


عدد المقالات 58
في كتابه «تيودور روزفلت بطل لخادمه الخاص» يقول السيد «آموس» الخادم الخاص للرئيس السابق «روزفلت»: طرحت زوجتي ذات مرة سؤالا على الرئيس عن طائر السمان الأميركي، ولم تكن قد رأته من قبل، فما كان منه إلا أن وصفه لها بالكامل، وبعد ذلك بفترة رنَّ الهاتف في كوخنا -كان «آموس» وزوجته يعيشان في كوخ بضيعة «روزفلت» في أوبستر باي- فردت زوجتي على الهاتف لتجد المتحدث هو السيد «روزفلت» نفسه، وقال لها إنه اتصل بها ليخبرها أن هناك طائر سمان خارج نافذتها، وأنها لو نظرت إلى الخارج لرأته. كان الرئيس يتميز بأشياء صغيرة مثل هذه، فمثلاً عندما كان يمر بالقرب من كوخنا -ورغم أننا نكون بعيدين عن مرمى البصر- فإننا كنا نسمعه يصيح قائلا: «آني»، أو «جيمزأ» وقد كانت هذه مجرد تحية لطيفة منه وهو يمر بجوارنا. لقد كان الرئيس «روزفلت» يتميز بلمسة إنسانية مع كل من يتعامل معه حتى لو كان من طبقة الخدم، وهذه الصفة ميزته عن الكثير من الناس، فلم يكن يخص بالذوق وألفاظ المجاملة والأسلوب الراقي أصحاب النفوذ والمناصب والأموال فقط كما يفعل أغلب الناس. وفي عالم معاصر مليء بالماديات والقسوة والأنانية والبحث عن المصالح الشخصية، عالم أشبه ما يكون بصحراء جرداء لا روح فيها ولا حياة، يفتقد الناس فيه للَّمسة الإنسانية وللرحمة. يقول عالم النفس النمساوي «ألفرد أدلر»: «إن الإنسان الذي لا يهتم بأخيه الإنسان هو شخص يواجه أصعب المصائب في الحياة، ويؤذي الآخرين أيما إيذاء، ومن أمثال هؤلاء الأشخاص تأتي كل حالات الكوارث البشرية». إن الشخصيات العظيمة هي التي تحب الناس وتحب الخير لهم وتترك أثرا بليغا في النفوس ويخلد ذكرها بالجميل في الأذهان حتى بعد تركها للدنيا بزمن طويل. إن التعامل مع الآخرين بالأسلوب الراقي والمتواضع بغض النظر عن الجنس أو اللون أو المنصب هو الأجدر بأهل النبل والأخلاق والأدب، ويزداد المرء نبلا وتعلو قيمته الأخلاقية ارتفاعا كلما تعامل بهذه الروح الكريمة مع من هم أدنى منه من مستضعفين خصوصا العمال والخدم ومن ولاه الله سبحانه ولايتهم، لاسيَّما والكثير منهم هاجر بلده وأهله في سبيل لقمة العيش والحياة الكريمة. إن اللمسة الإنسانية والمعاملة الرحيمة خلق إسلامي أصيل، حث عليه الإسلام وربى النبي صلى الله عليه وسلم عليه أصحابه، وكان هو القدوة في ذلك ما جعل القلوب تهفو إليه والنفوس تتعلق به، فتروي لنا كتب السيرة أن زيد بن حارثة وكان عبدا لخديجة وهبته للنبي، فلما عاشره رأى فيه -عليه السلام- من نبيل القيم وحسن المعاملة ولين الجانب ما سلاه في غربته وعزاه في أهله. ولكن حارثة لم ينس فراق ولده وجزع جزعا شديدا، وطار في الآفاق شِعرُ تشوقه إليه وحزنه عليه، ومما يقول فيه: بكيت على زيد ولم أدر ما فعل * أحيٌّ فيُرجى أم أتى دونه الأجل فو الله ما أدري وإني لسائل * أغالَك بعدي السهل أم غالَك الجبل ويا ليت شعري هل لك الدهر أوبة * فحسبي من الدنيا رجوعك لي بجل تُذكِّرُنيهِ الشمس عند طلوعها * وتَعرض ذكراه إذا غربُها أفل وإن هبت الأرواح هيَّجن ذكره * فيا طول ما حزني عليه وما وجل سأعمل نص العِيس في الأرض جاهدا * ولا أسأم التطواف أو تسأم الإبل حياتي أو تأتي علي منيتي * فكل امرئ فانٍ وإن غره الأمل. ثم قدر له أن يعلم أن مكان زيد بمكة فشد إليه الرحال وقدم عليه، فرحب عليه السلام بالركب بما عُرف عنه من كرم الضيافة وحسن الوفادة، فلما كلمه حارثة في غرضه الذي جاء من أجله، وهو أخذ ولده وعرض من المال ما عرض، أبى عليه السلام مرة أخرى إلا أن يتألق في سماء القيم ويعطي درسا آخر في اللمسات الإنسانية المتعالية على الماديات، فيرفض عرضهم المادي ويخاطب زيدا فيقول له: إن شئت فأقم عندي، وإن شئت فانطلق مع أبيك! فقال: بل أقيم عندك. لقد اختار زيد البقاء مع رجل غريب أثرت فيه لمسته الإنسانية غاية التأثير، وكان هذا قبل البعثة، ثم بعد البعثة شهد له رب العالمين باللمسة الإنسانية الحانية فقال (فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ) وقال (وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ)، فلا عجب بعد البعثة أن يكون زيد بن حارثة في مقدمة مَن يعتنق ديناً، رسولُه هذا الإنسانُ العظيمُ.
