجيح طرف سياسي على آخر،مما يهيئهم ليصبحوا عنصر جذب تنافسي وضاغط ،فأعدادهم المتزايدة في هذه المجتمعات تمكنهم من أن يلعبوا دورا أكبر بكثير من تلك الأقليات الدينية أو العرقية التي تمارس دورها اليوم بكفاءة عالية. يعيش المسلمون هنا حالة نفسية قلقة، ومصدر هذا القلق متعدد ومتنوع، حيث لازال الكثير منهم يعتبرون وجودهم هنا وجودا طارئا ومؤقتا مع أن هذا الشعور قد تمضي عليه سنوات طويلة ربما تزيد عند بعضهم على العشرين سنة. الكثير هنا يشعرون بالحاجة إلى تبرير وجودهم في أول لقاء تعارفي، ومنهم من يحاول أن يقنعك بأنه عازم على الرجوع لبلده في أقرب فرصة، وربما يتكرر هذا الكلام مع كل قادم أو زائر، وهذا الشعور بحد ذاته كفيل بإحباط أية محاولة لبناء المشروع الهادف. لا أحبذ هنا مناقشة الجدل الفقهي حول مشروعية إقامة المسلمين في بلاد الكفار!فنحن اليوم أمام واقع لا يمكن تجاوزه، والخط البياني لهجرة المسلمين إلى هذه البلاد في تصاعد وتسارع رغم فتاوى التحريم التي تصدر من هنا أو من هناك ،فهذه الفتاوى لم تسهم في الحد من هذه الهجرات بقدر ما أسهمت بإضعاف دور المهاجرين وزيادة حالة التردد والقلق لديهم ،مما انعكس على قدراتهم في الحفاظ على هويتهم وهوية أبنائهم وبناتهم ،بينما لو افترضنا العكس فإن المسلمين هنا قادرون على التأثير المباشر وغير المباشر في تعديل القوانين والسياسات التربوية والمجتمعية لصالحهم وقادرون أيضا على استحصال الدعم الرسمي ماديا ومعنويا لبناء مؤسساتهم الخاصة لا سيما المدارس والجامعات والمكتبات والنوادي الرياضية والترفيهية ،وهذه ليست فرضية محضة بل هناك واقع مشجع ،فبعض المدارس الإسلامية التي زرناها تقوم على أساس الدعم الحكومي 100%،وقد حدثني الإخوة في منطقة نورشوبنغ أنهم أقاموا صلاة العيد في ساحة مفتوحة فكلمهم أحد المسؤولين وقال لو تقدمتم بطلب لتوفير الرعاية اللازمة فهذا نشاط اجتماعي يسجل لنا، ويوم أمس كنا في زيارة أحد أشهر الدعاة في مدينة مالمو وهو رجل يذكرني كثيرا بالشيخ أحمد ياسين فرغم أنه مصاب بما يشبه الشلل التام إلا أنه من أكثر العاملين للإسلام همة ونشاطا لكن الغريب أن تقوم الحكومة بتوفير كل احتياجاته بتقنيات تفوق الخيال فالرجل يتحرك لوحده من البيت إلى السيارة وإلى المسجد والمكتب، وحتى أثاث البيت كله يتحرك بالكونترول من الأبواب وحتى خزانات المطبخ! يحدثني أحد المقيمين المخضرمين أن القوانين المحلية توفر الكثير من الامتيازات للمواطنين وبحسب أحوالهم وظروفهم لكن المسلمين في الغالب حتى بعد حصولهم على الجنسية لم يكلفوا أنفسهم بدراسة هذه القوانين أو الإطلاع عليها فضلا عن العمل على تعديلها أو تطويرها. إن عدم الشعور بالاستقرار مع أنه ربما يكون شعورا عاطفيا لا غير جعل المسلمين هنا يفكرون بالأنشطة اليومية التي لا تتطلب استراتيجية طويلة الأمد ،فترى اللقاءات الجميلة والندوات والمحاضرات المتكررة وهذه كلها تساهم في الحفاظ على الحد الأدنى من التمسك بالهوية والشعائر التعبدية ،لكن الآفاق الرحبة والمفتوحة أمام المسلمين تتطلب التفكير بطريقة أخرى، ونقطة البداية تكمن في حسم حالة التردد هذه، فالمشاريع الإصلاحية الكبيرة مثلها مثل المشاريع الاقتصادية لا يمكن أن تتحرك وتنمو إلا في ظل حالة مقبولة من الاستقرار .

لماذا هذا الهجوم المتزايد على صحيح الإمام البخاري؟ (4-4)

هناك من يردد سؤالاً آخر مؤدّاه، ماذا نفعل إذا وجدنا في البخاري ما يعارض القرآن الكريم، أو يعارض العقل؟ وهذا السؤال بدأ يتردد مع هذه الموجة كجزء من حملة التشويه ومحاولة النيل من مكانة البخاري...

