


عدد المقالات 336
صدم العالم بالفضيحة الإعلامية للنظام الإيراني في قمة عدم الانحياز والتي انعقدت مؤخرا في طهران؛ حيث تم تزوير كلمة الرئيس المصري محمد مرسي بشكل فاقع لا يحتمل التأويل أو التبرير، فالثورة السورية على النظام الأسدي الظالم تحولت في الترجمة الفارسية إلى الثورة البحرينية! وتم حذف أو تحريف كل كلمة تمس النظام الأسدي، وهناك كلام عن حذف العبارة التي استهل بها مرسي كلمته «ورضي الله عن ساداتنا أبي بكر وعمر وعثمان وعلي»!. النظام الإيراني لم يستطع أن يتلافى الكارثة إلا بإلقاء اللوم على الشخص المترجم؛ حيث التبست عليه بعض الكلمات أو العبارات! وأيا ما كانت طريقة النظام في احتواء هذه الفضيحة فإنها قدمت دلالات وتصورات جديدة عن طبيعة هذا النظام وأسلوبه في التعبير عن ذاته وسياساته الداخلية والخارجية. بديهيا إن المترجم لم يكن على علم بما سيقوله محمد مرسي أو غيره من المتحدثين، وبديهيا أيضا إن المترجم لا يمكن أن يتخذ قرارا آنيا على هذا المستوى من الخطورة، فلم يبق أمام الباحث المنصف والمحايد إلا أن يصل إلى نتيجة أن قرار التحريف قد اتخذ كاستراتيجية احتياطية لتلافي ما يمكن أن يقوله مرسي مما لا يرغب النظام بوصوله إلى الشعب الإيراني، خاصة أن مرسي هو أول رئيس مصري يزور طهران منذ عقدين أو أكثر وأنه بكل تأكيد يمتلك ثقافة ورؤية تختلف عن حسني مبارك وكل الرؤساء المصريين السابقين. هذه الاستراتيجية الاحتياطية انطوت على دلالات خطيرة في السياسة الإيرانية بل وفي الثقافة العميقة للنظام الحاكم. كان المشهد غريبا وربما متناقضا فكلمة المرشد الأعلى بعمامته ولحيته وعباراته الدينية والهالة التقديسية من حوله كل هذا يعطي انطباعا أن الأداء الإداري للقمة وخدمة الضيوف المشاركين سيكون بمستوى مختلف أو متميز عن القمم الأخرى التي تعقد في دول لا تتسم بهذا البعد الديني، لكن الذي حصل هو انتهاك لمنظومة القيم الدينية والعلائقية وحتى لأدبيات الضيافة والتواصل المجتمعي، وهذا في الحقيقة لا يمكن أن يكون زلة طارئة بل هو قرار سياسي منسجم مع أرضية ثقافية ما زال العالم يجهلها أو على الأقل لم يضعها في إطارها التشخيصي الموضوعي، ذلك أن التدين قد يكون دافعا لتحسين العلاقات الإنسانية ، وقد يمارس دورا معكوسا كما قال القرآن الكريم معللا السلوك المنحرف لنمط من التدين: {ومنهم من إن تأمنه بدينار لا يؤده إليك إلا ما دمت عليه قائما ذلك بأنهم قالوا ليس علينا في الأميين سبيل ويقولون على الله الكذب وهم يعلمون} آل عمران-75؛ حيث تمتزج المعتقدات الغيبية بموروث شعبي متراكم يستبطن في داخله عُقَدا مستعصية من ثقافة الكراهية والثأر والانتقام، وهذا النوع من السلوك الديني يشكل خطرا على المجتمعات الإنسانية أكثر بكثير من نزعات الأنانية التي تدفع إلى سلوك سياسي براجماتي وهو ما يمثل اليوم العنوان الأبرز للتدافع السياسي على مستوى العلاقات الدولية وعلى مستوى العلاقات الحزبية الحزبية داخل الدولة الواحدة. في السياسة البراجماتية يكون الدافع هو الاستئثار بمزيد من الثروات والمكاسب المادية والمعنوية، وهذه السياسة قد تنتج حراكا تنافسيا لتطوير المجتمعات وقد تنتج صراعا مؤذيا وذلك بحسب طبيعة المجتمع وثقافته والنظام السائد فيه، أما السياسة الدينية التي تستند إلى مقولات ثأرية وانتقامية فإنها لا يمكن أن تكون إلا أداة تدميرية ولجميع الأطراف، ومن يتابع حملات البوذيين في حرق أطفال المسلمين في بورما وتهديم منازلهم والتلذذ بشق بطون الحوامل يدرك أي صورة يمكن أن يصل إليها المجتمع البشري في