


عدد المقالات 336
لست أهوّن أبداً من مشروعية الغضب في مثل هذه الصدمات، بل أعتبر هذا دليلاً على حياة الأمة واعتزازها بهويتها وبذاتها، وبالعنوان الكبير الذي يجمعها، رغم محاولات تغييبها وتجزئتها، فحينما أرى شاباً عربياً أو تركياً أو كردياً يبكي حزناً وألماً على ما أصاب إخوانه المسلمين في أقصى الكرة الأرضية، وهو لا يعرفهم ولا يعرف جنسياتهم ولا أسماءهم، أتأكد أن الهوية الإسلامية الجامعة ما زالت تعيش في ضمائرنا وتجري في عروقنا. لكن جمرة الغضب سرعان ما تخبو وتنطفئ إن لم تقترن بتشخيص دقيق وتصوّر واع ضمن الدائرة الأشمل والأوسع. بداية ربما لا نحتاج أن نشخّص الدوافع الكامنة وراء هذا الإجرام، فالمجرم لم يكن على خلاف شخصي مع إمام المسجد مثلاً، ولا على خلاف مع المصلين في مسألة مالية أو اجتماعية، فالجريمة استهدفت المسجد، وكل إنسان مسلم موجود في هذا المسجد، وهذا باختصار معناه وجود كراهية وأحقاد متأصلة وراسخة في تكوين هذا المجرم ونظرته وثقافته تجاه الإسلام والمسلمين. والسؤال هنا؛ كيف تكونت هذه الثقافة؟ وهل هي ثقافة شخص أو ثقافة تيار له أصوله وفروعه وخلاياه الهائمة والنائمة؟ من المؤسف بالنسبة لنا، وبالنسبة للإنسانية بمعناها الأوسع كذلك، أن تكون هذه ثقافة تيار واسع وليس ثقافة شخصية محدودة، بل هي في كثير من الحالات ثقافة مدعومة أو محمية من قبل أنظمة عالمية كبرى! نعم نحن عندنا مجانين كما أن عندهم مجانين، لكننا وقفنا جميعاً بكل مؤسساتنا الحكومية والدينية والمجتمعية ضد مجانيننا، وبذلنا الدماء الغالية في محاربتهم وكبح جماحهم، ولم تحصل جريمة في الغرب إلا هبّ رؤساؤنا وكبار علمائنا للاستنكار والتنديد وتقديم التعازي والتبري الرسمي والفعلي من الفاعلين، ولكن حينما نكون نحن الضحايا يكون الآخرون في وضع مختلف، لا يرتقي في أحسن أحواله فوق تسجيل المواقف الشكلية والدبلوماسية، خذ مثلاً جرائم العصابات البوذية في بورما، والتي وصلت إلى حرق الأطفال وإغراقهم في البحيرات والأنهار، وهكذا أيضاً عصابات الأسد التي تعمّدت قصف الأطفال بالسلاح الكيماوي على مقربة من القواعد الأميركية والروسية، وحتى هذه اللحظة لم تصدر بحقه أية عقوبة دولية، بل الدب الروسي لا يتردد في إعلان تأييده الكامل لما يقوم به الأسد دون خجل ولا وجل، ويذكر العالم كله يوم وقفت أولبرايت وزيرة الخارجية الأميركية في إحدى الجامعات الأميركية لتبرر قتل نصف مليون طفل عراقي معتبرة هذا ضرورة لتطبيق الشرعية الدولية! ويذكر العالم كذلك الصور التذكارية التي كان يلتقطها الجنود الأميركيون مع الضحايا العراة في سجن أبي غريب؟ ليس معنى هذا أن الغرب جميعاً قد تواطأ على ذلك، فنيوزيلندا لا مصلحة لها بهذه الجريمة، ولا شك أنها متضررة أكثر من غيرها، وفي العالم الغربي كثير من التيارات التي قد تكون حزينة لما حصل أو يحصل، لكن هناك قوى فاعلة في هذا العالم ترى من ضرورات مصالحها توسيع سياسة «الفوضى» ونشر ثقافة الشر، وما لم تقف الإنسانية بوجه هذه القوى وتفضح مشاريعها ومخططاتها، فإنها ستغرق في بحر من الدم والبؤس والشقاء لا نهاية له.