لماذا هذا الهجوم المتزايد على صحيح الإمام البخاري؟ (3-4)

المسألة ليست مسألة تقديس للبخاري، ولو كانت المسألة كذلك لاتجه الناس إلى موطّأ الإمام مالك إمام دار الهجرة، أو مسند ابن حنبل إمام أهل السنّة، بل لقدّسوا مرويّات البخاري نفسه في كتبه الأخرى، فالمسألة عند...

لماذا هذا الهجوم المتزايد على صحيح الإمام البخاري؟ (2-4)

إن هذا الاضطراب والتخبّط لدى هؤلاء يكشف أيضاً عن جهل عريض في أصول هذه العلوم ومبادئها الأولية، ولذلك لا ترى هذا الطعن إلا منهم ومن أمثالهم، ممن لا علم لهم بالسنّة وعلومها. إن علماء السنّة...

لماذا هذا الهجوم المتزايد على صحيح الإمام البخاري؟ (1-4)

يتعرض صحيح البخاري هذه الأيام لحملة من التشكيك وإثارة الشبهات، مع حالة من الغموض بالنسبة لدوافعها وغاياتها، والعلاقات التي تجمع بين أصحابها، الذين كأنهم تفرّغوا اليوم أو فُرّغوا لهذه المهمة. هؤلاء بالعموم لم يُعرف عنهم...

جريمة نيوزيلندا في إطارها الأوسع

لست أهوّن أبداً من مشروعية الغضب في مثل هذه الصدمات، بل أعتبر هذا دليلاً على حياة الأمة واعتزازها بهويتها وبذاتها، وبالعنوان الكبير الذي يجمعها، رغم محاولات تغييبها وتجزئتها، فحينما أرى شاباً عربياً أو تركياً أو...

وقفة مع التجربة الإسلامية في السودان

قبل ثلاثين سنة، استبشر التيار الإسلامي بالانقلاب الذي قاده الرئيس عمر حسن البشير، وتصاعدت الآمال بالنموذج المرتقب للحكم الإسلامي المعاصر، وصار الناس يتداولون الأخبار والقصص عن زهد الرئيس البشير وتواضعه وحكمته، حتى سمعت من أحد...

خطوات سليمة لبناء مناهج التربية الإسلامية

بقرار من وزارة التعليم في دولة قطر، تشكلت لجنة من الكفاءات العالية لمراجعة وثيقة المعايير المتعلقة بمناهج التربية الإسلامية. وقد جاء القرار بحد ذاته ليعكس رؤية عميقة وواعدة يمكن تلخيصها في الآتي: أولاً: الاهتمام الخاص...

المعايير الناقصة والمغلوطة في محاكمة التاريخ (3-3)

إن الحكم الوراثي السلالي كان جزءاً من ثقافة العرب عموماً، فإذا مات شيخ القبيلة ورثه ابنه، فإن لم يتهيّأ كان أقرب الناس إليه، ودول العالم المجاور للجزيرة -على الأقل- لم تكن تعرف غير هذا، وحينما...

المعايير الناقصة والمغلوطة في محاكمة التاريخ (2-3)

من الغريب جداً أن «المتنورين» بروح العصر وقيمه وثقافته، يجعلون معيار الحكم على تلك المرحلة معياراً مستنداً بالأساس إلى روح «القداسة» أو قداسة «الروح»، فمرة يحدّثونك عن جريمة الخروج على الإمام علي، بمحاكمة أحادية الجانب،...

المعايير الناقصة والمغلوطة في محاكمة التاريخ (1-3)

التاريخ بكل تأكيد لا تصنعه الملائكة، وإنما هو صناعة بشرية بأحداثه ومواقفه ورواياته وتدويناته وتحليلاته واستنتاجاته ومصادره، إلا ما ورد منه بآية قرآنية أو حديث صحيح. هذه المقدمة -التي ينبغي ألا نختلف فيها- تفتح باباً...

حينما تتبرقع الباطنية بشعارات التجديد (2-3)

تستغل الباطنية اليوم حالة الضعف العام الذي تمر به الأمة سياسياً واقتصادياً وثقافياً، وما يصاحبها من تفكك واضطراب في المنظومة القيمية والعقدية الجامعة، وتراجع مستويات التعليم الديني، وعجز المؤسسات الشرعية والجماعات الإسلامية عن مواجهة التحديات...

حينما تتبرقع الباطنيّة بشعارات التجديد (1-3)

الباطنية مذاهب مختلفة، يجمعها اعتقاد باطن للقرآن يخالف ظاهره، وأن هذا الباطن هو مراد الله تعالى، والمقصد من هذا إنما هو تحريف العقيدة وإبطال الشريعة، وإشاعة الشك والفوضى، وتبديل الأحكام الواضحة بمفاهيم عائمة لا تحق...