alsharq

د. علي محمد الصلابي

عدد المقالات 83

قيمة الصبر والمصابرة في ميزان الحسنات

23 مايو 2024 , 10:46م

إن من رتب الدين الرفيعة ومقاماته العالية وقيمه السامية، قيمة الصبر والمصابرة في سبيل الله تعالى، فالصبر يرتبط بالإيمان ارتباطاً محورياً وجوهرياً، فقد روي عن علي رضي الله عنه قوله: «الصبر من الإيمان بمنزلة الجسد من الرأس، ولا إيمان لمن لا صبر له»، وتكرر ذكر الصبر في القرآن الكريم في مواضع كثيرة جداً، وذلك للدلالة على أهمية هذا الخلق الإيماني والسلوك الإسلامي، كانت معظمها في سياق الحض على الصبر والأمر به، وبعضها في سياق ثناء الله تعالى على الصابرين وما أعده لهم من الأجر العظيم في الدنيا والآخرة، قال تعالى: (وَبَشِّرْ الصَّابِرِينَ * الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ * أُوْلَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُوْلَئِكَ هُمْ الْمُهْتَدُونَ) [البقرة: 155 – 157]. وهذا الصبر الذي طالب الله تعالى به عباده على ثلاثة أنواع، صبرٌ على طاعة الله والالتزام بأوامره والمداومة على عبادته كما أمر، وصبرٌ على اجتناب المعاصي والإقلاع عن الذنوب ومقاومة رغبات النفس الأمارة بالسوء، وصبرٌ على أقدار الله تعالى المؤلمة من المصائب والمحن الدنيوية، والأذى الذي يتعرض له المؤمنون من الكافرين والمنافقين وأعداء الدين. ولذلك جاء الأمر بالصبر والمصابرة على جميع ما ذكر بصيغة عامة في عدة آيات من كتاب الله تعالى، قال تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ‌اصْبِرُوا ‌وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ﴾ [آل عمران: 200]، وأمر الله تعالى بالاستعانة بالصبر، فقال سبحانه: ﴿وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ ۚ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلَّا عَلَى الْخَاشِعِينَ﴾ [البقرة: 45]، وقال عز وجل: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ‌اسْتَعِينُوا ‌بِالصَّبْرِ ‌وَالصَّلَاةِ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ﴾ [البقرة: 153]. إن أداء عبادة الصبر على أكمل وجه صعبٌ وشاق على النفس البشرية، فالصبر يتطلب الإيمان الصادق واليقين بالله عز وجل، وقبل ذلك كله الاستعانة بالله تعالى على الصبر، فلا صبر لمن لم يصبره الله ! ولأن الصبر يتطلب من العبد صدق الإيمان ومجاهدة النفس، فكان للصبر الأجر العظيم الذي وعد الله به عباده الصابرين في الدنيا والآخرة، وما ذكر في باب أجر الصابرين وثواب الصبر كثير جداً في القرآن الكريم والسنة النبوية، فالصبر طريق لنيل رضا الله عز وجل ومعيته، وكسب الحسنات وتكفير الخطايا والسيئات، قال تعالى: ﴿ إِنَّ ‌اللَّهَ ‌مَعَ ‌الصَّابِرِينَ ﴾ [البقرة: 153]، وقال سبحانه: ﴿ إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ ‌أَجْرَهُمْ ‌بِغَيْرِ ‌حِسَابٍ﴾ [الزمر: 10]. والصبر على البلاء خيرٌ للعبد من التذمر والشكوى والسخط، فهو إن صبر كان البلاء له خير في دنياه وآخرته، قال تعالى: (وَلَئِنْ صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِلصَّابِرِينَ) [النحل: 126]، وقال صلى الله عليه وسلم: « عَجِبْتُ لأمرِ المؤمنِ، إنَّ أمرَهُ كُلَّهُ خيرٌ، إن أصابَهُ ما يحبُّ حمدَ اللَّهَ وَكانَ لَهُ خيرٌ، وإن أصابَهُ ما يَكْرَهُ فصبرَ كانَ لَهُ خيرٌ، وليسَ كلُّ أحدٍ أمرُهُ كلُّهُ خيرٌ إلَّا المؤمنُ « (مسلم: 2999)، وقال عليه الصلاة والسلام في الحديث الذي رواه أبو هريرة: « ما يزالُ البلاءُ بالمؤمنِ والمؤمنةِ في نفسِه وولدِه ومالِه حتَّى يلقَى اللهَ تعالَى وما عليه خطيئةٌ « (الترمذي: 2399). على العبد المسلم أن يعلم أن الصبر هو خير عطاء يمكنه أن يحوزه في حياته ويستعين به على نوائب الدهر، فقد روي عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أنه قال: « أنَّ ناسًا مِنَ الأنصارِ سألوا رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ فأعطاهم، ثمَّ سألوه فأعطاهم، حتَّى إذا نَفِدَ ما عِندَه قال: ما يكونُ عِندي مِن خيرٍ، فلَنْ أدَّخِرَه عنكم، ومَن يستعفِفْ يُعِفَّهُ اللهُ عزَّ وجَلَّ، ومَن يَصبِرْ يُصبِّرْه اللهُ، وما أُعْطِيَ أحدٌ عطاءً هو خيرٌ وأوسَعُ مِنَ الصَّبرِ « (النسائي: 2587). إن فضيلة الصبر تحيط المسلم بمنافعها في دنياه وآخرته، فبالصبر يخف المصاب ويهون الخطب، بينما يشتد بالجزع الكرب، ويعظم الهمّ والغم بالسخط والتذمر. وبالصبر يعظم الأجر والثواب، بينما يحبط الأجر بالجزع وربما يحل العقاب. ويجب على المسلم أن يوقن بالفرج بعد الكرب ويحسن الظن بالله تعالى، فيصبر ويتصبر، فهو بقوله تعالى: (فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً * إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً) [الشرح:٥-٦]. فالصبر ضرورة ملحة في حياة المسلم في كل عمل من أعماله، فلا طاقة للعبد على المداومة على طاعة الله تعالى واجتناب نواهيه وتحمل الآلام والصعاب إلا بهذه الخصلة العظيمة، ولنا في أيامنا هذه في إخواننا أهل غزة خير مثلٍ ونموذج واقعي يتجلى فيه الصبر بأعظم معانيه وأسمى صوره. فنسأل الله تعالى أن يعينهم ويصبرهم ويفرج كربهم وينصرهم على عدوهم، إنه ولي ذلك والقادر عليه.