في ربيع الأول من سنة 41 هـ تنازل الحسن بن علي بن أبي طالب رضي الله عنهما إلى معاوية بن أبي سفيان عن الخلافة, وعلق المؤرخ ابن كثير على هذه الحادثة قائلاً: «وذلك كمال ثلاثين...
في العام الثامن للهجرة أرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم سرية في قرابة ثلاثة آلاف فارس إلى البلقاء من أرض الشام لمقاتلة جيش يعد يومئذ أقوى جيوش العالم وأمر عليهم زيد بن حارثة، وقال:...
في يوم من الأيام بحدود 350 قبل الميلاد وقبل غروب الشمس كان فيلسوف الهند الكبير «شاناكيا» -وله أسماء أخرى اشتهر بها مثل «فشنوجوتبا» و «كاوتيليا»- يراقب باهتمام مجموعة من الصبية يلعبون؛ فلفت نظره أن أحد...
كان يُعرف بالفتى المُدَلَّل؛ فكان لا يلبس الثوب الواحد ليومين مُتتاليين، وكان له عِطر يُعرف به بسبب نَشْأته في أحضان أم مُترَفة فعاش في يُسر وسعة. اختار ابن الدار الواسعة السير في طريق الإسلام الشاقة،...
في العقد الأخير من القرن التاسع عشر(1890م) كان هناك شاب في العشرين من عمره يعمل لدى شركة «بوفالو فورج» في «بونالو» بنيويورك، وَعُيِّن في قسم آلات تزويد الغاز في مصنع تابع لشركة «بيتسبرج بلايت جلاس»...
جاءت قريش وشكت النبي إلى أبي طالب فكان جوابه عليه السلام لعمه وهم يسمعون: «يا عم، إني أريدهم على كلمة واحدة يقولونها، تدين لهم بها العرب، وتؤدي إليهم بها العجم الجزية»، ففزعوا لكلمته ولقوله، فقالوا:...
لقد سرنا سوياً في هذه السلسلة التاريخية والفكرية المسماة «صراع المشاريع» برحلة طويلة من الزمن، حيث بدأنا في الحلقة الأولى من نهاية القرن الهجري الثالث إلى أن وقفنا في الحلقة العاشرة عند القرن الثامن الهجري،...
كان المشروع الصليبي أطولَ المشاريع المعادية للأمة عُمرا وأكثرَها استنزافا لطاقتها وإرهاقا لها، وقد استمر فترة طويلة من الزمن تعاقبت على حربه دولٌ إسلامية كثيرة حتى قدَّر الله سبحانه أن تكون نهاية وجودهم كإمارات وحكام...
تُعتبر مرحلة الأيوبيين ما بعد «صلاح الدين» من أهم مراحل الصراع بين المشروع الإسلامي والمشروع الصليبي الذي أبى أن يَفتُر أو يستسلم؛ بل شنَّ أربع حملات متتاليةً وشرسة. والحقيقة أن «صلاح الدين الأيوبي» بما تميز...
بوفاة الملك الناصر «صلاح الدين الأيوبي» رحمه الله عام589هـ يكون قد مضى على بدء ملحمة صراع المشاريع مرحلة زمنية كبيرة نسبياً تقارب الثلاثة قرون، وذلك إذا قدَّرنا بداية الصراع بظهور أول دولة للمشروع الباطني وهي...
يستمرصراع المشاريع ليتجاوز القرون من الزمن، والأمة من حرب إلى حرب، ومن صراع إلى صراع، تسطر ملحمة حضارية حافلة بالانتصارات والهزائم والأفراح والآلام توجتها البطولات التاريخية التي قادتها إلى نصر حضاري قبل أن يكون عسكريا...
قال المؤرخ ابن الأثير: «طالعتُ سير الملوك المتقدمين فلم أر بعد الخلفاء الراشدين وعمر بن عبدالعزيز أحسن سيرة ولا أكثر تحريا للعدل منه، وهو أول من ابتنى دارا للعدل وكان يجلس فيها أربع مرات أسبوعيا...