عدد المقالات 336
إن الحكم الوراثي السلالي كان جزءاً من ثقافة العرب عموماً، فإذا مات شيخ القبيلة ورثه ابنه، فإن لم يتهيّأ كان أقرب الناس إليه، ودول العالم المجاور للجزيرة -على الأقل- لم تكن تعرف غير هذا، وحينما جاء الإسلام لم يأتِ نص صريح بتحريم هذا الشكل من الحكم، كما جاء مثلاً تحريم الخمر والربا، وسياسة الخلفاء الراشدين -على أهميتها- لا يمكن أن تشكّل قناعة قوية بالتحريم، خاصة أنها تركت ثغرات سياسية وأمنية كادت أن تودي بالدولة والمشروع الإسلامي كله، ويكفي تمكّن المارقين من قتل الخلفاء الثلاثة الواحد تلو الآخر -كما مرّ- وظهور بوادر النزاع الدستوري والسياسي في كل مرة. أما الشورى، فرغم أهميتها العظمى فإن اعتمادها آلية وحيدة في اختيار الحاكم وبالصورة التي يتخيلها «التنويريون» اليوم، لا يخلو من التكلف والمثالية البعيدة عن الواقع، فأهل السقيفة الذين تشاوروا في اختيار أبي بكر، وحتى لو كان معهم كل أهل المدينة لا يمكن اعتبارهم عدداً كافياً لتمثيل الأمة التي تنتشر في كل الجزيرة إلى أطراف الشام والعراق، وكذلك طريقة اختيار عمر ثم عثمان ثم علي، فالأمة خارج المدينة كانت تتلقى الأخبار، ثم تتابع، فهل كانت الأمة قد خوّلت أهل المدينة بذلك؟ الحقيقة، أن الذي كان يحكم المعادلة هو الواقع، لأن أدوات التواصل الشوري بين الأقاليم الإسلامية كانت أشبه بالمستحيل، خاصة أننا نتكلم عن الشورى التي تضمن اختيار الأمة وإرادتها، لكن حينما كانت الثقة بين الأمة وأهل المدينة ثقة مطلقة لم يبدر خلاف معتبر، أما بعد أن دخلت الفتنة إلى المدينة وتم قتل عثمان -رضي الله عنه- ولم يستطع أهل المدينة أن يحموه، ولا أن يستعيدوا هيبة الخلافة، فكيف نطالب الأقاليم القوية والمستقرة كمصر والشام بمتابعة أهل المدينة وهي على هذه الحال؟ ولو افترضنا أن مصر والشام قد اجتمعوا على خليفة بعد مقتل عثمان، فهل لهم ذلك، أو أن هذا لأهل المدينة خاصة، وما المعيار الشرعي أو السياسي الحاكم في ذلك؟ فإذا أضيف إلى هذا أن صحابة كثر من أهل المدينة قد خرجوا على خلافة المدينة، ومنهم طلحة والزبير وأم المؤمنين عائشة -رضي الله عنهم- ندرك عمق المأزق السياسي الذي يحاول بعض الباحثين تبسيطه إلى حدّ السذاجة، بالزعم أن هنالك من يمثّل خط النور والرشد والهداية، وأن كل خارج عنه إنما هو خارج إلى الضلال والانحراف! فإذا أعيتهم الحيل تقمّصوا شخصية الإنسان العامّي البسيط، وراحوا يتنازلون عن عروشهم الفكرية ليلتقطوا رواية من هنا وأخرى من هناك، بطريقة انتقائية مجزّأة من غير ربط ولا تحليل ولا تعليل. وعودة على معيار «الحكم الوراثي» الذي جعلوه أساً للانحراف والدليل القاطع عليه، لنسأل: هب أن معاوية قد اخترع هذا الشكل اختراعاً، وهو مخالف بذلك للشورى ولكل قيم الإسلام، فلماذا أصرّت الأمة عليه في عصورها المختلفة؟ الأمويين والعباسيين والأيوبيين والعثمانيين وغيرهم؟ هل كل هؤلاء منحرفون؟ وإذا كان الإسلام -بزعمكم- لم يستطع أن يقنع أتباعه على مرّ القرون بقيمه ومبادئه، فبِمَ نبشّر العالم؟ وما الرسالة التي نحملها إليهم؟ ومن ذاك الذي يحملها أصلاً؟
هناك من يردد سؤالاً آخر مؤدّاه، ماذا نفعل إذا وجدنا في البخاري ما يعارض القرآن الكريم، أو يعارض العقل؟ وهذا السؤال بدأ يتردد مع هذه الموجة كجزء من حملة التشويه ومحاولة النيل من مكانة البخاري...