هناك من يردد سؤالاً آخر مؤدّاه، ماذا نفعل إذا وجدنا في البخاري ما يعارض القرآن الكريم، أو يعارض العقل؟ وهذا السؤال بدأ يتردد مع هذه الموجة كجزء من حملة التشويه ومحاولة النيل من مكانة البخاري...
المسألة ليست مسألة تقديس للبخاري، ولو كانت المسألة كذلك لاتجه الناس إلى موطّأ الإمام مالك إمام دار الهجرة، أو مسند ابن حنبل إمام أهل السنّة، بل لقدّسوا مرويّات البخاري نفسه في كتبه الأخرى، فالمسألة عند...
إن هذا الاضطراب والتخبّط لدى هؤلاء يكشف أيضاً عن جهل عريض في أصول هذه العلوم ومبادئها الأولية، ولذلك لا ترى هذا الطعن إلا منهم ومن أمثالهم، ممن لا علم لهم بالسنّة وعلومها. إن علماء السنّة...
يتعرض صحيح البخاري هذه الأيام لحملة من التشكيك وإثارة الشبهات، مع حالة من الغموض بالنسبة لدوافعها وغاياتها، والعلاقات التي تجمع بين أصحابها، الذين كأنهم تفرّغوا اليوم أو فُرّغوا لهذه المهمة. هؤلاء بالعموم لم يُعرف عنهم...
قبل ثلاثين سنة، استبشر التيار الإسلامي بالانقلاب الذي قاده الرئيس عمر حسن البشير، وتصاعدت الآمال بالنموذج المرتقب للحكم الإسلامي المعاصر، وصار الناس يتداولون الأخبار والقصص عن زهد الرئيس البشير وتواضعه وحكمته، حتى سمعت من أحد...
بقرار من وزارة التعليم في دولة قطر، تشكلت لجنة من الكفاءات العالية لمراجعة وثيقة المعايير المتعلقة بمناهج التربية الإسلامية. وقد جاء القرار بحد ذاته ليعكس رؤية عميقة وواعدة يمكن تلخيصها في الآتي: أولاً: الاهتمام الخاص...
إن الحكم الوراثي السلالي كان جزءاً من ثقافة العرب عموماً، فإذا مات شيخ القبيلة ورثه ابنه، فإن لم يتهيّأ كان أقرب الناس إليه، ودول العالم المجاور للجزيرة -على الأقل- لم تكن تعرف غير هذا، وحينما...
من الغريب جداً أن «المتنورين» بروح العصر وقيمه وثقافته، يجعلون معيار الحكم على تلك المرحلة معياراً مستنداً بالأساس إلى روح «القداسة» أو قداسة «الروح»، فمرة يحدّثونك عن جريمة الخروج على الإمام علي، بمحاكمة أحادية الجانب،...
التاريخ بكل تأكيد لا تصنعه الملائكة، وإنما هو صناعة بشرية بأحداثه ومواقفه ورواياته وتدويناته وتحليلاته واستنتاجاته ومصادره، إلا ما ورد منه بآية قرآنية أو حديث صحيح. هذه المقدمة -التي ينبغي ألا نختلف فيها- تفتح باباً...
تستغل الباطنية اليوم حالة الضعف العام الذي تمر به الأمة سياسياً واقتصادياً وثقافياً، وما يصاحبها من تفكك واضطراب في المنظومة القيمية والعقدية الجامعة، وتراجع مستويات التعليم الديني، وعجز المؤسسات الشرعية والجماعات الإسلامية عن مواجهة التحديات...
الباطنية مذاهب مختلفة، يجمعها اعتقاد باطن للقرآن يخالف ظاهره، وأن هذا الباطن هو مراد الله تعالى، والمقصد من هذا إنما هو تحريف العقيدة وإبطال الشريعة، وإشاعة الشك والفوضى، وتبديل الأحكام الواضحة بمفاهيم عائمة لا تحق...
الحقيقة أن العلماء لم يختلفوا في القطعيات أو البديهيات، لكنها أزمة الحوار التي حوّلت الخلاف في هذه المسألة وغيرها من دائرة الظنّيات إلى دائرة القطعيات، ومن دائرة الفرعيات إلى دائرة الكليات، وهي أزمة تنقل الحوار...