alsharq

مريم ياسين الحمادي

عدد المقالات 384

المجتمعات المتوحشة

05 أبريل 2025 , 10:57م

في مداخلة من الدكتور بسام ضويحي رئيس مركز أمية للبحوث والدراسات الإستراتيجية، حول تعليقي على موضوع الهوية الوطنية، قال فيه «موضوع مهم، المجتمعات الغربية اليوم تعاني الكثير من فقدان العادات والتقاليد التي تربط الفرد بالأسرة والمجتمع والقيم الفطرية وهذا نجم عنه كما يسمونه في العلوم النفسية والاجتماعية اليوم المجتمعات المتوحشة». مصطلح مخيف ! فقد شهدت المجتمعات وخاصة الغربية تحولات اجتماعية وثقافية عميقة، تُعيد تشكيل العلاقة بين الفرد والأسرة، وبين الإنسان ومجتمعه، في ظل تنامي نماذج الفردانية والتفكك القيمي. والانفصال المتدرج عن العادات والتقاليد الراسخة، وما تمثله من روابط طبيعية وفطرية، أنتج ظاهرة ما يسميه علماء الاجتماع المعاصرون بـ”المجتمعات المتوحشة” هذا المصطلح يستخدم كتشخيص لحالة اجتماعية فقدت فيها المجتمعات قدرتها على احتضان الفرد، وتوجيهه، وحمايته من العزلة والاغتراب، رغم التقدم التكنولوجي والرفاه المادي. والأسباب ترتبط بالعادات والتقاليد، التي تعتبر شبكة أمان إنسانية، فقد كانت العادات والتقاليد تؤدي دوراً رئيسياً في حفظ التوازن الاجتماعي: فهي من تُنظم العلاقات الأسرية، وتحدد سلوك الفرد داخل الجماعة، وتُرسّخ مفاهيم الانتماء، والمسؤولية، والاحترام. وما حدث في المجتمعات الغربية الحديثة، فقد جرى تفكيك هذه الروابط تحت شعارات “التحرر” و”الاستقلال الفردي”، ما أدى إلى تآكل العلاقة بين الأجيال، وتراجع دور الأسرة، وانفصال الفرد عن محيطه الأخلاقي والاجتماعي. فأصبح الفرد كياناً مستقلًا يرفض الإرشاد، ويتحرّك في فضاء لا مرجعية فيه إلا الذات. كما ترتبط بالفردانية حيث ارتبط مفهوم “المجتمعات المتوحشة” بنموذج الحرية الذي تم فصله عن المسؤولية. حيث أصبحت حرية القرار مطلقة، ولو على حساب التماسك الأسري، أو العلاقة بين الوالدين وأبنائهم، أو الالتزام الأخلاقي تجاه المجتمع. هذا النموذج ولّد نوعًا من التوحش السلوكي، لا بمعناه العدواني، بل من حيث غياب الضوابط الفطرية التي توازن بين الحرية والواجب، وبين الذات والآخر، وبين الغريزة والعقل، لذا تظهر الدراسات النفسية الحديثة تزايداً في معدلات العزلة، الاكتئاب، الانتحار، وغياب المعنى لدى الأفراد في هذه المجتمعات، رغم وفرة الخيارات والحقوق. ومن أهم الأسباب غياب دور الأسرة كنواة للمجتمع، وما ترتب عليه من مظاهر لتفكك الأسرة التقليدية: تزايد حالات الطلاق، ضعف العلاقة بين الأجيال، فقدان الشعور بالدفء الأسري، تطبيع أنماط أسرية جديدة لا ترتكز على المسؤولية والتكامل. لقد تجاوز الأمر أن يكون غياب الأسرة بمفهوم الأب والأم بل أصبح فقدان الحاضنة التربوية التي تُنقل فيها القيم، وتُصقل فيها الشخصية، ويُكتسب منها الشعور بالانتماء. الحقيقة أن ما وصلت له الحضارة، يحتاج إعادة النظر فيما آلت له مفاهيم ارتبطت لدى الأفراد بالحضارة، هل يعني التقدم أن نقطع صلتنا بالفطرة؟ هل يعني الاستقلال أن نلغي الأسرة؟ هل تعني الحرية أن نرفض أي توجيه أخلاقي أو اجتماعي؟ هل يعني التحضر أن ننسلخ من ديننا وعاداتنا وتقاليدنا؟! إن المجتمعات لا تقاس فقط بقوتها الاقتصادية أو حرياتها القانونية، والتي أصبح فيه مستخدمو القانون متلاعبين بمعانيه وتفسيراته، حتى خلت من الأهداف لوضع هذه القوانين بل وأصبحت معوقة أحياناً لكونها قوانين بشرية تدار وفقا للمصالح. إن قوة المجتمعات بقوة نسيجها الاجتماعي، ومتانة العلاقات بين أفرادها، ومدى حفاظها على القيم التي تحفظ إنسانية الإنسان. الخلاصة هنا: المجتمعات المتوحشة ليست حتمية، بل نتيجة خيارات ثقافية متراكمة. ويمكن دائمًا استعادة التوازن حين ندرك أن الإنسان لا يعيش بالفردية فقط، بل بالحوار، والانتماء، والارتباط، وبالعادات التي تحفظه من الانزلاق إلى العبث، ومما يعتقده البعض تمدنا أو تحضرا للمحافظة على ما تبقى من سمات الإنسانية بفطرتها السليمة. الحاجة الماسة اليوم للارتقاء الواعي، الذي يحفظ الإنسان من التحول إلى كائن رقمي يعيش بوحدة، في صخب التقنية، ويفتقد صفات الإنسانية ودفء الروحانية. والسبيل لذلك المجتمعات المتماسكة، من أجل حواضن تربوية سليمة. @maryamhamadi