المسألة ليست مسألة تقديس للبخاري، ولو كانت المسألة كذلك لاتجه الناس إلى موطّأ الإمام مالك إمام دار الهجرة، أو مسند ابن حنبل إمام أهل السنّة، بل لقدّسوا مرويّات البخاري نفسه في كتبه الأخرى، فالمسألة عند...
إن هذا الاضطراب والتخبّط لدى هؤلاء يكشف أيضاً عن جهل عريض في أصول هذه العلوم ومبادئها الأولية، ولذلك لا ترى هذا الطعن إلا منهم ومن أمثالهم، ممن لا علم لهم بالسنّة وعلومها. إن علماء السنّة...
يتعرض صحيح البخاري هذه الأيام لحملة من التشكيك وإثارة الشبهات، مع حالة من الغموض بالنسبة لدوافعها وغاياتها، والعلاقات التي تجمع بين أصحابها، الذين كأنهم تفرّغوا اليوم أو فُرّغوا لهذه المهمة. هؤلاء بالعموم لم يُعرف عنهم...
لست أهوّن أبداً من مشروعية الغضب في مثل هذه الصدمات، بل أعتبر هذا دليلاً على حياة الأمة واعتزازها بهويتها وبذاتها، وبالعنوان الكبير الذي يجمعها، رغم محاولات تغييبها وتجزئتها، فحينما أرى شاباً عربياً أو تركياً أو...
قبل ثلاثين سنة، استبشر التيار الإسلامي بالانقلاب الذي قاده الرئيس عمر حسن البشير، وتصاعدت الآمال بالنموذج المرتقب للحكم الإسلامي المعاصر، وصار الناس يتداولون الأخبار والقصص عن زهد الرئيس البشير وتواضعه وحكمته، حتى سمعت من أحد...
بقرار من وزارة التعليم في دولة قطر، تشكلت لجنة من الكفاءات العالية لمراجعة وثيقة المعايير المتعلقة بمناهج التربية الإسلامية. وقد جاء القرار بحد ذاته ليعكس رؤية عميقة وواعدة يمكن تلخيصها في الآتي: أولاً: الاهتمام الخاص...
من الغريب جداً أن «المتنورين» بروح العصر وقيمه وثقافته، يجعلون معيار الحكم على تلك المرحلة معياراً مستنداً بالأساس إلى روح «القداسة» أو قداسة «الروح»، فمرة يحدّثونك عن جريمة الخروج على الإمام علي، بمحاكمة أحادية الجانب،...
التاريخ بكل تأكيد لا تصنعه الملائكة، وإنما هو صناعة بشرية بأحداثه ومواقفه ورواياته وتدويناته وتحليلاته واستنتاجاته ومصادره، إلا ما ورد منه بآية قرآنية أو حديث صحيح. هذه المقدمة -التي ينبغي ألا نختلف فيها- تفتح باباً...
تستغل الباطنية اليوم حالة الضعف العام الذي تمر به الأمة سياسياً واقتصادياً وثقافياً، وما يصاحبها من تفكك واضطراب في المنظومة القيمية والعقدية الجامعة، وتراجع مستويات التعليم الديني، وعجز المؤسسات الشرعية والجماعات الإسلامية عن مواجهة التحديات...
الباطنية مذاهب مختلفة، يجمعها اعتقاد باطن للقرآن يخالف ظاهره، وأن هذا الباطن هو مراد الله تعالى، والمقصد من هذا إنما هو تحريف العقيدة وإبطال الشريعة، وإشاعة الشك والفوضى، وتبديل الأحكام الواضحة بمفاهيم عائمة لا تحق...
الحقيقة أن العلماء لم يختلفوا في القطعيات أو البديهيات، لكنها أزمة الحوار التي حوّلت الخلاف في هذه المسألة وغيرها من دائرة الظنّيات إلى دائرة القطعيات، ومن دائرة الفرعيات إلى دائرة الكليات، وهي أزمة تنقل الحوار...