عدد المقالات 336
يتعرض صحيح البخاري هذه الأيام لحملة من التشكيك وإثارة الشبهات، مع حالة من الغموض بالنسبة لدوافعها وغاياتها، والعلاقات التي تجمع بين أصحابها، الذين كأنهم تفرّغوا اليوم أو فُرّغوا لهذه المهمة. هؤلاء بالعموم لم يُعرف عنهم الاهتمام ببحوث السنّة النبوية، ولذلك يُستبعد أن يكونوا قد توصلوا بالفعل إلى هذه الشبهات نتيجة لحلقات البحث والدراسات العلمية، بل ربما يكون الواحد منهم قد بات وهو لا يعرف شيئاً عن البخاري، ثم يستيقظ في الصباح ليمارس شهوته في هذا النقد وهذا الطعن، وقد انتشر مؤخّراً تسجيل مرئي لشيخ معمم يطعن في البخاري وهو لا يعرف اسمه، فيسميه «جُمعة أبو عبدالله محمد بن إسماعيل»، لأنه قرأ على غلاف الكتاب عبارة «جَمَعه أبو عبدالله...». يقول لك آخر: إنه يريد أن يرسّخ في الأمة مرجعية القرآن الكريم، ولذلك فهو يضعّف كل حديث يعارض القرآن ولو كان في صحيح البخاري، هنا تظن لأول وهلة أنك أمام باحث مختص في القرآن الكريم وتفسيره، عارف بأصوله وفروعه، ومحكمه ومتشابهه، ومكّيّه ومدنيّه، ومتضلع قبل كل هذا بلغة القرآن وأسلوبه، لكنك تُفاجأ حينما تعلم أن هذا وأمثاله ربما لا يحسنون تلاوة القرآن أصلاً، وربما جاءوا بالمضحكات حينما يحاولون تفسير كلمة أو آية من آيات القرآن. بعضهم تراه يردد كلمات وعبارات، تفهم من مجملها أن عقدته مع البخاري تكمن في تصوّره أن التشبث بالبخاري يعني عنده الجمود على الماضي والعجز عن مواكبة العلوم الحديثة ومتطلبات العصر، ولشدة ما تراه متحمساً لهذا الاتجاه تتخيل كأنه يواجه يومياً مئات الحافظين لصحيح البخاري، والذين لا شغل لهم إلا مذاكرة ما يحفظونه منه بمتونه وأسانيده، حتى أشغلهم ذلك عن غيره، ولا أدري كيف برزت أمام ناظريه هذه المشكلة في وقت نرى فيه هذا الجيل -إلا ما ندر- منشغلاً بأمور أخرى لا تمتّ إلى البخاري بصلة، فمتابعة لعبة الكرة مثلاً مقدّمة عندهم على متابعة دروسهم وواجباتهم، ناهيك عن أولئك الذين غرقوا في أوحال الرذيلة والمخدرات، ثم لنسأل هؤلاء: ما الدراسة العلمية التي أوصلتكم إلى هذا التشخيص؟ وكم نسبة هؤلاء الشباب الذين شغلتهم أحاديث البخاري قياساً ببقية شباب الأمة؟ أخيراً وليس آخراً، ربما ترى صنفاً آخر يتضايق جداً من البخاري، لا لشيء إلا لأنه لم يفهم لماذا حظي البخاري بهذه المكانة، ولماذا كان صحيحه أصحّ كتاب بعد القرآن الكريم، فتراه يتساءل بغضب وانفعال: لماذا هذا الغلو؟ لماذا هذا التقديس؟ وهذه التساؤلات يمكن أن نتفهمها، خاصة مع شيوع حالة من المفاهيم والتصورات المغلوطة عن البخاري وعن غير البخاري، لكن أليس من الغريب أن يكون الإعلام الغربي هو الذي يروّج لمثل هذه التساؤلات؟ ثم تجد من يعكسها عليك بالنص؟ خذ مثلاً هذه العبارة التي نشرتها قناة الحرة العربية على موقعها الرسمي، والتي يرددها أيضاً كثير من الناقدين والطاعنين: «حينما يتم نقد البخاري أمام رجال الدين، فإن أوصالهم ترتعد لأن ذلك سوف يهدم كهنوتهم الديني، الذي يسيطرون به على عقول العامة»!