ظل هذه الثقافات، وهؤلاء البوذيون المتعصبون على استعداد للتضحية حتى بمصالحهم في سبيل الوصول إلى شهوة السكر الثأري والانتقامي، وهذا ما يفسر المستوى المعيشي المتدني للبوذيين أنفسهم وسكوتهم أو قبولهم بهذا المستوى. في التجربة العراقية مثال آخر، فالطائفة الشيعية اليوم مسكت بزمام الأمور في البلاد، وهي تتربع على منجم من الثروات المتنوعة لا مثيل له في العالم، ومع هذا يعيش الشيعة قبل غيرهم حالة من البؤس والشقاء تجعلهم في مصاف الشعوب الأكثر فقرا في العالم، شعب يعيش بلا كهرباء ولا خدمات صحية ولا بنية تحتية، شعب لا يدري أين تذهب ثرواته وكيف توزع، ومع كل هذا فإن المسيرات المليونية لا تسمع منها صوتا واحدا يطالب بمعالجة هذا الوضع المزري، فالملايين مشدودة إلى ثقافات تاريخية مشحونة بأدبيات الثأر والانتقام ولا مجال فيها للنزول أو الصعود إلى مستوى الاهتمامات الإنسانية العادية في الخدمات والوظائف ومتطلبات الحياة المعاصرة. الشعب الإيراني الذي مارس الإعلام الرسمي بحقه كل هذا التزوير أو التضليل لم تظهر منه أية ردة فعل وكأن الأمر لا يعنيه ولا يتعلق به، ولو حصل هذا في المجتمعات الغربية لكان له تداعيات قد لا تقف عند حد التحقيق والمحاكمة. هذه الصورة التي قدمها الشعب الإيراني عن نفسه لا يمكن تفسيرها إلا بنمط السلوك الديني المزدوج والذي يغذي نزعة الكراهية تجاه الآخر وبالقدر ذاته يغذي السلوك التبريري لقياداته الدينية في كل ما تقوله وتفعله. إيران لا تختلف عن العراق من حيث الموارد الاقتصادية الضخمة والمتنوعة، وقد كان من الممكن أن تكون الدولة الاقتصادية الأولى في المنطقة وأن ينعكس هذا في مستوى دخل الفرد والخدمات المقدمة له خاصة أنها دولة دينية تركز في أدبياتها على معاني العدل والنزاهة وتجعل نموذجها الأعلى في ذلك سيرة علي بن أبي طالب والذي عرف عنه شدة الورع في التعامل مع المال العام وتوزيعه، لكن صورة الخليفة الراشد أو «الإمام المعصوم» لا تستدعى لتأسيس نظرية عادلة في توزيع الثروات بقدر ما تستدعى للانتقاص من رموز الأمة والذين كانوا شركاء لعلي بن أبي طالب على الأقل في إيصال الإسلام إلى هذه البلاد، كما تستدعى سيرة الحسين وقصة استشهاده لترسيخ ثقافة الانتقام و «القصاص» من خصوم وهميين لم يحضروا واقعة الطف ولم يرضوا بها. وإذا كانت الجزيرة قد تمكنت اليوم بفضل مهنيتها العالية وإمكاناتها المتطورة أن تكشف هذا التزوير الفاقع فمن الذي سيتمكن من كشف الروايات التزويرية التي انبثقت من هذه الثقافات المعقدة لتشويه صورة التاريخ الإسلامي وإنجازات الفاتحين الأوائل وبناة الحضارة المتميزة في هذا العالم؟ لقد كنت أسمع لواحد من الأساتذة الشيعة العراقيين وهو يتغنى بحضارة العراق وما قدمته بغداد من علم وأدب وفن، فقلت له: إنك اليوم تتحدث كعراقي وليس كشيعي، فقال: إنني شيعي وعراقي، قلت هذا غير ممكن، فالرواية الشيعية لتاريخ العراق من الفتح الإسلامي وحتى سقوط بغداد على يد الجيش الأميركي رواية سوداء لم تستثن واحدا من بناة التاريخ العراقي من عمر بن الخطاب وسعد بن أبي وقاص حتى المنصور وهارون الرشيد والمعتصم، فضلا عن «الحكم العارفي» و «الصدامي» ففي أي عهد سياسي بنيت هذه الحضارة؟ إن الرواية الشيعية التي وصلت إلى حد تسمية الفتوحات الإسلامية بالفتوحات الجنكيزخانية! لم تستثن يوما واحدا في هذا التاريخ ولا شبرا واحدا في تلك الجغرافيا، ولذلك نحن اليوم مدعوون بشكل جاد للتحقيق في كل ما كتبه الشيعة عن تاريخنا من يوم السقيفة وكربلاء إلى كلمة محمد مرسي ومحاكمة طارق الهاشمي.