قطريات يصنعن أثراً

في مسيرة الأوطان، تبقى الأسماء والأفعال التي صنعت فرقًا شاهدة على أن العطاء بصمة تمتد في الذاكرة الجمعية لتلهم الأجيال. حين نتأمل تاريخ قطر خلال العقود الممتدة من عشرينيات القرن الماضي حتى منتصف التسعينيات (1920–...

دوام

مع انتهاء موسم الإجازات والعودة إلى المدارس، تتردد بكثرة عبارات «دوام»، وتتباين ردود الأفعال بين من يستقبلها بابتسامة متفائلة، ومن يتأفف وكأنها عبء ثقيل. كلمة صغيرة تحمل في داخلها مشاعر متباينة، فالإنسان هو الذي يحمّلها...

الكتب ألوان وأفكار

للألوان رمزية عميقة تتجاوز حدود الشكل لتصبح عناوين لأفكار وأزمنة. فقد ارتبطت كتب معينة بألوانها، وتحولت إلى مشاريع فكرية وسياسية غيّرت وجه التاريخ. فالكتاب الأخضر الذي أصدره معمر القذافي في سبعينيات القرن الماضي، وامتد حضوره...

شهادات عابرة للحدود

التجارب الصادقة والشهادات الموثوقة هي مرآة تعكس القيم التي يقوم عليها النجاح المهني. ولذا، قدم العديد من المتخصصين خبراتهم كشهادات عالمية، تنقل المعرفة وتفتح الطريق أمام الآخرين. ومن أبرز هؤلاء جون ماكسويل، الخبير العالمي في...

الاسم التجاري مرآة الهوية الوطنية

هل تأملت يومًا في دلالات بعض الأسماء العالمية التي أصبحت تمثل علامات تجارية راسخة؟ في عالم التكنولوجيا، لا تحمل الأسماء مجرد طابع تسويقي، بل تعكس رؤى حضارية وفلسفات ثقافية عميقة. على سبيل المثال، يحمل اسم...

البوصلة الثقافية

في يومٍ مقدّس من عام 1779، رست سفن الكابتن جيمس كوك على شواطئ جزر هاواي. لم يكن يدري، وهو البحّار القادم من المناطق الباردة، أنه يدخل أرضًا تقرأ الزمن بطريقة مختلفة، وتمنح القادمين من البحر...

التلاعب الثقافي

من القصص التي وثقتها الكتب، قصة المستكشف الإيطالي كريستوفر كولومبس الذي علق مع طاقمه على سواحل جامايكا، كان ذلك في رحلته الرابعة إلى العالم الجديد، في 29 فبراير من عام 1504، بعد أن تعطلت سفنهم...

أخضر أم أحمر: هل تختار الحقيقة أم توافق الجماعة؟

في إحدى القاعات الجامعية، عرضت أستاذة جامعية ملفًا أخضر اللون أمام طلبتها، واتفقت مسبقًا مع الجميع – باستثناء طالب واحد – على الادعاء بأن الملف لونه “أحمر”. وما إن دخل الطالب المتأخر، حتى بدأت التجربة....

«إشادة»

على الأرجح أنك قد تلقيت من قبل رسالة عبر برنامج «موارد» تقول: «لنبنِ معًا ثقافة تقدير حقيقية في بيئة عملنا. شارك بطاقة (إشادة) شهريًا مع من يستحق، وكن شريكًا في نشر روح الامتنان والتحفيز». هل...

تميم المجد... مؤسس الهوية الوطنية

أشرف حضرة صاحب السمو الشيخ تميم بن حمد آل ثاني أمير البلاد المفدي على وضع رؤية قطر الوطنية 2030، التي باتت مرجعًا استراتيجيًا للدولة. ولعل أبرز ما يميز تلك المرحلة هو مشروع تعزيز الهوية الوطنية،...

المراجعة الذاتية

بالتزامن مع العمل على تقييم الموظفين نصف السنوي، هل سمعت من قبل عن “المراجعة الذاتية”؟ قد يتبادر إلى الذهن أن الأمر يرتبط بمحاسبة شخصية أو تأمل داخلي، وهذا جزء من الحقيقة، لكنه في سياق المؤسسات...

مواضيع من واتساب

هذه المرة لديَّ مواضيع أطرحها من خلال تصوراتي عنها. ربما لديكم تصور آخر، وربما تكون موضوعاً للمناقشة في كثير من مجموعات «الواتساب» التي تحوّلت إلى منصات حوارية هادفة، بالإضافة إلى كونها وسيلة توعوية. وهذا أمر...