هناك من يردد سؤالاً آخر مؤدّاه، ماذا نفعل إذا وجدنا في البخاري ما يعارض القرآن الكريم، أو يعارض العقل؟ وهذا السؤال بدأ يتردد مع هذه الموجة كجزء من حملة التشويه ومحاولة النيل من مكانة البخاري...
المسألة ليست مسألة تقديس للبخاري، ولو كانت المسألة كذلك لاتجه الناس إلى موطّأ الإمام مالك إمام دار الهجرة، أو مسند ابن حنبل إمام أهل السنّة، بل لقدّسوا مرويّات البخاري نفسه في كتبه الأخرى، فالمسألة عند...
إن هذا الاضطراب والتخبّط لدى هؤلاء يكشف أيضاً عن جهل عريض في أصول هذه العلوم ومبادئها الأولية، ولذلك لا ترى هذا الطعن إلا منهم ومن أمثالهم، ممن لا علم لهم بالسنّة وعلومها. إن علماء السنّة...
لست أهوّن أبداً من مشروعية الغضب في مثل هذه الصدمات، بل أعتبر هذا دليلاً على حياة الأمة واعتزازها بهويتها وبذاتها، وبالعنوان الكبير الذي يجمعها، رغم محاولات تغييبها وتجزئتها، فحينما أرى شاباً عربياً أو تركياً أو...
قبل ثلاثين سنة، استبشر التيار الإسلامي بالانقلاب الذي قاده الرئيس عمر حسن البشير، وتصاعدت الآمال بالنموذج المرتقب للحكم الإسلامي المعاصر، وصار الناس يتداولون الأخبار والقصص عن زهد الرئيس البشير وتواضعه وحكمته، حتى سمعت من أحد...
بقرار من وزارة التعليم في دولة قطر، تشكلت لجنة من الكفاءات العالية لمراجعة وثيقة المعايير المتعلقة بمناهج التربية الإسلامية. وقد جاء القرار بحد ذاته ليعكس رؤية عميقة وواعدة يمكن تلخيصها في الآتي: أولاً: الاهتمام الخاص...
إن الحكم الوراثي السلالي كان جزءاً من ثقافة العرب عموماً، فإذا مات شيخ القبيلة ورثه ابنه، فإن لم يتهيّأ كان أقرب الناس إليه، ودول العالم المجاور للجزيرة -على الأقل- لم تكن تعرف غير هذا، وحينما...
من الغريب جداً أن «المتنورين» بروح العصر وقيمه وثقافته، يجعلون معيار الحكم على تلك المرحلة معياراً مستنداً بالأساس إلى روح «القداسة» أو قداسة «الروح»، فمرة يحدّثونك عن جريمة الخروج على الإمام علي، بمحاكمة أحادية الجانب،...
التاريخ بكل تأكيد لا تصنعه الملائكة، وإنما هو صناعة بشرية بأحداثه ومواقفه ورواياته وتدويناته وتحليلاته واستنتاجاته ومصادره، إلا ما ورد منه بآية قرآنية أو حديث صحيح. هذه المقدمة -التي ينبغي ألا نختلف فيها- تفتح باباً...
تستغل الباطنية اليوم حالة الضعف العام الذي تمر به الأمة سياسياً واقتصادياً وثقافياً، وما يصاحبها من تفكك واضطراب في المنظومة القيمية والعقدية الجامعة، وتراجع مستويات التعليم الديني، وعجز المؤسسات الشرعية والجماعات الإسلامية عن مواجهة التحديات...
الباطنية مذاهب مختلفة، يجمعها اعتقاد باطن للقرآن يخالف ظاهره، وأن هذا الباطن هو مراد الله تعالى، والمقصد من هذا إنما هو تحريف العقيدة وإبطال الشريعة، وإشاعة الشك والفوضى، وتبديل الأحكام الواضحة بمفاهيم عائمة لا تحق...
الحقيقة أن العلماء لم يختلفوا في القطعيات أو البديهيات، لكنها أزمة الحوار التي حوّلت الخلاف في هذه المسألة وغيرها من دائرة الظنّيات إلى دائرة القطعيات، ومن دائرة الفرعيات إلى دائرة الكليات، وهي أزمة تنقل الحوار...