هناك من يردد سؤالاً آخر مؤدّاه، ماذا نفعل إذا وجدنا في البخاري ما يعارض القرآن الكريم، أو يعارض العقل؟ وهذا السؤال بدأ يتردد مع هذه الموجة كجزء من حملة التشويه ومحاولة النيل من مكانة البخاري...
المسألة ليست مسألة تقديس للبخاري، ولو كانت المسألة كذلك لاتجه الناس إلى موطّأ الإمام مالك إمام دار الهجرة، أو مسند ابن حنبل إمام أهل السنّة، بل لقدّسوا مرويّات البخاري نفسه في كتبه الأخرى، فالمسألة عند...
إن هذا الاضطراب والتخبّط لدى هؤلاء يكشف أيضاً عن جهل عريض في أصول هذه العلوم ومبادئها الأولية، ولذلك لا ترى هذا الطعن إلا منهم ومن أمثالهم، ممن لا علم لهم بالسنّة وعلومها. إن علماء السنّة...
يتعرض صحيح البخاري هذه الأيام لحملة من التشكيك وإثارة الشبهات، مع حالة من الغموض بالنسبة لدوافعها وغاياتها، والعلاقات التي تجمع بين أصحابها، الذين كأنهم تفرّغوا اليوم أو فُرّغوا لهذه المهمة. هؤلاء بالعموم لم يُعرف عنهم...
لست أهوّن أبداً من مشروعية الغضب في مثل هذه الصدمات، بل أعتبر هذا دليلاً على حياة الأمة واعتزازها بهويتها وبذاتها، وبالعنوان الكبير الذي يجمعها، رغم محاولات تغييبها وتجزئتها، فحينما أرى شاباً عربياً أو تركياً أو...
قبل ثلاثين سنة، استبشر التيار الإسلامي بالانقلاب الذي قاده الرئيس عمر حسن البشير، وتصاعدت الآمال بالنموذج المرتقب للحكم الإسلامي المعاصر، وصار الناس يتداولون الأخبار والقصص عن زهد الرئيس البشير وتواضعه وحكمته، حتى سمعت من أحد...
بقرار من وزارة التعليم في دولة قطر، تشكلت لجنة من الكفاءات العالية لمراجعة وثيقة المعايير المتعلقة بمناهج التربية الإسلامية. وقد جاء القرار بحد ذاته ليعكس رؤية عميقة وواعدة يمكن تلخيصها في الآتي: أولاً: الاهتمام الخاص...
إن الحكم الوراثي السلالي كان جزءاً من ثقافة العرب عموماً، فإذا مات شيخ القبيلة ورثه ابنه، فإن لم يتهيّأ كان أقرب الناس إليه، ودول العالم المجاور للجزيرة -على الأقل- لم تكن تعرف غير هذا، وحينما...
من الغريب جداً أن «المتنورين» بروح العصر وقيمه وثقافته، يجعلون معيار الحكم على تلك المرحلة معياراً مستنداً بالأساس إلى روح «القداسة» أو قداسة «الروح»، فمرة يحدّثونك عن جريمة الخروج على الإمام علي، بمحاكمة أحادية الجانب،...
التاريخ بكل تأكيد لا تصنعه الملائكة، وإنما هو صناعة بشرية بأحداثه ومواقفه ورواياته وتدويناته وتحليلاته واستنتاجاته ومصادره، إلا ما ورد منه بآية قرآنية أو حديث صحيح. هذه المقدمة -التي ينبغي ألا نختلف فيها- تفتح باباً...
تستغل الباطنية اليوم حالة الضعف العام الذي تمر به الأمة سياسياً واقتصادياً وثقافياً، وما يصاحبها من تفكك واضطراب في المنظومة القيمية والعقدية الجامعة، وتراجع مستويات التعليم الديني، وعجز المؤسسات الشرعية والجماعات الإسلامية عن مواجهة التحديات...
الباطنية مذاهب مختلفة، يجمعها اعتقاد باطن للقرآن يخالف ظاهره، وأن هذا الباطن هو مراد الله تعالى، والمقصد من هذا إنما هو تحريف العقيدة وإبطال الشريعة، وإشاعة الشك والفوضى، وتبديل الأحكام الواضحة بمفاهيم عائمة لا تحق...