فقه القيادة وأبعاده الحضارية في قصة ذي القرنين

إن الله تعالى أظهر في سيرة أحسن الملوك -ذي القرنين- (1)، مفاهيم حضارية وجعل في سيرته دروسًا لكل من أراد أن يحكم بالحق والعدل من الحكام في الناس، فأرشد القرآن الكريم عباده إلى ركائز الحضارة...

سليمان عليه السلام ... التمكين المؤيَّد بالوحي والعلم والحكمة

تسلم سليمان عليه السلام قيادة الدولة القوية التي أسست على الإيمان والتوحيد وتقوى الله تعالى، لقد أوتي سليمان عليه السلام الملك الواسع والسلطان العظيم، بحيث لم يؤت أحد مثلما أوتي، ولكنه أعطى قبل ذلك عطاء...

التنظيم والانضباط في دولة الزنكيين

اهتم عماد الدين زنكي بالجيش اهتماماً كبيراً، وبرز هذا الاهتمام في شكل ووظيفة الدواوين التي كانت تختص بشؤون الجيش والعسكر، وأيضاً في طرق وأساليب عماد الدين زنكي في إدارة المؤسسة العسكرية. 1 ـ الجيش: كانت...

إدارة الشؤون الداخليَّة في خلافة أبو بكر الصديق

أراد الصِّدِّيق ـ رضي الله عنه ـ أن ينفِّذَ السياسة التي رسمها لدولته، واتَّخذ من الصَّحابة الكرام أعواناً يساعدونه على ذلك، فجعل أبا عبيدة بن الجراح أمين هذه الأمَّة (وزير الماليَّة) فأسند إليه شؤون بيت...

حريـة الاعتـقـاد بين الإسلام وغيره من العقائد والمذاهب

يقف الإسلام بين الأديان والمذاهب والفلسفات شامخاً متميزاً في هذا المبدأ الذي قرر فيه حرية التدين، فهو يعلنها صريحة لا مواربة فيها ولا التواء، أنه: {لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ فَمَنْ...

«الأخذ بأسباب الوحدة والاتحاد والاجتماع»

إذا كانت الفرقة هي طريق الانحطاط والضعف، فإن الوحدة هي سبيل الارتقاء وتبوؤ المكانة الفاضلة من جديد. إن اتحاد الأمة الإسلامية على أسس ديننا العظيم أمل كل المسلمين الصادقين في كل مكان، ذلك أن الإسلام...

الشورى في دولة الفاروق

اهتمّ عمرُ بنُ عبد العزيز رحمه الله بتفعيل مبدأ الشورى في خلافته، ومن أقواله في الشورى: «إنَّ المشورةَ والمناظرةَ بابُ رحمةٍ، ومفتاحُ بركةٍ، لا يضلُّ معهما رأيٌ، ولا يفقدُ معهما حزم». وكان أول قرارٍ اتخذه...

أبو بكر الصديق في «بدر الكبرى»

ذكر أهل العلم بالتَّواريخ والسِّيَر أنَّ أبا بكرٍ شهد مع النبيِّ (ﷺ) بدراً، والمشاهد كلَّها، ولم يفته منها مشهدٌ، وثبت مع رسول الله يوم أحدٍ حين انهزم الناسُ، ودفع إليه النبيُّ رايته العظمى يوم تبوك،...

الأخلاق القيادية في شخصية داود عليه السلام

بين القرآن الكريم أن داود عليه السلام كان مجاهداً في جيش طالوت، وممن نجحوا في الامتحان العسير الذي قرّر رئيس الجيش أن يخوضه جميع جنوده فسقط من سقط وعبر من عبر، فقد رفع داود عليه...

دفاع أبي بكر الصديق -- عن النبي ﷺ

كان من صفات الصِّدِّيق التي تميَّز بها: الجرأة، والشَّجاعة، فقد كان لا يهاب أحداً في الحقِّ، ولا تأخذه لومة لائم في نصرة دين الله، والعمل له، والدفاع عن رسوله (ﷺ)، فعن عروة بن الزُّبير، قال:...

«الواحد»

اسم «الواحد» هو اسم من أسماء الله الحسنى التي تدل على تفرده سبحانه وتعالى بالوحدانية، فهو الواحد الذي لا ثاني له، ولا مثيل ولا نظير، وهو الواحد في ألوهيته، فلا معبود بحق سواه، وهو الواحد...

نماذج علمائية ملهمة ابن حزم «إمام أهل الأندلس»

هو الإمامُ والمجتهد الكبير، بحر العلوم، وجامع الفنون، وإمام المذهب الظَّاهريِّ وأبرز أعلامه، الفقيه الحافظ، الأديب الوزير، المؤرِّخ الناقد، العالم الموسوعيُّ، صاحب التَّصانيف الباهرة والأقوال الظَّاهرة، أجمعَ أهلِ الأندلس قاطبةً لعلوم الإسلام، وأوسعَهُم معرفةً، مع...